عن مهزلة الترسيم وخرافة الانتصار

عن مهزلة الترسيم وخرافة الانتصار

حسين عطايا

لو تسنى للبنان رجالات دولة من حجم الذين يضعون مصالح الوطن فوق مصالحهم الانية  الذاتية، لكان للبنان ان يتوصل الى اتفاقية ترسيم تُعطيه كل حقوقه فعلا، بعيداً عن سياسة التنازلات والعراضات التي ستنكشف بعد حين، وستكون كلفتها باهظة جداً على الوطن ومواطنيه .

في الحالة التي يعيشها العالم اليوم، وبناء على ما نتج من مؤثرات الحرب الروسية ـــ الاوكرانية، على الاقتصاد العالمي من زيادات مضطردة على النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع نسب التضخم، والتي ادت بدورها الى أزمات كبيرة غير مشهودة على مستوى المشتقات النفطية بشكلٍ أساس لما لهذه المادة الاستراتيجية من انعكاسات على مستوى  الانتاج العالمي، كما عمليات نقص الحبوب والتي تُعتبر روسيا وأوكرانيا من أهم مصدريها على مستوى العالم كما زيوت الطهي وغيرها من سلعٍ ومواد غذائية وإستهلاكية، عدا عن التأثر الكبير الذي تعيشه اوروبا، نتيجة نقص الغاز وباقي المشتقات النفطية والذي أضحى مشكلة على مستوى القارة العجوز، وإلى جعلها تُفتش ليل نهار عن مصدرٍ آخر للطاقة بديلاً عن المصدر الأساس وهو الغاز والنفط الروسي، والذي يصلها عبر انابيب تنقل الغاز والنفط الى معظم دول القارة الاوروبية .

لذلك، لو فعلاً تسنى للبنان رجال دولة، لكانوا قادرين على اقتناص الفرصة السانحة وعززوا نقاط قوة لبنان في هذه الحالة وفرضوا على المفاوض الامركي، وجهة النظر اللبنانية والمعززة بالوثائق والمصادر وكانوا حصلوا حقوق لبنان في حدوده الدولية المعترف بها ومنذ ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين في زمن نيو ـــ كامب ديفيد، والمعززة  بنقاط الهدنة والتي صدرت بقرار عن مجلس الامن معززة تحت الفصل السابع والتي تتخذ من النقطة  B1  في منطقة رأس الناقورة نقطة ارتكاز تنطلق منها،  في ترسيم الحدود البحرية ولكان الخط 29 هو الاساس، وبالتالي لكان حقل كاريش والمعروفة كميات الغاز الموجودة فيه بناء على دراسات وعمليات حفر اجرتها إسرائيل منذ العام 2014 وبالتالي كان لبنان شريكاً في حقل كاريش بنسبة تزيد عن 60%، بدلا من أن تكون إسرائيل شريكاً بحقل قانا الموعود والذي وفقاً لدراسات إسرائيلية لا تُقدر نسبة الغاز فيه اكثر من ثلاثة مليارات دولار وبالتالي إسرائيل شريكة بمقدار 17% .

بينما يُردد  المتحاذقين من مسؤلي هذا الزمن من اللبنانيين ان يرموا الامر على شركة توتال لتعطي اسرائيل من ارباحها ، وكأن توتال جمعية كاريتارس لا تبغي الربح على ما تضعه من ملايين الدولارات للاستثمار في حقل الاستكشاف والتنقيب والاستخراج .

ازاء كل ذلك، ونتيجة ضعف المفاوض اللبناني وتآمر ما يُسمى المقاومة “حزب الله ” التابع لايران والذي يضع مصالح ايران فوق مصالح لبنان، لكان لبنان يُفاوض من موقع قوة، وليس من موقع ضعف وقبِل بما عُرض عليه وليس ما له من حقوق في منطقته الاقتصادية الخالصة وثرواته في المياه الاقليمية، وبالتالي كان بإستطاعته فرض موقفه وشروطه لا أن يكون مُتلقي للشروط الاسرائيلية المغلفة بتفاصيل امريكية، أملت على الوسيط الامريكي غير النزيه ان يفرضها على القيادات اللبنانية وقيادة حزب الله من خلفها وايران المهزوزة والمحتاجة لرفع الحصار والعقوبات عنها، والتي تلقت جرعة دعم اشبه بجرعة اوكسيجين نتيجة غض النظر التي قامت بها إدارة بايدن على تصديرها من النفط لحدود مليوني برميل، بدلاً من أربعماية الف برميل يومياً مع رفع الحظر عن حوالي سبعة مليارات دولار كانت مُجمدة مابين مصارف اوروبية ويابانية ومن كوريا الجنوبية من اموالها المجمدة .

أما وقد تمت عملية التوافق على الترسيم وبناء على تفاهمات ما بين الرؤساء الثلاثة بعيداً عن المؤسسات الرسمية من مجلس وزراء او مجلساً نيابياً، على إختلاف الجانب الاسرائيلي، الذي عقد اجتماعا للكبينات “الحكومة الامنية  المصغرة ” ومن ثم للحكومة مجتمعةً وسيعرضه فيما بعد على الكنيست الاسرائيلي للإطلاع عليه ، وذلك ليس إلا لأن في دولة العدو مؤسسات تستطيع ان تُحاسب وتقرر، بينما في لبنان أشخاص يختصرون الدولة ومؤسساتها باشخاصهم فحسب .

لذا، وبما أن الترسيم قد اصبح أمراً واقعاً، سنقوم بعملية استشراف نتائجه وفقاً لبعض المعطيات المتأتية من بعض المصادر المرافقة وهي على النحو التالي :

في الايجابيات:

ـــــ لاشك بأن الشعب اللبناني عموماً وابناء الجنوب خصوصاً يحتاجون ان يعيشوا لبعض الوقت بسلام كباقي شعوب الارض بعيداً عن عراضات القوة والتباهي بصواريخ وعديدٍ وعتاد تُرهبُ الداخل قبل الخارج .

ـــــ كذلك تنعكس إيجابيات الترسيم في عمليات التوظيف لعددٍ كبير من الشباب اللبناني من ذوي الاختصاصات والطاقات والتي باتت تهاجر بحثاً عن فرصة عملٍ تقيهم شر البطالة والعوز بعد سنوات التعليم والتخصص  .

ــــ خلق بعض الفرص أمام الكثيرين من أصحاب المهن الحرة والمؤسسات التجارية والصناعية لما تتطلبه عملية البحث والتنقيب والاستخراج .

كذلك انعكاس عملية الترسيم على اسعار العقارات والابنية السكنية، وقد بدأت ترتفع بشكلٍ متسارع في اليومين الاخيرين  .

ــــ انشاء بعض البُنى التحتية فيما خص مرفأ في صور او منطقة الناقورة  ليكون منطلقاً من البر الى البحر وبالعكس حيث منشآت الحفر والتنقيب والاستخراج .

ــــ سيزيد من وسائل النقل وتحديثها لترافق عمليات الشركات التي ستعمل على التنقيب والحفر والاستخراج .

ــــ ستعطي الاقتصاد اللبناني، جرعة  من الاوكسيجين تساهم في إراحة الاوضاع الاقتصادية وبالتالي ستنعكس بالايجاب على الاوضاع الاقتصادية اللبنانية وقد تُحسن وضع الميزانية العامة وكذلك في عمليات  التفتوض الجارية  مع صندوق النقد الدولي  .

ــــ قد تكون خطوة الترسيم ايضاً محطة في مسار تحسين الاوضاع ومنها استجرار بعض الاستثمارات، شرط مرافقة ذلك مع مجموعة من الاصلاحات لاسيما على مستوى الكهرباء والقطاع المصرفي وغيرها من مجالات تتطلب الاصلاح .

اما النتائج السلبية  التي لا بد من ذكرها فهي :

ـــــ بعيداً عن اللعب على الكلام والشعارات البراقة والتي تتضمن تعمية وذراً للرماد في العيون، فإن اتفاق الترسيم هو عبارة عن اعتراف واضح بالكيان الصهيوني، وبالتالي يُشكل الاتفاق جزئاً من عملية تطبيع حقيقية لان الاتفاق هو مع دولة إسرائيل ” وفقاً لتعبير الرئيس نبيه بري اثناء إعلانه عن اتفاق الاطار في تشرين الاول – اوكتوبر من العام ٢٠٢٠ .

ــــ لا بد من الاعتراف بان حقيقة  ماجرى هو عمل دولي وإقليمي نتيجة اتفاق ضمني مابين كل من الولايات المتحدة وايران، وبالتالي كان لبنان ومن قام بدور المفاوض صورة لا اكثر او بيدقاً في لُعبة شطرنج خارج حدود لبنان .

ـــــ نتيجة عدم قيام وفداً من اختصاصيين يمتلكون الحنكة والخبرات وحصر التفاوض بشخص رئيس مجلس النواب سابقاً ثم بشخص رئيس الجمهورية ثانياً وبطريقة سرية لم يطلع عليها احداً من اللبنانيين وكانت ظروف المفاوضات غير شفافة على الاطلاق تم التوصل الى هذه الترتيبات التي نتجت عن اتفاق الترسيم، وبالتالي خسر لبنان حقه في الخط ٢٩ وتراجع الى الخط ٢٣ ليتنازل عن ثُلثي حقل كاريش المعروف مايحتويه من مخزون غاز ليكون شريكاً فيه، وتراجع الى حقل قانا الغير واضحة معالم مخزونه من نفط او غاز، وبالتالي إسرائيل ستستطيع استخراج الغاز من كاريش فور توقيع الاتفاق، بينما لبنان بحاجة لسنوات طوال تُقدر بحدود الثمانية سنوات ليستطيع الاستخراج في حال ثبُت من محزون حقل قانا وبالتالي إسرائيل شريكة بنسبة ١٧% مما يحتويه ذلك الحقل، في حال تبين انه يحتوي مشتقات نفطية وغازية .

ــــ تنازل لبنان عن مساحة ١٤٥٠ كلم٢ من مياهه ومنطقته الاقتصادية الخالصة نتيجة تنازله عن الخط ٢٩، وما قد تحتويه تلك المنطقة من مكامن نفط وغاز مُحتملة الوجود .

ــــ تراجع المفاوض اللبناني امام الضغوط التي فرضها الوسيط الامريكي ترك أمر ترسبم الحدود البحرية ضبابية بالقرب من البر اللبناني، كون إسرائيل تُطالب بأن يكون خط الحدود هو خط الطفافات وبالتالي تريد من خلفه ان يكون على غرار الخط الازرق على الحدود البرية والتي مضى عليها إثنان وعشرون عاما ولم تنتهي عمليات الترسيم .

إن مطالبة إسرائيل بمنطقة مائية امنية قد يخلق سابقة في التنازل عن خط الحدود البرية لا سيما في النقطة B1 في منطقة رأس الناقورة والتي لازالت تحتلها إسرائيل لليوم  ، وبالتالي يخسر لبنان موقعاً هاماً ومميزاً حيث يكشف الشاطيء الاسرائيلي “الفلسطيني المحتل “، كما يكشف الشاطيء اللبناني لمسافة طويلة شمالي مدينة صور ايضاً .

هذا غيضٌ من فيض سلبيات اتفاقية الترسيم، والتي يُحاول بعض جماعة العهد، وفريق الممانعة ” حزب الله واتباعه ” من التهليل لانتصار جديد في فرض شروط على الجانب الاسرائيلي بينما هو اتفاق إذعان تنازلوا فيه عن السيادة اللبنانية عن مساحات واسعة واعطوا إسرائيل اكثر مما هو حقٌ لها وهذه العملية هي عملية تطبيع موصوفة الشروط والنتائج وأي كلام غير ذلك هو ذرٌ للرماد في العيون وتغطية على الهزيمة المطلقة والذل والهوان التي يعيشها الجانب اللبناني رغم مُحاولة البعض الاجتهاد للتغطية والتعمية .

وهنا نتوجه بسؤال الى كل من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يعيش أواخر أيام عهده وفريقه المفاوض ومن خلفه السيد حسن نصرالله وحزبه، هل من سيوقع على الاتفاق هو السلطة الفلسطينية ومحمود عباس أم الحكومة الاسرائيلية ويائير لابيد رئيس حكومتها؟

هل التفاوض جرى مع وفد فلسطيني او وفداً إسرائيلياً وبوساطة عربية أم أمريكية؟.

هل التنازل عن المياه وما تختزنه من ثروات انتصار ام هزيمة نكراء لخطاب سياسي على مدار ثلاثون عاماً وقبل مُدة كان يُذكر السيد نصرالله بمئة الف صاروخ ومئة الف مقاتل وكاريش وما بعد بعد كاريش فأين ذهبت تلك الخطب والكلمات وهز الاصبع والصوت المرتفع؟

هذه بعض من تساؤلات يعيشها اللبناني عموماً والجنوبي خصوصاً الذي دفع دماً ودماراً وسنين عمره والتي ذهبت هباءاً منثوراً، ليصل أخيراً ليتنازل عن ثروات بحربة وفي الطريق الى التنازل عن حدود برية .

هل هكذا يُكافأ اللبنانيون عموماً والجنوبيون خصوصاً؟

<

p style=”text-align: justify;”> 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني