لبنان.. أية ثقافة بعد كارثة بيروت؟!

لبنان.. أية ثقافة بعد كارثة بيروت؟!

باريس-المعطي قبال

بعد أربع سنوات على أخر معرض أدبي، تنظم بالعاصمة بيروت من 19 إلى 30 أكتوبر النسخة الأولى المعدلة لمعرض الكتاب تحت عنوان «بيروت الكتب». وبهذه المناسبة ستحل لجنة تحكيم جائزة الجونكور بالعاصمة اللبنانية للإعلان عن القائمة الثانية من تصفيات الجائزة. هذا في الوقت الذي تحول فيه البيروتيون، إلى ما يشبه أبطال «لا كاسا دي بابيل»، بيت من ورق، أشخاص يسطون على الأبناك لاسترجاع مستودعاتهم وفي الوقت الذي تفاقم فيه مسلسل التفقير من دون أن يتم تفكيك قواعد المافيات المحلية، وبالرغم من وعود ماكرون وفرنسا بوضع حد للفوضى بالبلد الخ… في هذه الظروف يبعث من أنقاضه وبميزانية لا نعرف قدرها، معرض للكتاب ترعاه شبكة المعاهد الفرنسية. الأكيد أن وضع اللغة الفرنسية بلبنان يختلق على ما هو عليه ببلدان المغرب العربي أو بإفريقيا. فالإحصائيات ناطقة في هذا الصدد، إذ تبلغ نسبة الفرنكوفونيين إلى 40% من اللبنانيين، فيما 15% فرانكوفونيون جزئيا. في الثانوي 70% من المدارس تستعمل اللغة الفرنسية كلغة ثانية. على مستوى دور النشر، إن جاء لبنان على رأس القائمة بـ 500 دور نشر، فإن ما ينشر بالفرنسية لا يمثل سوى 15 إلى 30 في المائة من إصداراتها. وغالبا ما تركز دور النشر على كتب السياسة والاقتصاد. المفارقة هو أن الإعلام وعدد الصحف والمجلات لا يعكس حقيقة هذا الوضع، إذ لا يتعدى عدد المنشورات بالفرنسية  6 عناوين: مجلة نون، ليبدو ماغازين، لوريان لوجور، مجلة لبنان، ومجلة المرأة. أما الكتاب اللبنانيون بالفرنسية فيعدون على رؤوس الأصابع، خلافا لفرنكوفونيي المغرب العربي الذين يصنع بعضهم الحدث الأدبي بفرنسا، الشيء الذي يبرر إقامة مهرجان أدبي بأحد البلدان الأربع بما فيها موريتانيا

على سبيل المقارنة مع المغرب، تبلغ نسبة الفرانكوفونيين بالمملكة 36%. على مستوى آخر وتحديدا بالفيسبوك، بلبنان بلغت استعمالات الفرنسية 10%، فيما ناهزت استعمالات اللغة الانجليزية 78% . على أي تبقى اللغة الفرنسية لغة «تحلوين»، “بريستيج” وتميز اجتماعي، فيما الإنجليزية لغة المال والأعمال.

المقصد أو المقاصد السياسية التي تتحكم في تنظيم هذا المعرض ببيروت واضحة، وتتمثل في القيام بـ «خبطة» إعلامية لتبيان أن فرنسا لا تزال صاحبة السيادة بالبلد. حتى وإن انتكست اللغة الفرنسية ولم تعد تجد روافد لدى الأجيال الصاعدة. ويندرج الإعلان عن القائمة الثانية من بيروت في هذا النطاق. هل سيحتفظ ضمن هذا الإعلان باسم الروائي اللبناني سبيل غصوب المرشح برواية «بيروت على نهر السين» الصادرة عن منشورات «ستوك»، أم سيلغى من القائمة؟ هذا مع العلم أن روايته الأولى، «الأنف اليهودي» أثارت ضجة هائلة داخل وخارج لبنان بسبب زيارته لإسرائيل. حتى وإن بقي ضمن القائمة الثانية إلى جانب المرشحين الخمس، فلن يسلم من الانتقادات. أما إذا منح جائزة الجونكور فقد تكتب الأكاديمية حكاية أخرى!

يتضح مما سبق أن الوضع الفرنكوفوني بلبنان وضع هجين، يفتقد إلى الوضوح. لبنان بلد فرانكفوني بالكاد، لكن بلا كتاب ولا ناشرين ولا صحافة فرنكفونية، ومع ذلك ولأسباب سياسية ترحل لجنة تحكيم الغونكور لبيروت للقيام بإعلان ربما لا يهم الغالبية العظمى من اللبنانيين الذين تتلاحق عليهم الصدمات.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".