لبنان: نواب الثورة وآليات العمل البرلماني للتغيير

لبنان: نواب الثورة وآليات العمل البرلماني للتغيير

حسين عطايا

في سابقة غير منتظرة دخل إلى مجلس النواب اللبناني أربعة عشر نائباً أتوا من الشعب مباشرة، من دون المرور بآليات عمل الأحزاب أو سلالات وبطانات الزعماء، الذين يختارون أشخاصاً معينين نتيجة قربهم منهم أو بناء على خدمات قدموها للزعيم أو الحزب.

هذا الأمر جعل منهم نواباً استثنائيين بكل ما للكلمة من معنى، كونهم جاؤوا مباشرة من صفوف الشعب اللبناني المنتفض. وبناء على تجربة الأسبوع الأول الذي تلا الانتخابات، بانت محاولات من بعض الإعلام لاستغلالهم لمآرب خاصة، كما بدت عليه الحلقة التلفزيونية في برنامج “صار الوقت” الذي يقدمه الإعلامي مارسيل غانم، التي تركت ردود فعل كثيرة.

فبعد مرور أسبوع على الانتخابات التي فاز بها من فاز وسقط من سقط، وبعد أن أظهرت عمليات الاقتراع نتائج واضحة وصريحة عما يُريده أبناء الشعب اللبناني، على الرغم من أن الأكثرية ما زالت صامتة، وهي لم تُشارك في الاستحقاق الانتخابي الذي وُصِف بـ”المفصلي”، وكان من نتائجه تحول في الأكثريات التي تتحكم باللعبة البرلمانية اللبنانية، إذ خلطت الأوراق مجدداً وأبعدت الرتابة عن العمل البرلماني كما اعتاد عليه اللبنانيون على مدار ثلاثين سنة تقريباً، إذ خلقت حالة حيوية مختلفة وغير مسبوقة بالفعل، لأن المرشحين كانوا يأتون من آليات ترشيح مختلفة كلياً عما حصل مؤخراً، لا بل حصل بها تغيير مثير أدى إلى فوز نواب تغييرين من بين صفوف الشعب والثورة.

هذا الأمر يُلقي على عاتق هؤلاء النواب مسؤليات جمة تختلف عما هو مطلوب من غيرهم، فهم آتون من رحم الثورة ومجموعاتها. ترشيحهم بقرار ذاتي، ولوائحهم شُكلت بمحض إرادتهم، ونجاحهم نتاج عملهم الدؤوب لسنتين ونيف من عمر انتفاضة ١٧ تشرين، هم أشخاص ناجحون في مسيرتهم المهنية، ومن مشارب سياسية واجتماعية سبقت نجاحهم وجعلت منهم نواباً مختلفين عن غيرهم، وهذا ما يضع على كاهلهم أعباء ومسؤوليات جسام، وعيون ناخبيهم تراقبهم، وحتماً ستحاسبهم بعد أربع سنوات.

وهذا يتطلب منهم التغيير الفعلي بذهنية عملهم، ووضع حد فاصل عن الخطاب الشعبوي الذي رافق مسيرتهم في صفوف الثورة وأثناء خوض المعركة الانتخابية، وفي لحظة نجاحهم ودخولهم الندوة البرلمانية، لأن العمل البرلماني له آليات عمل وبروتوكولات تختلف كُلياً عن العمل الثوري وشعبويته وآلياته.

من هنا، أصبح يسجل على النواب التغييريين كل كلمة تقال، وكل حديث صحفي أو إعلامي يصدر عنهم، وهم مُطالبون بالتحلي بالموضوعية والابتعاد عن الشعارات التي لن تجد لها مكاناً في مقاعد البرلمان.

بعد أسبوع من فوزهم احتلوا الشاشات وتمت استضافتهم في العديد من البرامج الإذاعية والصحفية ومواقع التواصل الاجتماعي على تعدد اتجاهاتها، وأدلوا بدلوهم بكل شيء، وخلقوا بعض الحراك السياسي ــ الديني في بعض مجالات التغيير الذي يقتنعون به، بدءاً من الزواج المدني، ومرورا بالتغيير في الرئاسات، وتطبيق أوفاق وقرارات “الطائف”، وغيرها من الأمور والنظريات التي كانت عملية الغوص فيها تكاد تكون من المحرمات.

ولكن بدءا من اليوم الواقع في الثاني والعشرون من أيار – ماي ٢٠٢٢ أصبحوا نواباً ذوو صلاحية كاملة، وبدأت أعمال المجلس النيابي الجديد، والتي تحمل معها استحقاقات هامة وضرورية، ستضع الأعين عليهم وعلى ممارساتهم، لذلك مطلوب منهم” 

– أولا: الإسراع بتشكيل كتلة برلمانية وفق أصول العمل البرلماني وبروتوكولاته، من خلال تسجيلها في مكتب المجلس، وهي ذات طابع تنظيمي خاص يتطلب انتخاب رئيس ومقرر للكتلة.

– ثانياً: توزيع الأدوار فيما بينهم، كُلٌ وفق اختصاصه، تحضيراً للدخول والمشاركة بكل لجان المجلس النيابي، ليكونوا فعلا مختلفين في عملهم عن الآخرين وعن الروتين المعمول به في البرلمان اللبناني، وانتخاب أحدهم للمشاركة بأعمال مكتب المجلس.

– ثالثا: المشاركة بفعالية في انتخاب رئيس للمجلس النيابي، ولو بورقة بيضاء أو أية فكرة يتفقون عليها، وترشيح أحدهم لنيابة رئاسة مجلس النواب، لما لهذا الموقع من أهمية في عمل المجلس النيابي.

– رابعاً: وضع لائحة أسماء تتوافق مع فكرهم وتطلعاتهم، والتي تُمثل تطلعات الشعب اللبناني الذي انتخبهم، لطرحها في حال تمت الاستشارات النيابية الملزمة،والتي مطلوب من رئيس الجمهوربة الدعوة لها لتكليف رئيساً للحكومة.

– خامساً: وضع لائحة اسمية من اختصاصيين مشهودٌ لهم بالمناقبية والكفاءة والسيرة الحسنة، لإدخالهم في الحكومة العتيدة في حال تم تشكيلها، لفرض حصتهم بها كقوى تغييرية تُمثل خير تمثيل رؤيتهم ورؤية اللبنانيين، التواقين للتغيير الفعلي في العمل الحكومي .

ـ سادساٌ: وضع خارطة طريق تشريعية وفق أولويات ما تحتاجه البلاد من قوانين جديدة، تُساهم بتطوير حياة اللبنانيين ومواجهة الأزمات التي يعيشها الوطن وأهله، لاسيما في قانون النقد والتسليف، رفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام، اللامركزية الإدارية الموسعة، تعيين الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، إنشاء مجلس للشيوخ، قانون انتخاب عصري خارج القيد الطائفي، وفق ما نص عايه اتفاق “الطائف”، على أن تكون المحافظة دائرة انتخابية بعد إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية، إعادة العمل بقانون خدمة العلم “الخدمة العسكرية”، لما لها من تأثير على تربية النشء والشباب اللبناني، على أن تُراعى مدة الخدمة ونوعيتها، إنشاء وزارة خاصة للتخطيط، تأخذ على عاتقها العمل في إعداد الخطط القصيرة والطويلة الأمد، لخلق استقرار في إعداد المشاريع على مساحة الوطن، والابتعاد عن التلزيمات في المشاريع، والتي في غالبيتها هي محاصصات وسمسرات يستفيد منها الأزلام والمحاسيب على حساب الوطن والشعب،وتذهب بغالييتها إلى جيوبهم،  قانون مدني للأحوال الشخصية، اختياري في فترة زمنية، على أن يُصبح إلزامياً فيما بعد.

وهذا غيض من فيض ما يطلبه اللبنانيون من نوابه الجُدد، والذين يُشكلون نافذة أمل للشعب، الذي طال انتظاره لرؤية نواب مُختلفين عمن سبقوهم، يسعون للتغيير الحقيقي، بالفعل وليس مجرد وعود انتخابية تذهب مع انتهاء النتائج، ولا يعود ذكرها إلا بعد أربع سنوات عند استحقاق انتخابي آخر.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *