أوروبا والموجة الساخنة لليمين المتطرف 

أوروبا والموجة الساخنة لليمين المتطرف 

 باريس- المعطي قبال

بعد الاختراق الذي حققه التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان في الاستحقاق الرئاسي الأخير بحصوله على 89 مقعدا بالجمعية الوطنية، يستعد كل من حزب فراتيلي دي إيطاليا  وتحالف اليمين واليمين المتطرف السويدي، لتسيير شؤون البلدين. وستكون هزة سياسية بالغة الخطورة على مستقبل أوروبا، كون الفاشية مثلها مثل الأوبئة، سريعة التنقل، وقد تصيب بلدانا أوروبية أخرى. على أي ينظم الاقتراع التشريعي بإيطاليا في 25 من سبتمبر وذلك على إثر سقوط «حكومة ماريو دراغي» في نهاية يوليوز بعد انسحاب الجناح اليميني لحكومته. وترجح استفتاءات الرأي فوز جيورجيا ميلوني، المتحالفة مع عصبة ماتيوه سالفيني وحزب «فورزا إيطاليا» بزعامة سيلفيو بيرلوسكوني، بهذه الانتخابات.  وحسب التقديرات الأولية سيحصل هذا التكتل المتطرف على 60% وبفوز حزب ميلوني بنسبة 23,5%. لكن الفوز المؤكد لجيورجيا ميلوني يفسره المحللون السياسيون كونها لم تشارك ولو مرة  في الائتلاف الحكومي. لذا تبدو كبديل سياسي بعد أن جربت إيطاليا فشل العديد من الأحزاب في تسيير شؤون البلاد. كما أن التيمات التي تطرحها ميلوني خلال التجمعات السياسية أو الانتخابية تستأثر باهتمام الإيطاليين الذين يعيشون مسلسل تفقير مستدام. يتركز برنامجها على الدفاع عن «السيادة الإيطالية»، عن «إيطاليا الوطنية» «إيطاليا المناهضة للهجرة، للإسلام أو لما تسميه لوبي المثليين»، «إيطاليا المحافظة والتقليدية». أما أحزاب الوسط والحزب الديمقراطي فيعقدان الأمل على الناخبين المترددين الذين قد يؤثرون على كفة الاقتراع.

ثم هناك الانعكاسات التي قد يخلفها صعود اليمين المتطرف إلى السلطة وذلك على مستوى الموقف من روسيا ومن بوتين تحديدا. فهذا الأخير صديق مقرب من بيرلوسكوني الذي سبق أن استقبله بالفيلا التي يملكها بساردينيا. كما أن ماتيو سالفيني يعارض العقوبات المفروضة على روسيا. أما حزب «فراتيلي دي إيطاليا» فيتموقع على الخط المعاكس، بمساندته لأوكرانيا ودفاعه عن العقوبات ضد روسيا. على أي ستكون إيطاليا وسيلة ضغط روسية على أوروبا. لذا من مصلحة روسيا أن يفوز اليمين المتطرف في هذه الانتخابات. هناك إذا تخوفات أوروبية من وصول اليمين المتطرف للسلطة. ذلك أن خطاب ميلوني يصب في اتجاه مناهضة أوروبا. ومن غير المستبعد أن تعرف هذه الأخيرة تشرذما سياسيا قد يؤثر على مستقبلها.

نفس التخوف تعرب عنه أوروبا أمام النتائج المخيفة للاقتراع التشريعي الذي شهدته السويد يوم 11 سبتمبر الماضي، الشيء الذي دفع ببعض المعلقين السياسيين إلى الحديث عن «11 سبتمبر السويدي».فقد أفرزت النتائج الأولى فوز التحالف، غير الشرعي، الذي يمثله اليمين واليمين المتطرف. فالبلد الذي يصوت عادة لليسار، اختار هذه المرة أن يقلب معطفه ويصوت لصالح قوى اليمين المتطرف. لأول مرة، سيحكم هذا التحالف السويد. انشيء حزب «الديمقراطيون السويد» عام 1988 على يد قدامي من الفاشيين. ويسير الحزب اليوم جيمي أكيسون وهو أحد المناهضين المسعورين للهجرة.  وقد احتل الرتبة الثانية بعد حزب الديمقراطية الاجتماعية.  تتقاطع التيمات والمطالبات التي ينادي بها هذا الحزب مع بقية أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية الأخرى مثل  مناهضة الهجرة، التشكيك في النزعة الأوروبية، فضح ورفض التعددية الثقافية، الدفاع عن سويدية الأصول أي الدم قبل الارض. اللعب على وتر الخوف مع المطالبة بتشديد المراقبة والأمن الداخلي، مواجهة مشاكل الضواحي التي  «تفرخ» العاطلين والمتعاطين للاتجار في المخدرات وبالأخص الأجانب منهم، تعزيز الاسلاموفوبيا، كلها عوامل صبت في وعاء الحزب الديمقراطي السويدي المتطرف. هذه الموجة عرفتها دول شمال أوروبا مثل فنلندا والنرويج بصعود أحزاب شعبوية مثل حزب الفنلنديين أو حزب التقدم النرويجي وهو حزب محافظ. في الدول الشمالية، تنشط أعنف الحركات المناهضة للإسلام ولسكب الزيت على النار، أول حركة تقوم بها هي إدرام النار في القرآن ! لذا فإن أوروبا في الأجواء الباردة بل المثلجة القادمة قد تشهد موجة ساخنة لليمين المتطرف.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".