رئاسية البرازيل وساعة الحسم

رئاسية البرازيل وساعة الحسم

باريس- المعطي قبال

بالبرازيل، حانت ساعة الحسم لاختيار رئيس الجمهورية. وسيتم الاختيار بين جايير بولسوناروميني المتطرف ولويس إناسيو لولا دا سيلفا، المرشح باسم حزب العمال. لمدة شهرين ألقى كل منهما بثقله في المعركة بتجنيد وتوسيع حلقات الاستقطاب والنفوذ: أرباب العمل، أنصار الكنيسة البروتستانتية، لجهة بولسونارو، العمال والفلاحين، والنساء وأرباب الشركات المتوسطة، المثقفون والفاعلون الاجتماعيون، لجهة لولا. وقد أنفق هذا الأخير 8 مليارات من الأورو لشراء أصوات الناخبين.

ستتم المواجهة إذا وللمرة الثانية بين رجلين لا جامع بينهما. تخطى لولا كل الكبوات قبل خوضه لمعركة الرئاسية: السرطان، السجن، (قضى به 580 يوما بين 2018 و2019)، هجمات الخصوم الذين يعتبرونه «مرشح الشيطان»، دون الحديث عن الأخبار الملفقة التي نالته من أطراف تابعة لبولسونارو وبالأخص منهم المؤثرين في الرأي العام والإنجيليين، وهو تيار بروتستانتي قوي ونافذ في البلد. يقوم برنامج لولا على مباديء بسيطة كفيلة بعلاج المرض الذي تسبب فيه بولسونارو: العدالة الاجتماعية، المساواة بين الرجال والنساء، الدفاع عن البيئة، احترام كرامة الأفراد. لكن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلد هو ما قد يحتكم إليه البرازيليون:  الكوفيد وسياسة التشكيك التي غذاها بولسونارو والتي تسببت في وفاة 600000  شخص، وهذه جريمة لن يغفرها له البرازيليون، تزايد الفقر حيث يعيش 33 مليون في المائة منهم في بؤس مدقع. تدني الإنتاج الزراعي في الوقت الذي يعتبر فيه البرازيل بلدا زراعيا. تخريب الأمازون وتجريدها من الغطاء البيئي، قمع الحريات المدنية في الأوساط الشعبية. كل هذه العوامل وغيرها جعلت بعض الشرائح تتبرم من بولسونارو، بل وحتى قسم من الإنجيليين أعرب عن رغبته بعدم التصويت على الرئيس المنتهية ولايته. إن كان لولا مرشح الفقراء وبولسونارو مرشح الأغنياء، فإننا نجد هذا التقسيم حتى على مستوى الفنانين والرياضيين. أغلب الفنانين اصطفوا وراء لولا من أمثال تشيكو بواركي، المقرب من حزب العمال. روجيه واترز أحد فناني بينك فلويد الذي سجل شريط فيديو لمساندة لولا. الموسيقي جيلبيرتو جيل وزير الثقافة سابقا أعلن بدوره مساندته للمرشح لولا.

أما الرياضيين الذين أبدوا استعدادهم للتصويت لصالح بولسونارو فهناك نايمار، ريفالدو، روماريو. لكن كلمة الحسم في هذه المبارة ستنطق بها النساء والفقراء. لو فاز لولا سيرقص البرازيل على موسيقى السامبا وإن فاز بولسونارو ستصدح الكنائس بصلاة هلليلويا!

وعليه غدا، يحسم مصير الانتخابات الرئاسية بالبرازيل. إن شهد الدور الأول من الاقتراح « فوز » الرئيس الأسبق لولا بنسبة 48,4 في المائة متقدما على خصمه جاير بولسونارو الذي حصل على 43,2%، فإن الدور الثاني سيقول كلمة الفصل بين مرشحين يسعى الأول منهما إلى رد الاعتبار إلى شرائح عريضة من المهمشين والتي سلمت مكتوفة الأيدي لوباء كورونا، والثاني إلى ترسيخ قيم ليبرالية متوحشة تنهل دعائمها من الاغتناء اللامشروع والتفاوت الطبقي والفكر الكاثوليكي الرجعي. المخيف أن بولسونارو يتوفر على قاعدة عريضة من الناخبين وهو خزان من الأصوات قد ينهل منه لتجاوز لولا. لذا لا نعرف عما ستسفر عنه ضربة النرد غدا. وسيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع وفي بالهم الحصيلة الكارثية لحكم بولسونارو منذ تقلده للرئاسة في الفاتح من يناير 2019 والتي تمثلت في 600000 قتيل بسبب الكوفيد، عودة المجاعة لبلد فلاحي وزراعي، زحف التصحر بالأمازون.

بولسونارو هو ترامب البرازيل وتكمن أوجه الشبه بين الرجلين في وقاحتهما السياسية، توظيفهما للأخبار الشائعة والكاذبة، في استعدادهما للتضحية الجسدية بالمستضعفين، بحملهما للسلاح في وجه الخصوم رغبة في تصفيتهم. وقد شكل في هذا الصدد فرقا للموت تقوم بغزوات في الأحياء العمالية لها مهمة نشر الهلع في هذه الأوساط. لذا أصبحت البولسونارية وباء قد يفرض على البرازيليين التعايش معه، خصوصا وأن ثمة أغلبية نيابية متطرفة بمجلس الشيوخ، هي سليلة هذا التيار. على أي سيكون هذا الاقتراع اختبارا للديمقراطية في بلد تنعدم فيه العدالة وتمارس فيه الرشوة على نطاق واسع في جميع المصالح والقطاعات. وللحفاظ على مصالحه الشخصية ومصالح أتباعه أعلن جايين بولسونارو انه في حالة فشله في الاقتراع الرئاسي، فإنه مستعد لحمل السلاح. يدخل هذا التهديد في استراتيجية التخويف التي يعتبر مهندسها البارع. إلى الآن لا أحد يعرف شكل «المقاومة» التي سيدعو لها الرئيس الحالي، هل ستأخذ شكل هجوم على مداومات حزب العمال الذي يقوده لولا، تصفية بعض من رموزه الخ… أم أشكالا أخرى؟ لربما حسمت في الأخير الكنيسة المعركة الطاحنة بين الطرفين: فيما يحتمي بولسونارو بالكنيسة وبجيوش الإنجيليين الذين يصوتون لصالحه بقوة، (وإن لاحت في المدة الأخيرة بعض التصدعات في صفوف الإنجيليين)، يحاول لولا أن يطمئن الساهرين علي المسألة الدينية بأنه في حالة انتخابه لن يهدم الكنائس ولن يبيح كما هو شائع الإجهاض. وعليه وجد لولا نفسه في موقف المهادن تجاه فئة ترغب في ضياعه وهزيمته.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".