لنقل لا رفقة دريدا

لنقل لا رفقة دريدا

باريس- المعطي قبال

لما نتحدث عن نتاج جاك دريدا، المكتوب منه والمقول على شكل محاضرات أو دروس جامعية، فلزاما على القاريء التعامل مع الكلمات والمفاهيم بكثير من الحذر والحيطة. لأن دريدا يفكك الظاهر لاستخراج الباطن أو ما خفي منه. يقوم بفتح الطيات العديدة للنص لبسط المضمر فيه. بعد وفاته في التاسع من أكتوبر 2004 لا زالت نصوصه موزعة على أكثر من مكان وجامعة احتضنته لإلقاء محاضرة أو تنشيط دروس في إشكالية من الإشكاليات الفلسفية.

«أن أفكر هي أن أقول لا» هو أحد هذه النصوص التي جمعت ونشرت بعد غيابه والمستقاة من خزانة جاك دريدا التي تحتضنها جامعة برينستون بالولايات المتحدة. يبلغ عدد كتب هذه الخزانة  13.800 كتاب إضافة إلى وثائق أخرى هذا دون الحديث عن الكتب والوثائق المحفوظة بمعهد ذاكرات النشر الحديثة التي يقع مقرها بمدينة كون بشمال فرنسا. وقد أشرف بريوك جيرار على إعداد هذا الكتاب بمنشورات سوي ويقع في 111 صفحة. وهو النص الأخير الصادر حديثا بعد كتاب «الحيوان ذاك الذي أنا» وهو أصلا مجموعة محاضرات ألقاها دريدا بسيريزي لاصال. ويوجد النص المخطوط بمكتبة جامعة كاليفورنيا. كما توجد نسخة منه بأرشيف معهد ذاكرات النشر الحديثة.

خلال السنة الدراسية لعام 1960-1961 ألقى دريدا درسا افتتاحيا بجامعة السوربون تحت هذا العنوان. ولمدة أربعة سنوات عمل أستاذا مساعدا إلى جانب أساتذة كبار أمثال جورج كانجيلام، سوزان باشلار، جان فال وبول ريكور. لكن لما انتقل للتدريس بمدرسة المعلمين تغير البروتوكول ليضطر إلى متابعة برنامج الإشراف على التبريز في الفلسفة. غير أنه كما يقول، قضى أجمل سنواته وهو أستاذ بجامعة السوربون. ولا زالت دروس هذه الحقبة غير منشورة. وقد خصص دريدا أربعة حصص في تلك الفترة لشرح، تفسير وتفكيك جملة الفيلسوف ألن Alain «أن نفكر هي أن نقول لا». هذا الدرس الذي كتبه دريدا بخط يده لم يكن بغاية النشر.

نعم ولا. كلمتان بسيطتان، لكنهما أساسيتان ظهرتا في الستينيات في المقام الأول من كتابات الفيلسوف الذي يقول عنهما أنه من الصعب معرفة ما تعنيه وكيف تشتغلان في حقل اللغة. قبل أن يبحث في مقتضيات هذه الفرضية سبق وأن بحث لما كان أستاذا للفلسفة بثانوية مونتيسكيوه بمدينة لومان لا في قول لا، بل في قول لا شييء؟ عام 1961-62 ومن خلال سؤال آخر هام «ما هو المظهر»، استدعى دريدا فلاسفة آخرين للتفكير في فرضية «أن أفكر معناه أن أرفض أو أقول لا». كما تساءل عن نزعة رافضة أخرى هي نزعة المظهر. تابع دريدا تساؤله بالاشتغال على برغسون وسارتر. خلافا لبعض الدروس، حرر دريدا هذا الكتاب كتابة بيده قبل إلقائه أمام الطلبة. يحمل المخطوط إضافات، تشطيب، تصحيح بأقلام ملونة …استمر هذا المسلسل في مسلسل الكتابة عند دريدا إلى غاية اختفائه. خصص هذا الدرس أساسا إلى تفكيك جملة الفيلسوف آلن (1868-1951) التي اختارها دريدا عنوانا لكتابه.

يعرف عن آلن كونه فيلسوف «الأقوال» وهي شذرات فكرية أقرب إلى التأمل الأدبي لكن لها بعد وكثافة فلسفية. يمهد هذا النص للفلسفة الدريدية وللنصوص التالية. ويقدم لنا قراءة دريدية وذلك بعرض الفيلسوف للتوتر الذي يشغل هذه الجملة التي تتراوح بين نعم ولا، أو لما نقول بأن التفكير يفضي بنا إلى التعبير عن الرفض والنطق بكلمة لا. يفضي بنا إلى السلبية. يسعى دريدا إلى شرح مقاصد آلن بغية تجاوزها. كما يقدم نعم ولا على أنهما السؤال الرئيسي، الأصلي لفعل الفكر.

لكن ما الفكر؟ بالنسبة لآلن ما ينعش الفكر، ما يريحه هو تطابقه مع ذاته ومع العالم وذلك من خلال البحث عن الحقيقة. لما نقول نعم فإن الفكر يتجه صوب قصده النهائي. يتخلى عن البحث ويستسلم إلى سباته، سبات الدين والمعتقد. لذا فإن الفكر ليس بفكر إلا إذا سار في دروب الحقيقة، حقيقة التناقض، الرفض والنطق بكلمة لا. لذا يتوافق «مجال نعم» مع الدين، فيما يتوافق «مجال لا» مع الفكر الرافض والمتناقض المستعمل لأدوات النفي.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".