غودار يرحل إلى السينما السابعة

غودار يرحل إلى السينما السابعة

باريس- المعطي قبال

الانتحار ذاك الموت الغريب والعنيف. لجأ إلى حده أعلام من الأدب، الفكر، الفن والسينما. نذكر من بينهم على سبيل المثال سيزار بافيزي، ستيفان زفايغ، صادق هدايات، هيمنجواي، بول سيلان، وأخيرا جان-ليك غودار الذي ساعده أقاربه على القفز ما وراء الحياة. كان غودار شغوفا فلسفيا بالانتحار وبإرادة الإقبال على هذا الفعل الراديكالي.

أيقونة سينمائية

غودار أيقونة سينمائية نادرة. جمع في أفلامه بين الفن التشكيلي، الأدب، الموسيقى، وكل الفنون الحية التي تخلق أو تعيد خلق العالم بصفته أحد الفنون الجميلة. لا تصلح أفلامه للمتفرجين الذين اعتادوا قضاء ساعتين من الضحك المتواصل بالصالات المعتمة  أو أولئك الذين تعودوا على الأفلام السردية الأفقية التي تختتم بكلمة «نهاية»، بل هو مخرج بالمعنى الحرفي (سقراطي يولد الأفكار من دماغ المتفرجين) وبالمعنى الرمزي، أي يعرض من الداخل إلى الخارج حكايات وعوالم عادية لا ينتبه لها الإنسان العادي. فهو إلى حد ما قريب من رولان بارث ومن جاك لاكان باشتغاله على الصورة فيما يخص الأول واللغة بالنسبة للثاني. لذا وطد بشكل عضوي العلاقة بين الصورة واللغة على اعتبار أن الصورة لغة وأن اللغة صورة. على مدى 150 فيلما، ما بين أفلام قصيرة وطويلة، اشتغل عليها بتقنيات تقليدية (35 مم) أو حديثة (كاميرات فيديو مكنته من احتلال الأزقة والشوارع لالتقاط سيلان الحياة)، قام غودار بما أسماه «أركيولوجية الصورة» بما هي مادة ومعنى.

مريض بالسرقة

ولد جان-ليك غودار بباريس في 3 ديسمبر من عام 1930 بالمقاطعة السابعة. وهو سليل عائلة بورجوازية لا من ناحية أمه ولا من ناحية والده الذي كان طبيبا ورئيسا لعيادة طبية. بطلاق والديه، ارتمى جان-ليك غودار، الذي كان قارئا نهما للأدب، في أحضان السينما الشيء الذي أثار استياء العائلة. بعدها أصيب بداء السرقة وبالأخص سرقة الكتب، حيث اختلس الكتب لبيعها، ثم اختلس النقود قبل أن يدخل باقتراح من والده بمصحة الأمراض العقلية بمدينة لوزان. ولما توفيت والدته بعد سقطة دماغية منعه والده من حضور مراسم الدفن.

عصابة الموجة الجديدة

بمساعدة إيريك رومير بدأ غودار في كتابة مقالات نقدية في السينما. من بين النقاد الأخرين، بالخصوص في مجلة دفاتر السينما، نجد كلود شابرول، فرانسوا تريفو، جاك ريفيت. وسينتقلون جميعهم للإخراج السينمائي لوضع بصماتهم على السينما الفرنسية بل العالمية. غير أن العلاقة توطدت أكثر ما بين فرانسوا تريفو وجان-ليك غودار، الذي اختفى يوما بسويسرا بالحقيبة التي كانت تحفظ بها دفاتر السينما. لدى عودته إلى باريس لم يؤاخذه تريفو على صنيعه بل بقي على صمته حفاظا على صداقتهما.

<

p style=”text-align: justify;”>أهم شيء كان يشغل بال هؤلاء الشباب هو الإخراج. في هذا الاتجاه أنجز غودار أولى أفلامه عام 1957 «كل الفتيان يسمون باتريك». لكن يجب انتظار 1960 وإخراج فيلم «منقطع الأنفاس» من «بطولة» جان-بول بيلموندو للحديث عن الموجة الجديدة وثورة الفن السابع. تجسدت هذه الثورة في المونتاج والكولاج الذي استلهمه غودار من تقنية بيكاسو. على الرغم من الطابع التجريبي للفيلم، فإنه خلف صدى قوي داخل المجتمع الفرنسي الذي بدأ يخرج نسبيا من طموحاته الاستعمارية. فيلم «هنا وهناك» من إخراج غودار وزوجته ان-ماري ميافيل عام 1971 هو فيلم وثائقي عن الثورة الفلسطينية. يتطرق المخرجان لطرق اشتغال منظمة فتح. أنجز الفيلم غداة أحداث أيلول الأسود. غير أنه أدخلت تعديلات كثيرة على الفيلم. وقد عرض ونوقش في أغلب الأندية السينمائية بالمغرب. بعد الحقبة الماوية التي عاشها غودار انسلخ عن هذا الانتماء ليبدا في التعامل مع الثورة، كيفما كان مصدرها وطبيعتها، باستدعائه لتقنية التباعد البريختية (نسبة إلى برتولت بريخت). كون الثورة هي إما لغة ثائرة وإما بلاغة خشبية. لذا عاب على أغلب الثورات انغماسها في البلاغة.

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".