سِرُّ ضُعْف الجبهة الاجتماعية المغربية
رحمان النوضة
تَكَوَّنت «الجبهة الاجتماعية المغربية» في 9 نونـبر 2019. وهي نَوْع من الإِئْتِلَاف، أو التَـآلُـف، أو التَـكَـتُّـل التَنْسِيـقِـيّ. وتَـضُمُّ «الجبهة الاجتماعية المغربية» قرابة 45 هَيْئَة مُنَظَّمة. وشملت جَمْعِيّات، ونـقابات، وتنظيمات شَبَابِية، وَتنظيمات نِسَائِية، وأحزابًا يَسَارِيّة. وأبرز مُكَوِّنَات هذه «الجبهة الاجتماعية» هي أحزاب اليسار الأربعة (حزب النهج، والطليعة، والاشتـراكي الموحد، المؤتمر الاتحادي)، ونـقابة “الكُونْـفِيدِيرَالِيَة الديموقراطية لِلشّـغل”، و”الجمعية المغربية لِحُقـوق الانسان”، الخ. وكان هدف “الجبهة الاجتماعية” النظري، أو المُعْلَن، هو تنظيم النضال الجماهيري المشترك. لكنها ظلّت، خلال سنوات، لا تَجتمع إِلَّا نَادرًا. وَمُوَافَـقَـتُها على القـيام بـنضال مُشتـرك لَا تَحدثُ إِلَّا اِسْتِثْنَائِيًّا.حركة
وَتَرْفُضُ معظم مُكَوِّنَات “الجبهة الاجتماعية المغربية” مشاركة الـقِوَى الإِسلامية الأُصُولية (مثل حزب “جماعة العدل والإحسان”) في عُضْوِيَة هذه “الجبهة الاجتماعية”. بينما “حزب النهج” يُريد إِشْرَاك الإسلاميين (“حزب جماعة العدل والإحسان”) في هذه “الجبهة الاجتماعية” [أُنْظُر كتاب: رحمان النوضة، نـقد تَـعاون اليساريّين مع الإسلاميّين، نشر 2019، الصفحات 270، الصيغة 8. ويمكن تنزيله من مُدوّنة الكاتب (https://livreschauds.wordpress.com/2015/01/03/listes-لوائح.].
وعلى عـكس بعض الآراء، لا يُـعْـقَل أن نَـنْـتَـظر من الحركات الاسلامية الأصولية أن تُساهم بِـفَـعَـالية في اِنْبِـعَـاث النضالات الشعبية الثورية. لأن هذه الحركات الإسلامية تُرَوِّجُ أَيْدِيُّولُوجِية «الـقَضَاء والـقَدَر»، وَتَـزْعُمُ أن «وَاقِعَنَا المَأْزُوم هو قَدَر مَكْتُوب بِإِرَادَة إِلَاهِية»، وَتَـعْـتَـقِـد أن «حياة المواطنين، بِأَفْرَاحِهَا وَشَـقَاءِهَا، تسير وَفْقَ نظام مَكْتُوب سَلَـفًا»، وأن «جميع مشاكل المُجتمع ناتجة عن تَـقْصِير في العِبَادَة». وأن «الحَل لكل مشاكل المُجتمع يُـعَالَجُ بِفَرض الإِيمان والعِبَادَة على جميع المواطنين». فَلَا يُرْجَى أيّ خَيْر من الحركات الاسلامية الأصولية، ولو أنها تَحْظَى بِأَنْصار (مُؤَقَّتِين) كثيرين. والشرط المطلوب من الحركات الإسلامية لكي تُشارك في النضالات الجماهيرية المُشتـركة هو أن تَلْتَزِمَ عَلَنِيَّةً بِـحُرِّيَة المُعْتَـقَد، وحرّية العِبَادة، وحرّية عدم العبادة.
وتظهر هذه “الجبهة الاجتماعية المغربية” ضخمة وقـويّة. حيثُ أن عَدَد الهَيْئَات التي تُــكَـوِّنُـها يَـقْـرُب من 45 مُؤَسّـسَة. لكن ضَخَامَة هذه “الجبهة الاجتماعية” لا تُوجد سوى على الورق. لأن هذه “الجبهة الاجتماعية” هي جبهة شكلية، وليست جبهة حقيقية. ولأن هذه “الجبهة الاجتماعية” تُشْبِه فُـقَـاعَـة ضخمة، لكنها فَارِغَة في دَاخِلِها. ولأن مُعظم مُكَوِّنَات هذه “الجبهة الاجتماعية” تَبْـقَـى هَزِيلَة، أو مُهَلْهَلَة، وَفَاقِدَة لِلرَّغْبَة في النضال. وإن كانـت تلك “الجبهة الاجتماعية” تَدَّعِي عَكْس ذلك، فَـلْـتُـثْـبِـت لنا ذلك في الواقع. ومنذ أن تأسّـسـت هذه “الجبهة الاجتماعية” في سنة 2019، فإنها لم تَـقُـم سوى بِوَقَـفَـات اِحْتِجَاجِية نَادِرَة، وَهَزيلَة، وبدون مُشَارَكَة جماهيرية، وبدون اِسْتِمْرَارِيَة.
وعلى خلاف «الجَبهة المَيْدَانِيَة الشّعبية المُناهضة لِلنِّظَام السياسي اَلْمَخْزَنِي»، التي كان يُنَادِي “حزب النهج” بِـبِـنَـائِـهَا، والتي لا تُوجد إلى حَدِّ الآن، فإن مُعظم مُكَوِّنَات “الجبهة الاجتماعية” الحالية لَا تُنَاهِضُ النظام السياسي الـقائم، بَلْ تَهْرُبُ صَرَاحَةً مِن كل نِضَال يهدف إلى إِسْـقَاطه، و تُريد غَالِبِيَة “الجبهة الاجتماعية” فقط إصلاح هذا النظام السياسي، من داخل مُؤسّـساته الرَّاهِنَة، وفي إطار الرأسمالية التَبَـعِـيَـة.
وقد زَعَمَ البعض أنه لا يَجُوز لأيّ مناضل أن يَنْتَـقِدَ، أو أن يُناقش، ما تُـقَرِّرُه قِيَّادات «الجبهة الاجتماعية». بينما أَرَى أنه من حقّ أيّ مناضل أن يُسَاهِمَ في نِـقَاش الاستـراتيجية، والتَـكْتِيك، والأساليب، الخ، التي تَتَّبِـعُهَا قِيّادات «الجبهة الاجتماعية». سَوَاءً قبل خوض النضال المُشتـرك، أم بعده. وأيّ مُبرّر لمنع النقد السياسي، هو باطل ومرفوض.
فَقَدْ دَعَت مُؤَخَّرًا قِيّادات “الجبهة الاجتماعية” إلى الـقِيَّام بِمَسيرة احتجاجية ومطلبية في مدينة الرباط (وَحْدَهَا)، خلال يوم الأحد 4 دجنـبر 2022، «ضدّ الغلاء»، و«ضد القَهْر». وهذا الـقرار هو طبعًا أحسن من لَا شيء. لكنه يَـقِـلُّ كثيرًا عَمَّا كان يجب على قيّادات هذه “الجبهة الاجتمعاية” أن تَـفعله.
وماذا كان يجب على قـيادات “الجبهة” أن تـفعله؟ كان، وما زال، يجب على قـيادات “الجبهة الاجتماعية” أن تلتـزم بتـنظيم مسيرات، أو مظاهرات، في كل مُدن المغرب (وليس في مدينة العاصمة وحدها)، وفي كلّ يوم أَحَد (وليس مرّة واحدة في السنة)، وفي نـفس الساعة تـقريبا؛ ويجب أن تستمرّ قـيّادات “الجبهة الاجتماعية” في تنظيم هذه التظاهرات، في دَوْرِيَتَها الأُسْبُوعية (=كُل يوم أَحَد)، وَمَهْمَا كَانـت شَرَاسَة القَمْع، إلى أن تَتَحَقَّـق أهداف “الجبهة” المُتَجَلِّيَة في: إلغاء ارتـفاع الأثمان، وإطلاق سراح جميع المعتـقلين السياسيين، وَوَقْـف الـقَمع، وَإِلْـغَاء التَطْبِيع مع إسرائيل، وتوفير الشُّـغْل، والتـعليم العُمومي، والمستشفى العمومي، والسكن الاقتصادي، والعدالة المُجتمعية، وحُـقـوق المُواطن، والحُرِّيَات السياسية، والكَرَامَة، إلى آخره.
والتَحَدِّي الثاني، المطروح على قـيادات “الجبهة الاجتماعية”، هو أن تـعترف أن عدو الشعب ليس هو «ارتـفاع الأثمان»، وَإِنَّمَا هو الرأسمالية. لأن «ارتـفاع الأثمان»، و«انخفاض الـقُدْرَة الشِرَائِية لِلْأُجور»، والـقمع، و”الحُكْرَة”، وَمَا شَابَهَهَا، هي كلها مُجَرَّد نـتائج آلِيَّة، وَحَتْمِيَة، ومُتَـكَرِّرَة، لِلرّأسمالية. وعليه، فما يجب الـقضاء عليه، هو الرَّأْسَمَالِيَة. بَيْنَمَا ارتـفاع الأثمان، والتَضَخُّم (inflation)، وَانْخِفَاض الـقُدْرَة الشِرَائِيَة لِلأُجُور، والطَّرْد من الشُّـغْل، والقَمْع، سَيَتَكَرَّرُون آلِيًّا، وَحَتْمِيًّا، مَا دَامَت الرَّأْسَمَالِيَة قَائِمَة.
ونـقـول لأفراد قـيّادات “الجبهة الاجتماعية” : إنكم تـريدون الكفاح ضدّ ظَاهِرَة تَصَاعُد اِرْتِـفَاع الأثمان، المُتَزَامِن مع تَنَاقُص الـقُدْرَة الشِرَائِية لِلْأُجُور، وفي نـفس الوقت، أَنْتُم تُـعَارِضُون كل ما هو اِشْتِرَاكِي، وتَـرْفُضُون النضال ضد الرأسمالية، بَيْنَمَا ظَاهِرة اِرتـفاع الأثمان، وانخفاض الـقِيمَة الشِرَائِية لِلأُجور، هي نـتائج آلِيَة، وَحَتْمِيَة، وَمُتَكَرِّرَة، لِوُجُود الرأسمالية. يجب أن نَـفْهَمَ جميعًا أن الحُكُومات لَا تَـقْدِرُ أبدًا على التَحَكُّم في ظاهرة اِرْتِـفَاع الأثمان، وفي التَضَخُّم، لأن ارتـفاع الأثمان والتَضَخُّم هما مَنْتُوجَيْن حَتْمِيَّيْن لِلرَّأْسَمَالِيَة. ولا يـقبل الرأسماليّون أَبَدًا الاِلْتِزَام بِرَبْط مُسْتَوَى الأُجُور بِمُسْتَوَى تَطَوُّر التَضَخُّم (inflation). ومعنى ذلك أنكم تُريدون الرَّأْسَمَالِية، وَتَرْفُضُ نَتَائِجَهَا. إِذَن أنتَ تَتَنَاقَضُون مع أَنْـفُسِكُم، وأنتم لَا تـعرفون بَعْدُ ماذا تُريدون. لأنه َحَيْثُمَا وُجِدَت المِلْكِيَة الخَاصَّة، تَكُون بِالضَرُورة تَـكْلُفَة البضائع أكثر مما تستحق؛ وهذا الزَّائِد في الأثمان هو جزء من أرباح مَالِكِي المِلْكِيَات الخَاصَّة (المرجع: كارل ماركس، K. Marx, Critique de l’économie politique, -union- Générale d’Edition, Paris, 1972, p.83).
فهل قـيادات “الجبهة الاجتماعية” تُنَاصِر الاشتـراكية، أم أنها تَـقْـبَل الرأسمالية كَنِظَام اقتصادي أَبَدِي؟ (لِلْاِطِّلَاع على المَزيد من التوضيحات، أنظر كِتَاب رحمان النوضة، منشور بالفرنسية، والذي يحمل عنوان: «يَسْتَحِيل الخُروج من التَخَلُّف بِوَاسِطة الرأسمالية»؛ وَرَابِطُهُ لِتَنْزِيلِه هو التَالِي: (https://livreschauds.wordpress.com/2015/01/03/listes-لوائح/).
وفي يوم 7 ديسمبر 2022، نشر السيد محمود جديد مقالًا مُهِمًّا على موقع “الحوار المتمدّن“: (https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=776501)، تحت عنوان «لماذا تعجز الجبهة الاجتماعية المغربية عن فعل نضالي في مستوى متطلبات الظرف؟». وجاء هذا المقال النقدي بعدَ مُرور ثلاثة أيام على تـنظيم «الجبهة الاجتماعية المغربية» لمظاهرة احتجاجية في مدينة الرباط، في يوم الأحد 4 ديسمبر 2022. وكانـت العناصر التي أجاب بها محمود جديد على سؤاله السّابق هي التالية :
– «تَجَاسَرَت [=تَجَرَّأَت] البرجوازية ودولتها على رفع إيقاع هجومها»؛ وَتَجَلَّت «غارات البرجوازية»، في «قانون المنع العملي للإضراب… والإجهاز على مكاسب أنظمة التـقاعد… وتَـفْـكيك قانون الشغل…، الخ»؛
– «دعوات الجبهة الاجتماعية للاحتجاج… لم تلق بأي وجه الاستجابة [الجماهيرية] المتناسبة مع درجة تكهرب المناخ الاجتماعي»؛
– نـقابة «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، العضو الأساسي في الجبهة الاجتماعية، سارت في نهج منحرف عن النضال نحو ما يسمى بِـ “الحوار الاجتماعي”»؛ وقَبِلَت تَـغْيِير الـقانون الذي كان يَضْمَن حق الإضراب عن العمل؛
– إنخراط نـقابة “الاتحاد المغربي للشغل” [وهي غير عُضوة في الجبهة] في قَبُول «التدابير المعادية للطبقة العاملة»؛
– «تـقاليد النضال العمالي الجماعي ضعيفة جدا»؛
–و«يسار … يخشى على الاستقرار»؛ و «يسار لا يروم تغيير الأوضاع، بل ترقيع ما يمكن ترقيعه، لتفادي “الانفجار الاجتماعي”»؛ و«انعدام يسار يشيع قِيَم النضال الطبقي، ومبادئ النـقابة المُسَيَّرَة ذَاتِـيًّـا»؛
ورغم أنني أَتَّـفِـقُ مع محمود جديد على وُجُود هذه العناصر المذكورة سابقًا، (والتي أجاب بها على السؤال الوارد في عنوان مقاله)، إِلَّا أنني أعتبر هذه العناصر غير كافية، أو فَرْعِيَة. وأُضِيـفُ إليها العناصر الأساسية التالية لِتَـفْسِير «عجز الجبهة الاجتماعية المغربية عن فعل نضالي في مستوى متطلبات الظَّرْف»، وهي خُصُوصًا : البِنْيَة الطبقـية، أو المواقع الطبقـية، لأشخاص قـيادات الهَيْئَات المُشاركة في هذه الجبهة؛ وضعف تَكْوِين مُنَاضِلِي قَوَاعِد مُكوّنات الجبهة، وَهَزَالة تَـعْبِئَتِهَا؛ وَنَمَطِ تَـفْكِيرِ قـيّادات الجبهة (البرجوازي الصغير)؛ واختيارها لِلمناهج السياسية التَوْفِيـقِية والإِصْلَاحِيَة، بَدَلًا من تَبَنِّي المناهج الثورية، أو الجَذْرِيَة؛ وَكَوْنِهَا لم تَـقُم بِـقَطِيعَة شَامِلَة مع النظام السياسي الـقائم؛ وَكَونها مَا تَزَال تحلم بإمكانية إصلاح النظام السياسي من داخل مُؤَسَّـسَاته؛ وَمَحْدُودِيَة برنامجها المُجتمعي؛ وَتَسْـقِـيـف نضالها بِـ «الملكية البرلمانية»؛ وخوفها من الـقمع؛ وَتَهَرُّبِهَا من تـقديم أيّة تضحية شخصية؛ وَاِخْتِرَاق مُكَوِّنَات “الجبهة الاجتماعية” من طرف عناصر مُسَخَّرَة لخدمة البوليس أو النظام السياسي؛ وَنَزَعَاتُهَا الحَلَقِيَة (sectaire) أو الأَنَانِيَة؛ وإِيمانها بِكَون الرَّأْسَمَالِيَة نظامًا اقتصاديًّا أبديًّا وغير قابل لِلتَجَاوُز؛ وَرَفْضُهَا لكلّ ما هو اِشتـراكي ثوري. هذه هي الأَسْرَار التي تُـفَسِّرَ عَجْز قِيَادات “الجبهة الاجتماعية المغربية“.
واعتبر محمود جديد أن «رافعة تنظيم الدينامية النضالية والشعبية وتطويرها بالمغرب، هي الحركة النقابية العمالية». وَتُؤْمِنُ قـيادة “حزب النهج” (بما فيها عبد الحميد أمين وأتباعه) بِنَـفْس الأُطروحة. بينما في تَـقْدِيرِي، سيكون مِن الخطأ (في المرحلة التاريخية الحالية) إِعْطَاء الأَسْبَـقِيَة في الأَهَمِّيَة إلى النَـقابات، بِالمُقارنة مع أهمية الحزب الثوري، في النضالات الجماهيرية، سواءً كانـت هذه النضالات مطلبية، أم اِحْتِجَاجِيَة، أم ثورية. ولماذا ؟ لأن النـقابة، رغم ضرورتها، تبقى تـنظيما هَشًّا، أو مَائِـعًا، أو مُهَلْهَلًا، أو رَخْوًا، أو مُتَحَوِّلًا، بالمقارنة مع الحزب الثوري. ولأن قـيادات نـقابة “الاتحاد المغربي للشغل” [غير مشاركة في الجبهة] خَانَت الطبقة العاملة، وَقَبِلَت بِأن تَكُون مُسَخَّرَة في خِدمة النظام السياسي القائم. ولأن قـيادات نَـقَابَة “الكُونْـفِيدِيرَالِيَة الديموقراطية للشّـغل” [مُشاركة في الجبهة] اِنْحَازَت (بعد انهيّار الاتحاد السوفياتي) إلى الرَّأْسَمَالِية، وإلى الإصلاحية، وإلى التواطؤ الطبقـي، ولو أن خطابها ظَلَّ في ظَاهِرِه أكثر نضاليَّةً بالمُقارنة مع خطاب نـقابة «الاتحاد المغربي للشغل».
وانتـقد محمود جديد «دعوات الجبهة الاجتماعية للاحتجاج أيام 15 و16- و 17 أكتوبر 2022»، حيث أن تَنْـفِـيـذ هذه الاحتجاجات لم يكن في مُسْتَوَى «درجة تَـكَهْرُب المُناخ الاجتماعي». وهذا النـقد صحيح. لأن أحزاب اليسار، والنـقابات، والجمعيات، التي تُـكَوِّنُ «الجبهة الاجتماعية»، تَتَهَرَّبُ على العُمُوم من أي نضال جماهيري مُشترك. وإذا وَافَـقَـت في ظرف اِسْتِثْنَائِيّ على خَوْض نضال مشتـرك مُحدّد، فإنها تَكْتَـفِـي بالمُوافـقة على الدعوة إِليه، لكنها لَا تُشارك فيه، أو تُشارك فيه لكن بأعداد قليلة جدًّا من الأشخاص، وَدُونَ أن تَـقُـوم بأيّ مجهود تَنْظِيمِي، أو تَـعْبَوِي، أو إِعلامي، أو نضالي، لِإِنْجَاح هذه المَسِيرَات الاحتجاجية، أو المُظَاهرات المَطْلَبِيَة.
وَطَلب محمود جديد من كل مناضل أن يُـفَـسِّر «مُفَارَقَة» غريبة، تَتجلّى في «الهوة» بين وَاقِـعَـيْن : من جهة أولى، «جبهة اجتماعية تدعو للنضال، دون [أن يَحدث] تجاوب [جماهيري] في المستوى المطلوب» مع هذه الدَعَوَات؛ ومن جهة ثانية، وُجُود «احتجاجات شعبية تلقائية لا [يُوجد فيها] دور لتلك الجبهة الاجتماعية» ! فهل السِرُّ المُـفَـسِّـر لتلك المُـفَارَقَة هو أن قِيّادات “الجبهة الاجتماعية” ليست ثورية، أم أن الجماهير لا تَـثِـقُ في تلك القـيادات، أم أن تلك القيادات تَجْهَل فُنون النضال الجماهيري المشتـرك، أم أنها تَخاف من الـقمع، أو أنها تَرفُضُ تَـقْدِيم أيّة تَضْحِيَة بِمَصالحها الشخصية ؟ أم هل أن السِرّ يوجد على مُستويات أخرى ؟
الخميس 1 ديسمبر 2022