وعي صيرورة التاريخ: عن أحمد راكز أحد رموز اليسار السبعيني المغربي
عبد الله راكز
1/ وعي الجدل ووعي الصيرورة:
أذكر فيما أذكر (ولعل الذكرى تنفع المؤمنين)، وفي أيام صيف مدينة مراكش العام 1969، وأنا أشاهد اعتقال أحمد راكز (أتذكر أنه كان يرتدي قميصا أصفرَ صيفياً) بأم عيني وأمامي بحي “اسبتين” في مراكش، أن وعي صيرورة التاريخ، بما هو ارتقاء، يمكن به فعلا، وعمليا، وعي الخبرات والتجارب. ولكن ماذا يفيد الجدل في الاستشراف بعد الذي جرى؟
هو اخي، ولكن قبل كل شيء، هو علامة بارزة في نضالها (عشرون سنة سجنا كانت كافية ليستعيد وعيه وعافيته)، بمراكش، أو بالرباط؟ أو بالوطن؟
طبعا، لا يمكن النظر في تاريخ هذا الرجل المترامي على الأطراف الآن، إلا بتحديد إمكانات مستويات الواقع، أي أن نميز بين الصيرورة الواقعية (الموضوع) ووعي الذات الفاعلة ضمن الممكنات السابق ذكرها.
لم يكن هاذا المناضل ابن عائلة مخزنية أو ذات وسائط مع المخزن، هو ابن عائلة فقيرة، كانت آمالها وطموحاتها لاتقل عن آماله وطموحاته؟ بين مسيرته النضالية، من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، مرورا بحزب التحرر والاشتراكية، وصولا إلى “منظمة 23 مارس”، كان على هذا الرجل، الممزوج بالتناقضات، والمُتحامل عليه من لدن بعض ممن عايشوه، أو لم يسايرهم في أوهامهم. (فمنظمة العمل).
2/ في امتلاك الجدل:
لم أثر ما سبق، لكي أمدح أحمد راكز، فهو أكبر من هذا، بالرغم من غصته على ما يجري، وجحود بعض من أبنائه الذين هو من علّمهم فعل السياسة، كيف يجرؤ البعض، على استثمار تاريخ هذا الرجل بالتقول عليه، وكتابة مايشبه الروايات والقصص وغيرها، والقول في حقوق الإنسان وأشياء أخرى لا تستقيم.
ليكن، إن أحمد راكز، رغم إرادويته المفرطة، مثله مثل جميع مناضلي اليسار السبعيني، هو ذات ساهمت من قريب أو بعيد، في فرز الفكر الواقعي عن الأوهام، وساهمت في تجذير وعي نسبي لفهم المرحلة (مرحلة الجحود المجتمعي الراهني)، ينطرح به، وعليه، سؤال الفاعلية الأعلى للذات، دون أن تكون فاعلية كاملة، لأنها ليست مكتملة بعد، بل تعتورها نواقص عدة.
مرورا بسجون: “بولمهارز” في مراكش، “اغبيلة” في الدار البيضاء، “عين علي مومن” في سطات، “المركزي” في القنيطرة، وحتى “سجن لعلو” بالعاصمة. ( هذه سجون زرتها بمعية والدتي منذ كان عمري 15 سنة أو أقل)، كان على أحمد راكز أن يتحمل وزر قناعاته الأخلاقية والسياسية، أن يتحمل وعي الصيرورة المذكورة في شكلها المُشخصن فيه، وهي على كل حال صيرورة واقعية في شكلها المجرد؟؟ أو هو على الأقل تجريد لهذه الصيرورة.
3/ في الانتقالة الحاسمة:
أعرف أنه في عمق تفكيره سيرفض هذا الإطراء في حقه، ولكن أنا هنا أتحدث من موقعي، عن آلية ووعي مبكر باغثني على حين غرة وأنا في عنفوان شبابي. نحن لا نقحم على الواقع شيئا من خارجه، بل نسعى لوعي هذا الواقع من خلال آلياته ذاتها، (أليست هذه آليات حاسمة في فهم سير مناضلين أكبر: المهدي بنبركة وعمر بنجلون)؟
لربما، وهذا ظني، واعتقادي أيضا، أنني بعد أن زرته بمستشفى “المامونية” المعروف في مراكش، (وكان إذاك يتداوى من آثار التعذيب الذي تعرض له في كوميسارية “جامع الفنا”)، وبعد أن كان حريصا على رؤية ابنه الذي ولد في غيابه) ، أفرز لدي الجدل المجرد بشكل عفوي ومتعثر، ولا واعٍ أيضا. هل أقول، إن أحمد راكز، شكل بعد هذا أداة مهمة في الوعي المشخصي؟ ربما، غير أنه بعد هذا التاريخ حقق انتقالة حاسمة باتجاه وعي الواقع (الفكر) والسيطرة على آليات تطوره. فكان ما كان، من تأسيس جمعيات حقوقية، وإصدار مجلة (مجلة الغد) وغير هذا…
سيبقى أحمد راكز، بالرغم مما قيل عنه، وبالرغم مما سيتقول به آخرون عنه لمجرد اختلافهم معه (هذا طبيعي)، أحد رموز اليسار السبعيني المغربي، وأحد أكبر ممن دافعوا على التجربة، رغم ضحالتها، وضحالة البعض ممن انتموا إليها قسرا، بدافع أو بآخر. وللحديث بقية .