جائزة الغونكور.. الموت بنكهة هلوسية
باريس- المعطي قبال
نسخة هذا العام من جائزة الغونكور (وهي النسخة 119) لم تثر الحماسة المعهودة التي رافقت بعض الجوائز السابقة مثل تلك التي نالتها مارغريت ديراس، البا ترولي بل وحتى ميشال ويلبيك. ثم جاء الفاصل اللبناني لخلق نشاز سياسي بعد انسحاب أربعة أعضاء من لجنة التحكيم من قائمة المسافرين لبيروت للمشاركة في معرض الكتاب والإعلان من قلب العاصمة عن اللائحة النهائية المكونة من المرشحين الأربع النهائيين في القائمة. وقد جاء انسحاب هؤلاء الأعضاء على خلفية الاتهامات التي وجهها وزير الثقافة اللبناني لهؤلاء المشاركين بحجة دفاعهم عن الصهيونية. لقد كانت الجائزة على الدوام على صلة وثيقة بالسياسة لكن بشكل غير مباشر، لكن هذه المرة اختلط الأدب بالسياسة بشكل عضوي. على أي حان الوقت لبعث دماء جديدة في شرايين أمهات الجوائز الفرنسية لأن أعضاءها شاخوا بما فيه الكفاية وبدأوا في تكرار نفس الأسطوانة المملة. في انتظار ذلك كانت جائزة هذه السنة من نصيب بريجيت جيرو عن رواية «العيش بسرعة» الصادر لدى منشورات فلاماريون.
بعد آني أرنو وحصولها على جائزة نوبل للآداب، تأتي هذه الجائزة لتعطي للكتابة الروائية بقلم نسوي نفسا إبداعيا جديدا. بريجيت جيرو من مواليد 1966 بسيدي بلعباس بالجزائر وهي مؤلفة لعشرات الروايات. الرواية هي قصة حادثة سير على متن دراجة نارية ومقتل زوجها في هذا الحادث عام 1999. تعود الكاتبة إلى الماضي لمعرفة أسباب هذا الحادث. بعبارة «ماذا لو..» التي تتكرر على مدى الرواية تقوم بعملية ترجيع للماضي الذي لا يمضي. وتصبح الدار التي اقتنتها العائلة في البادية أحد الدوافع التي تسببت في وقوع الحادث. ماذا لو لم تنتقل العائلة إلى البادية وبقيت في المدينة؟ لذا فالرواية هي بمثابة دعوة إلى التذكار وطريقة إلى إيقاف عجلة الزمن قبل أن تحدث الوقائع الدرامية. هناك استعادة دقيقة للحظات الأخيرة التي عاشتها الكاتبة إلى جانب زوجها قبل أن يتوفى في حادثة السير.
لكن وبالرغم من هذا التذكار يبقى الحداد مستحيلا. وبحسب التحليل النفسي فإن الحداد المستحيل يقود دوما إلى التذكر والهوس أو الوسواس. الكاتب الذي كانت حظوظه قوية للفوز بالجائزة هو الكاتب جوليانو دا إيمبولي على رواية «ساحر الكرملين» الصادرة عن منشورات غاليمار. وقد أحرزت نفس الرواية على الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية. والروائي جوليانو دا ايمبولي من مواليد 1973 بنوييه سير سين بباريس. إلى جانب كونه روائي اشتغل مستشارا سياسيا وأستاذا بمعهد الدراسات السياسية بباريس. وعمل مستشارا لرئيس البرلمان الإيطالي ماتيو رينزي. كما تقلد عدة مناصب ثقافية وكتب مقالات صحافية في كبريات الجرائد الإيطالية. ساحر الكريملين هي أولى رواياته وهي عبارة عن توصيف دقيق بورتريه فاديم بارانوف المستشار النافذ لفلاديمير بوتين. عن فاديم بارانوف نسجت العديد من الحكايات: يقال أنه مخرج سينمائي، منتج لبرامج ترفيهية قبل أن يصبح مستشارا لبوتين. لكن قبل أن يقدم استقالته كمستشار جرت أيضا العديد من الأقاويل بشأنه، قبل أن يقرر في أحد المساءات أن يحكي قصته للكاتب. نتعرف من خلال شهادته على خبايا ودواليب السلطة الروسية حيث الصراع على أشده بين حواريي بوتين والأوليغارشيين. غير أن فاديم الذي ساهم في بناء النظام قام بمجهود كبير لإخراج نفسه من قبضة هذا الفخ. هذه الرواية هي توصيف حي لدواليب السلطة كما مارسها من الداخل أحد الفاعلين والمنشطين لها. وهي بذلك رواية سياسية مناهضة لفلاديمير بوتين. وكل ما يخدم الغرب ويناهض روسيا بوتين إلا وهو هبة من السماء. وقد بدأنا في معاينة انتشار هذا النوع من الكتابات.