محمد الحيحي.. أول مغربي وعربي تكرمه المنظمة الحقوقية هيومن رايتس ووتش
جمال المحافظ
تحل يوم غد الأحد الذكرى 24 لرحيل السي محمد الحيحي، مربي الأجيال وأحد رواد الحركة التطوعية المغربية رئيس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ الأسبق الذي وافته المنية في 11 من شتنبر سنة 1998 بالرباط.
محمد الحيحي (1928- 1998) كان من بين المساهمين إلى جانب الشهيد المهدي بن بركة في إطلاق مشروع طريق الوحدة سنة 1957، ومن مؤسسي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان AMDH ما بين 1989 و 1992 . ويعود له الفضل ك\لك في تأسيس اتحاد المنظمات المغربية التربوية سنة 1991.
ولدوره الريادي في الدفاع عن حقوق الإنسان وإشاعة ثقافتها، جرى تكريم محمد الحيحي في نيويورك سنة 1991 من طرف منظمة HUMAN RIGHTS WATCH الأمريكية، كأول مغربي وعربي يحظى بهذا التشريف الدولي.
فعلى الرغم من انصرام أزيد من عقدين على رحيله فإن القيم التربوية والحقوقية التي ناضل من أجلها محمد الحيحي قيد حياته، وما خلفه من جليل الأعمال، تظل ذاكرة حية ونبراسا للأجيال الحالية، خاصة في مجال التطوع والعمل الجمعوي. كما يشكل أمانة تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني، خاصة المنظمات التربوية والجمعيات الحقوقية التي آمن بأدوارها الطلائعية في ترسيخ التربية على الديمقراطية وإشاعة قيم الحرية والمواطنة والتسامح ونبذ التطرف والانغلاق والاستيلاب. فالفقيد سي محمد الذي كان يحظى باحترام كافة الفاعلين كانوا من رفاقه أو من خصومه، نظير عمله النزيه والدؤوب في المجال السياسي والتربوي والحقوقي.
فمنذ رحيل سي الحيحي، جرت مياه كثير تحت جسر المجتمع المدني، وطرحت إشكاليات جديدة نتيجة التحولات المتسارعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، رافقها تراجع ملحوظ في منسوب الثقة ليس فقط في الأوساط المسؤولة عن تدبير الشأن العام وهيئات الوساطة السياسية والنقابية، بل امتد ذلك – مع الأسف الشديد- منظمات المجتمع المدني رغم ما أصبحت تتمتع به من صلاحيات دستورية وقانونية وامكانيات مادية وموارد بشرية، بالمقارنة مع ما كانت تواجهه مثيلاتها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي من صعوبات وعراقيل متنوعة.
ومما يزكى أهمية قيم التطوع في التي راهن عليها محمد الحيحي قيد حياته، التوجه الذي سارت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة، حينما اعتبرت في مقرراتها بأن “المجتمع المدني التطوعي يشكل عنصرا مهما في أي استراتيجية، تستهدف تحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر والسلم والصحة والتعليم وتمكين الشباب وتحقيق التكامل الاجتماعي والرعاية الاجتماعية والعمل الإنساني”، وهو التصور الذي زكاه الأمين العام للأمم المتحدة، حينما دعا إلى إدماج التطوع في الخطة الأممية للتنمية المستدامة برسم سنة 2030 .
وعلى المستوى الوطني، خص دستور 2011 المجتمع المدني بمكانة مهمة، حينما نص في الفصل 12 على أن الجمعيات المهتمة بالشأن العام والمنظمات غير الحكومية، تساهم في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها.
بيد أن ما يثير الاستغراب عدم تفعيل لحد الآن المجلس الاستشاري الشباب والعمل الجمعوي الذي نص عليه الدستور ضمن مؤسسات الحكامة، والذي يهدف الى النهوض بمنظمات المجتمع المدني، وهو ما يفوت على الجمعيات فرص تقديم حول مقترحاتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافي، والانخراط في رهان تحقيق التنمية المستدامة. فالوظائف الجديدة التي يخولها الدستور للمجتمع المدني ما زالت في حاجة إلى تعزيز أدواره.
وإذا كان من الإيجابي أن يعرف عدد الجمعيات ارتفاعا كبيرا على المستوى المركزي والجهوي والمحلي، وتشمل أنشطتها مجالات وتخصصات عدة، فإن هذا الارتفاع الكمي، لم يوازيه ا تطورا على مستوى الجودة والتنوع، مما يجعل العرض المدني في غالبيته، فاقدا من الناحية الكيفية لأي مدلول وفعل ملموسين، ينعكس على الفئات المستهدفة، علاوة على غياب تشريع حديث وتأهيل للمجتمع المدني.
طرح هذه الإشكاليات لا يعنى بالضرورة، تبخيس دور المجتمع المدني وتحميله كامل المسؤولية، ولكن للتأكيد على الدور الحيوي والفعال الذي يتعين أن يضطلع به، خاصة في ظل هذه الظرفية والدقيقة التي تجتازها البلاد، بل الأمر يعد مساهمة في النقاش حول الوسائل الكفيلة بالارتقاء بمستوى النقاش العمومي حول الجمعيات والمنظمات بهدف الارتقاء بوظائفها وتسريع ودمقرطتها وضمان استقلاليتها وحكامة تدبيرها.
ومن أجل احداث فضاء للتفكير والحوار حول قضايا ورهانات العمل الجمعوي، تأسست “حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي” في خامس دجنبر 2010 بمناسبة اليوم العالمي للمتطوعين. وتنظم الحلقة سنويا منذ 2017 ” الجائزة الوطنية محمد الحيحي للتطوع ” فضلا على عدد من الأنشطة ذات الطبيعة الاشعاعية خاصة ما يتعلق منها باذكاء ثقافة الاعتراف والتوعية بأهمية العمل التطوعي والتربوي . وكعادتها كل سنة ، تنظم الحلقة يوم غد الأحد 11 شتنبر لقاء بمقبرة الشهداء بالرباط للترحم على روح الفقيد محمد الحيحي، تخليدا لذكرى رحيله والاشادة بمناقبه، استحضارا للقيم التي ناضل من أجلها قيد حياته في المجالات التربوية والحقوقية.