الأيادي المدنسة: يوميات “فتح الإسلام” من التآمر إلى النحر

الأيادي المدنسة: يوميات “فتح الإسلام” من التآمر إلى النحر

أحمد عدنان *

هذه يوميات سجلتها في حينها، قبل 15 سنة، مستعيناً بما نشرته الصحافة عن الحرب التي دارت بين الدولة اللبنانية وبين تنظيم “فتح الإسلام” الإرهابي، وجدت من المناسب أن أنشرها الآن، لتذكير اللبنانيين بمجرياتها وبعض خفاياها مع التركيز على مقدماتها، لعل الذكرى تنفع المؤمنين.

في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني/نوفمبر 2006 عقدت القوى الفلسطينية في مخيم عين الحلوة اجتماعاً يبحث في “دخول مجموعات فلسطينية ومن جنسيات عربية إلى مخيمات لبنان عبر الأراضي السورية تحت أسماء (القاعدة) و(الجيش الإسلامي) و(فتح الإسلام) إلى مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا في بيروت، بعدما كانت مجموعات مماثلة وصلت إلى مخيمي البداوي والبارد في الشمال“.

وكان خلال حرب تموز 2006، وفد إلى مخيم نهر البارد في الشمال نحو 70 عنصراً تحت عباءة تنظيم “فتح الانتفاضة” – حليف دمشق المنشق عن حركة “فتح” – ذوي ميول سلفية تكفيرية. أثار الوافدون الجدد حفيظة السكان وحفيظة حاجز الجيش اللبناني، فدهمت القوة الأمنية المشتركة في المخيم – في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 – أحد المنازل للتحقيق مع أفراد المجموعة فحدثت اشتباكات أسفرت عن مقتل أحد عناصر “فتح الانتفاضة” هو ماهر عبد الهادي، حينئذ رفع “فتح الانتفاضة” الغطاء عن هذه المجموعة وسلم إلى الجيش اللبناني أبو محمد حسام صيام (سوري الجنسية) ومحمد سالم (سعودي الجنسية)، بعدها سيطرت هذه المجموعة على مراكز “فتح الانتفاضة” في نهر البارد وتسمت بـ “فتح الإسلام”، وانكفأت عناصر “الانتفاضة” في مخيم البداوي.

 

في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 بدأ تنظيم “فتح الإسلام” يسيطر على مخيم نهر البارد بقيادة شاكر العبسي (أحد طياري فتح الانتفاضة)، وبدأ ينتشر في أزقة المخيم مسلحون ملثمون يزعجون السكان.

حققت السلطات اللبنانية مع حسام صيام ومحمد سالم، وصرّح مصدر أمني لصحيفة “الحياة” في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2006: “اعترفا بأنهما قدِما إلى لبنان خلال حرب تموز بجوازات سفر سورية!”.

في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 كان أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان خالد عارف قد صرّح لوكالة “فرانس برس”: “عدد عناصر (فتح الإسلام) – الآن – هو نحو 200 عنصر بينهم فلسطينيون ولبنانيون ومن جنسيات عربية أخرى، وقد انشقوا عن (فتح الانتفاضة) الموالية لدمشق، وقد قال أحد عناصر (فتح الإسلام) في المخيم إنها كانت تنسق مع المخابرات السورية لإرسال مقاتلين إلى العراق”. وعبر الوكالة وجّه نائب رئيس مجلس النواب اللبناني فريد مكاري دعوة إلى جامعة الدول العربية ومجلس الأمن إلى التحقيق في ملف التنطيم الوليد “فتح الإسلام”: “هؤلاء مجموعة قتلة دفع بها النظام السوري إلى لبنان وكلفها بتصفية 36 شخصية لبنانية بحسب اعترافات بعض العناصر التي اعتقلت منها“.

في 6 كانون الثاني/يناير 2007 نشرت صحيفة “الحياة” اللقاء الأول مع شاكر العبسي زعيم تنظيم “فتح الإسلام”، وقال الصحافي صلاح الأيوبي في مقدمته: “أعلن تنظيم (فتح الإسلام) عن نفسه في الشهر الأخير من السنة الفائتة في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، بصفته انشقاقاً إسلامياً عن حركة (فتح الانتفاضة). وترافق هذا الإعلان مع معلومات تسربت عن وصول ناشطين من تنظيم (القاعدة) من سوريا الى لبنان”. وكانت المعلومات التي تسربت مصدرها صحيفة “لوموند” الفرنسية في كانون الأول/ديسمبر 2006. في اللقاء نفى العبسي أي صلة له بسوريا، لكنه قال: “دخلنا لبنان منذ نحو عام بعد أن اتخذ قرار بسحب السلاح الفلسطيني، أي القرار 1559!”.

 

كتبت بيسان الشيخ في صحيفة “الحياة” في 13 شباط/ فبراير 2007: “والدخول من باب العلاقات الاجتماعية وإظهار التضامن الإنساني في بيئة تفتقر إلى أدنى مقومات العيش، هو ما يسلكه تنظيم (فتح الإسلام) الذي يعد اليوم نحو 300 فرد بين عناصر منظمة وأفراد عائلات”، في إشارة إلى ازدياد عناصر التنظيم. ولفتت الشيخ في تقريرها إلى توتر العلاقة بين “فتح الإسلام)” و”حماس“.

في 13 آذار/مارس 2007 أعلن جهاز فرع المعلومات – في وزارة الداخلية اللبنانية – عن توقيف 4 سوريين من أصل ستة – خلال أسبوع مضى – شكلوا مجموعة نفذت تفجيرات “عين علق” في 14 شباط/ فبراير 2007. وكان زعيم المجموعة قد أفاد في التحقيقات بأن شاكر العبسي “على اتصال مباشر بالمخابرات السورية”. واتضح – لاحقاً – أن عدد الموقوفين بين 14 شباط/فبراير – 14 آذار/مارس من “فتح الإسلام” هو 13 موقوفاً منهم 5 سوريين و4 سعوديين. والسوري الخامس تم التوصل إليه بعد القبض على عصابة سلب في صيدا قامت بسرقة “بنك جمّال” لحساب “فتح الإسلام“.

 

أحد الموقوفين السعوديين هو عبد الله البيشي، مطلوب أمنياً في السعودية، كان مقيماً في إيران، وطلب منه الحرس الثوري الإيراني الانتقال إلى لبنان للإفتاء لمجموعة “فتح الإسلام”، وبعد وصوله إلى لبنان اختلف البيشي مع العبسي حول بعض الاجراءات منها سلب المصارف وفرض الأتاوات على سكان مخيم نهر البارد. إثر هذه الخلافات طلب العبسي من العنصر غسان السنكري مرافقة البيشي إلى سوريا، وفي نقطة “العريضة” الحدودية أوقفهما الأمن العام اللبناني اشتباهاً قبل سويعات من تفجيرات “عين علق”. (واللافت أنه لم يتساءل أحد إلى يومنا هذا ماذا يفعل إرهابي سعودي مطلوب في إيران، وبأي سلطان تطلب منه إيران التوجه إلى لبنان؟).

السعوديون الثلاثة الآخرون أوقفوا في مطار بيروت بسبب دخولهم لبنان بصورة غير شرعية، وهم غير مطلوبين أمنياً لا في السعودية ولا لبنان، أوقف اثنان منهم في 1 شباط/فبراير 2007، والثالث في 7 شباط/فبراير، وأكد مصدر أمني لبناني أن السعوديين الأربعة لم يتورطوا في جرائم “فتح الإسلام”، خصوصاً وأن أحدهم كان مخطوفاً من هذا التنظيم لسرقة حوالي ثمانية آلاف دولار، وكان البيشي قد لعب دوراً في إطلاق سراحهم. طالب عبدالعزيز خوجة سفير المملكة في لبنان – آنذاك – باسترداد الموقوفين الأربعة بعد أن ثبت للأجهزة الأمنية اللبنانية عدم ضلوعهم في جرائم “فتح الإسلام” ولم ترد السلطات اللبنانية على طلبه!.

التحقيقات مع السوريين الموقوفين أفادت الأمن اللبناني بمعلومات مهمة: القائد الفعلي لـ “فتح الإسلام” ليس شاكر العبسي، إنما عنصر سوري – لا يزال فارّاً – يكنّى “أبو مدين” وعنصر سوري – آخر – اسمه محمود الأكاسي. لا صلة بين “فتح الإسلام” وتنظيم “القاعدة” وأهدافه تمس الواقع اللبناني – دون غيره – وتحديداً استهداف قوى الرابع عشر من آذار. هناك علاقة عضوية بين “فتح الإسلام” و”فتح الانتفاضة” والانفصال بينهما تمويهي لا أكثر، العناصر العربية – من غير السوريين والفلسطينيين واللبنانيين – تم استدراجهم لأغراض تمويهية.

في 19 آذار/مارس 2007 صرّح عباس زكي ممثل السلطة الفلسطينية في لبنان للصحافة: “(فتح الإسلام) ظاهرة غريبة ومريضة لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية”، وفي اليوم نفسه حصلت توترات في مخيم نهر البارد إثر مطالبة السكان بمغادرة عناصر “فتح الإسلام“.

في 21 آذار/مارس 2007 ادعى النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا على الموقوفين السوريين – المنتمين الى “فتح الإسلام” – المتهمين في جريمة “عين علق”. (وفي 4 نيسان/أبريل 2007 ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في لبنان القاضي جان فهد على ثلاثة موقوفين سوريين جدد – ينتمون أيضاً إلى “فتح الإسلام” – في جريمة تفجير عين علق).

في 23 آذار/مارس 2007 صرّح اللواء أشرف ريفي (المدير العام لقوى الأمن الداخلي) – على هامش زيارة للكويت – نافياً أي صلة بين “فتح الإسلام” وتنظيم “القاعدة”. وفي اليوم نفسه نشر الصحافي حازم الأمين في صحيفة “الحياة” تقريراً عن “فتح الإسلام” بعد زيارة معسكراتها في نهر البارد، لافتاً إلى ملاحظة مهمة: “أغلبهم يرطن الفصحى بلهجة سورية“.

في 13 نيسان/أبريل 2007 صرّح عباس زكي لوكالة “فرانس برس”: “المنظمة ستتخذ إجراءات لعزل (فتح الإسلام) في نهر البارد”، مضيفاً: “هذه الظاهرة جاءت في وقت تبنينا سياسة جديدة في لبنان، وأعادت الى الأذهان أن المخيمات لا تزال ثغرة في جدار الأمن أو مصدر تهديد، ونحن لا نريد أن تكون ملجأ للهاربين من العدالة وبؤراً أمنية. (فتح الاسلام) استطاعت أن تتسلل من خلال قسم من (فتح الانتفاضة) – وهو تنظيم فلسطيني موال لسوريا ومقره في دمشق – واستوطنت مخيم نهر البارد. اننا نتعامل مع (فتح الاسلام) كحالة غريبة غير مقبولة ومدانة“.

في 23 نيسان/ أبريل 2007 استشهد جندي هو ربيع مصطفى إثر إشكال وقع على حاجز الأمن اللبناني عند مدخل مخيم نهر البارد أصابع الاتهام تتجه نحو “فتح الإسلام“.

بدأت المعركة بين الجيش اللبناني و”فتح الإسلام” في أيار/مايو 2007 في ظل أجواء واضحة جداً: حادثة اغتيال “الزيادين” زياد غندور وزياد قبلان في محاولة لإشعال فتنة سنية – شيعية (وما زال قتلة الزيادين تحت حماية ميليشيا “حزب الله”)، ومحاولة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حسم ملف المحكمة الدولية باستصدار قرار من مجلس الأمن، وقرب استحقاق المنصب الرئاسي حيث ستنتهي ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود.

في الأسبوع الأول من أيار/مايو شهد مخيم “عين الحلوة” في جنوب لبنان – أيضاً – توتراً شديداً بعد اغتيال عنصرين من حركة “فتح” برصاص تنظيم “جند الشام” وفشلت اتصالات الأمن اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية في تسليم القتلة. وأوضحت قيادات “فتح” أن المجموعات التي تطلق على نفسها “جند الشام” و”عصبة النور” و”فتح الاسلام” ما هي إلا أسماء وهمية لجهة واحدة لها ارتباطات مع دولة حدودية (سوريا) تريد توتير الأجواء في المخيمات.

 

في 19 أيار/مايو 2007 نفذ خمسة مسلحين عملية سطو مسلح على فرع بنك “البحر المتوسط” في قرية أميون (شمال لبنان). (وبسبب هذه الحادثة تتهم قوى الثامن من آذار وحلفاء سوريا وإيران قوى الرابع عشر من آذار بتمويل “فتح الإسلام” لكنها تتغاضى عن عمليات سطو نفذها التنظيم على بنوك أخرى، وتتغاضى عن صلات “فتح الإسلام” بسوريا وإيران، وعن قدوم العناصر الأجنبية فيه إلى لبنان بجوازات سورية).

وفي اليوم نفسه، أصدر الجيش اللبناني بيانات عدة، أهمها: على إثر قيام مجموعة من قوى الأمن الداخلي بدهم مبنى داخل مدينة طرابلس والاشتباك مع مسلحين، أقدمت عناصر تابعة لحركة “فتح الاسلام” على مهاجمة بعض مراكز الجيش في محيط مخيم نهر البارد والضواحي الشمالية لمدينة طرابلس، كما تعرضت لآليات عسكرية خلال انتقالها في منطقة القلمون، ما أدى إلى وقوع إصابات بين قتيل وجريح في صفوف العسكريين. لا تزال وحدات الجيش في حال اشتباك مع المسلحين.

في 20 أيار/مايو 2007 أعلن أمين سر حركة “فتح” في لبنان سلطان أبو العينين دعمه الجيش اللبناني في معركته ضد “فتح الاسلام”. وأكد أبو العينين ارتباط “فتح الاسلام” بأجندة خارجية، رابطاً بين ارتباط اعتداءات هذه العصابات على الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وبين إقرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كما صرّح اللواء أشرف ريفي لإذاعة “لبنان الحر)” بأن ارتباطات “فتح الإسلام” الخارجية معروفة عند أجهزة الأمن اللبنانية. وتصريح ريفي لم يأتِ من فراغ، بحيث كلفت منظمة التحرير الفلسطينية أحد قيادييها (مصطفى خليل) باحتواء ظاهرة “فتح الإسلام” لكنه عاد إلى الجهات الرسمية معلناً عدم نجاحه “بسبب الدعم الذي تتلقاه (فتح الإسلام) عبر الحدود السورية“.

في 21 أيار/مايو 2007 نجحت البعثة الدولية للصليب الأحمر في نهر البارد في التوصل الى هدنة (مدة ساعتين) بين الجيش اللبناني و”فتح الإسلام”، لكنها لم تصمد أكثر من نصف ساعة بعد أن خرقها الأخير بهجوم مسلح على أحد مواقع الجيش اللبناني الذي رد بقصف صاروخي واستهداف مواقع القناصة.

وفي اليوم نفسه صرّح وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأن تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري وفق نظامها الحالي يجعلها “إحدى أدوات السياسية الأميركية للنيل من سوريا ومن موقفها”. وفي مساء اليوم نفسه فجعت بيروت بانفجار في حي الأشرفية تسبب بمقتل مواطنة وإصابة 12 جريحاً.

في 22 أيار/مايو 2007 كشف مصدر أمني رفيع لصحيفة “الحياة” أن لا فلسطينيين بين القتلى والموقوفين من تنظيم “فتح الإسلام”، مشيراً إلى ترجيح مقتل السعودي عبدالرحمن اليحيا (الملقب بطلحة) في اشتباكات جرت في شارعي المئتين والزاهرية بين الجيش اللبناني وعناصر “فتح الإسلام” الذين استخدموا القنابل اليدوية والرشاشات والمسدسات والسلاح الأبيض بغية السيطرة على تلك المنطقة كمقدمة لإسقاط مدينة طرابلس. واعتبر المصدر أن معظم الذين قتلوا أو أوقفوا من “فتح الإسلام” تلقوا تدريبات عسكرية في الخارج: سوريا وايران، فيما يقتصر تواجد التنظيم في مخيم نهر البارد على كوادر عسكريين أساسيين يقودون مجموعات من جنسيات سورية وفلسطينية ولبنانية، ومعظم الفلسطينيين المنتمين إليها هم من مواليد سوريا والأردن. كما صرح للصحيفة مؤسس التيار السلفي في لبنان داعي الإسلام الشهال واصفاً تنظيم “فتح الإسلام” بأن “لا علاقة له بالقاعدة ويتقاطع مع أطراف سورية وفلسطينية“.

بعيداً عن الصحافة، كان المخيم – للمرة الثانية – شهد هدنة بين الجيش اللبناني و”فتح الإسلام” الذي خرقها كالعادة، خصوصاً وأن الجيش تمكن من ضبط مراكز للذخيرة تابعة له والقبض على شخصيات تنتمي اليه (منهم أحمد المرعي الذي يعتبر من قيادات التنظيم والذي يتواجد في سوريا بشكل دوري لعلاقاته بالأجهزة الأمنية هناك)، إضافة إلى السيطرة على المدخل الشمالي للمخيم. وهدد “فتح الإسلام” بتوجيه ضربات إلى لبنان خارج مخيم نهر البارد. (وعلى إثر التهديد، شهدت بيروت – من جهتها – انفجاراً جديداً في شارع فردان).

في 23 أيار/مايو 2007 أدان مجلس الأمن هجوم “فتح الإسلام” على الجيش اللبناني، وأكدت مصادر من داخل المجلس أن مشروع المحكمة سيتقدم قريباً. من جهة أخرى طلبت جامعة الدول العربية من الدول الأعضاء دعم الجيش اللبناني بالسلاح والذخائر (وكانت المملكة العربية السعودية أولَ من دعم الجيش اللبناني بالسلاح والذخيرة لمواجهة (فتح الإسلام)، بل كانت الداعم الأكبر منذ اليوم الأول. على عكس المساعدات السورية – المحدودة جداً – التي تم الإعلان عنها متأخراً جداً بشكل يدعو الى الريبة). وصرح وزير الدفاع اللبناني إلياس المر لقناة “العربية” – في حينه – بأن الجيش اللبناني سيتجه الى الحسم العسكري إلا إذا استسلم تنظيم “فتح الإسلام”. وأكد أن الجيش لم يبدأ بالاشتباك معه بل كان يمارس دوره في حفظ السلم والأمن. وفي ذلك اليوم، عادت التفجيرات إلى المناطق اللبنانية، وتحديداً في عاليه، مسببة سقوط 3 جرحى نقلوا إلى المستشفيات، وأضراراً مادية كبيرة.

وفي مخيم نهر البارد وصل عدد النازحين إلى 18 ألفاً، ورد الناطق باسم “فتح الإسلام” أبو سليم طه على تصريح وزير الدفاع اللبناني قائلاً: “سنقاتل حتى آخر قطرة دم”. حين أطلق أبو سليم تصريحه كان بعض مقاتلي تنظيمه يفرون من المخيم، وقتل الجيش اللبناني اثنين منهم حين رفضا الاستسلام، كما أغرق زورقين فيهما 12 عنصراً من “فتح الإسلام”، وقتل أيضاً أبو مدين السوري القائد الفعلي للتنظيم.

حتى يوم 24 أيار/مايو 2007 كان موقف قوى الثامن آذار من أحداث نهر البارد ملتبساً، فوفق تصريحات سياسيين ينتمون الى هذا الفريق في الصحافة اللبنانية يمكن أن نبلور موقف تلك القوى كما يلي:

هناك من ورّط الجيش اللبناني لمواجهة “فتح الإسلام“.

هناك من يستغل الحرب على “فتح الإسلام” للتعجيل في ملف المحكمة الدولية في مجلس الأمن.

قامت القنوات الفضائية التابعة لقوى الثامن من آذار – أو الموالية لها – بتصوير حرب الجيش على “فتح الإسلام” بأنها حرب على المدنيين الفلسطينيين، ولم تؤيد – أبداً – خيار الحسم العسكري ضده ولم تدن الاعتداء على المؤسسة العسكرية.

صرح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في 23 أيار/مايو 2007 لوكالات الأنباء: “(فتح الإسلام) لا يظهر إلا في بلد ضعيف ومنقسم، والمطلوب الاستجابة لمطالب المعارضة اللبنانية (8 آذار) لإنهاء حالة الانقسام في لبنان والخروج من هذه الأزمة!“.

في 24 أيار/مايو ضاق الجيش اللبناني ذرعاً بسياسة فضائيات الثامن من آذار، فأصدر بياناً يقول فيه: “نحرص على أرواح المدنيين الأبرياء في مخيم نهر البارد.، ونحمّل مسؤولية ما حصل وقد يحصل لاحقاً الى كل من يحاول الاعتداء على المراكز العسكرية ومن يتخذ من المدنيين دروعاً بشرية. إن وحدات إغاثة الجرحى والمرضى قامت بإدخال المواد الحياتية الى القاطنين في المخيم، وعمدت إلى إخلاء جثث القتلى المنتمين إلى جماعة (فتح الإسلام) التي عثر عليها أمام مراكز الجيش خارج المخيم، في حين تستمر هذه الجماعة بالاعتداء على قوافل المساعدات وسيارات الصليب الأحمر ومصادرتها”. وأضاف البيان: “ما ينقله بعض وسائل الاعلام لجهة حجم الخسائر البشرية في صفوف المدنيين هو أمر مبالغ فيه جداً، يدحضه العدد المحدود نسبياً للضحايا والجرحى المدنيين الذين تم إخلاؤهم بواسطة الصليب الأحمر اللبناني والهلال الفلسطيني، والذي بلغ قتيلاً واحداً و19 جريحاً، على الرغم من الكثافة البشرية والسكنية الكبيرة للمخيم، ما يشير الى استهداف القوى العسكرية مراكز المسلحين فقط، الذين في المقابل استهدفوا الجيش بغدرهم وحقدهم مما أوقع أكثر من ثلاثين شهيداً وعشرات الجرحى في صفوفه، معظمهم من أبناء المنطقة التي استضافت الشعب الفلسطيني وناصرت قضيته العادلة“.

كان المخيم في ذلك اليوم شهد خرقين لوقف إطلاق النار، الأول في الثامنة والنصف مساء حين تعرضت مواقع الجيش اللبناني لإطلاق نار من عناصر “فتح الإسلام” فردت عليها بالمثل، واستمرت هذه المناوشات التي استعملت فيها الأسلحة الرشاشة والأسلحة الثقيلة نحو ثلث ساعة. والثاني في منتصف الليل حين وقع تبادل لإطلاق النار سببه محاولة تسلل من عناصر “فتح الإسلام” إلى خارج المخيم تصدى لها الجيش اللبناني.

وتحدثت معلومات عن مقتل بين 4 و 5 عناصر من “فتح الإسلام” في هذا الاشتباك.

في 25 أيار/مايو 2007 استمرت المناوشات بين الجيش و”فتح الإسلام” أسفرت عن مقتل عنصرين من التنتظيم أحدهما سوري، والآخر هو “أبو بكر السوداني”. وواصل الجيش اللبناني تعزيزاته لإحكام سيطرته على مختلف مداخل المخيم ومحيطه. لكن صحيفة “الحياة” – في ذلك اليوم – نشرت حواراً لافتاً أجراه باسم البكور مع القائد العسكري لـ “فتح الإسلام” شهاب قدورة الملقب بـ “أبي هريرة”. يقول أبو هريرة: “لا نعارض مشروع (حزب الله) في المقاومة، ولا نقف منه موقفاً عدوانياً أو من شيعة لبنان على الرغم من الاختلافات العقدية على عكس موقفنا من شيعة العراق”. وأضاف “أبو هريرة” – بعد اعترافه بمسؤولية التنظيم عن تفجيري الأشرفية وفردان -: “نحن مستعدون لمزيد من التفجيرات داخل لبنان. هدفنا تحرير فلسطين وبيت المقدس، وعناصر (فتح الإسلام) لها خبرات طويلة في حرب العصابات، وأنا شخصياً لدي خبرة قتال 21 سنة آخرها في العراق”. يذكر أن أبا هريرة كان مسجوناً في سوريا كزميله شاكر العبسي!. (مرة أخرى: ما سر كون غالبية قيادات “فتح الإسلام” من مساجين دمشق، وقدومهم إلى لبنان عبر دمشق، واستهدافهم في لبنان خصوم دمشق وإيران).

في 26 أيار/مايو 2007 بدا التصريحان البارزان خلال الأزمة، الأول لدولة الرئيس فؤاد السنيورة حين أعلن في قناة “بي بي سي” البريطانية: “التحقيقات الأولية أظهرت روابط بين مقاتلي (فتح الإسلام) وبين المخابرات السورية، وأن توقيت التصعيد مرتبط بملف المحكمة الدولية”. والثاني للأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله الذي كرّس موقف قوى الثامن من آذار المؤازر – بشكل موضوعي أو غير مباشر – لـ “فتح الإسلام” حين قال في خطاب متلفز: “مخيم نهر البارد خط أحمر”. كما أبدى (نصر الله) تعجبه من دعم الولايات المتحدة الجيش اللبناني بالسلاح والذخيرة!. وكانت قد وصلت 5 طائرات من الولايات المتحدة إلى لبنان تحمل هبة من الأسلحة والذخائر إلى الجيش اللبناني وفق الاتفاقية الأمنية بين وزارتي الدفاع اللبنانية والأميركية كما صرّح وزير الدفاع إلياس المر الذي رفض ربطها بالحرب على “فتح الإسلام”، على عكس الطائرات السعودية والإماراتية والمصرية والأردنية التي وصلت إلى بيروت لدعم الجيش في حربه على الإرهاب. ويومها صرح السفير السعودي في لبنان عبدالعزيز خوجة لوكالات الأنباء: “تبيّن لنا حتى الآن مقتل أربعة سعوديين في الاشتباكات الجارية بين الجيش اللبناني و(فتح الإسلام)، لكن لم تُحدد أسماؤهم بعد”. وأشار إلى أن “هناك تعاوناً أمنياً وتبادلاً للمعلومات الأمنية على مدار الساعة بين المسؤولين في السعودية ولبنان“.

على صعيد آخر، في نيويورك، ضمنت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا الأصوات التسعة اللازمة لتبني مجلس الأمن قرار إنشاء المحكمة الدولية، ما لم تستخدم أي من الدول الدائمة العضوية الخمس حق النقض. وعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة قدم خلالها سفراء فرنسا وبريطانيا وأميركا مشروع القرار للمرة الأولى في قاعة المجلس. وكان متوقعاً أن تقدم الدول الثلاث مشروع القرار باللون الأزرق، أي ليكون جاهزاً للتصويت، وقالت مصادر إن خمسة دول عبّرت عن اعتراضاتها على مشروع القرار، في مقدمها قطر وبينها جنوب أفريقيا وأندونيسيا إلى جانب روسيا والصين. وسعت قطر وراء إعادة كامل المسألة إلى الساحة اللبنانية بذريعة أن عدم التوافق بين اللبنانيين “يخلق لنا حساسية” بحسب تعبير مندوبها ناصر النصر. في المقابل صرّح وزير العدل اللبناني شارل رزق: “المحكمة ليست انتصاراً لفريق أو خسارة لآخر، وأدعو إلى التعايش معها لأنها ستستمر وقتاً طويلاً ووضعها في إطارها الزمني قد يستغرق سنوات، هي ليست سلاحاً بيد فريق ضدّ آخر بل سلاح للعدل وللقضاء لانتصار الحق، وهناك تزامن لافت بين إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن وأحداث مخيّم نهر البارد. وأتوقع أن تستمر العمليات الأمنية لفترة قصيرة عند الذين ما زالوا يعتقدون بأن التخويف يمكن أن يوقف إقرار إنشاء المحكمة“.

على صعيد المخيّم، لفتت وكالة “رويترز” عن شهود عيان ومصدر في “اليونسيف”، الى أن قناصة “فتح الإسلا”) بدؤوا بإطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين لمنعهم من النزوح للاحتفاظ بالبقية كدروع بشرية، وعلى الرغم من ذلك تمكنت 40 عائلة من الفرار غالبيتهم من النساء والأطفال. (قتل يومها 19 مدنياً منهم امرأة حامل).

في 27 أيار/مايو 2007 انفجرت قنبلة في منطقة البربير في بيروت تسببت بإصابة 5 جرحى، وأصدر الجيش اللبناني بياناً قال فيه: “تابعت القوات العسكرية إحكام الطوق حول المجموعات المسلحة التي تتمادى في عدوانها باستهداف المواقع العسكرية بالنيران وأعمال القنص وإقامة تحصينات في مخيم نهر البارد، وردت قوات الجيش على مصادر النيران – في المخيم – بحزم لتدمير تحصينات (فتح الإسلام) وإحباط تسلل عناصرها إلى الخارج“.

في 28 أيار/مايو 2007 شهدت طريق مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة بيروت حادثاً أمنياً بإطلاق حاجر للجيش النار على سيارة لم تمتثل لأوامر بالتوقف. وقالت مصادر أمنية إن حاجزاً للجيش تابعاً لجهاز أمن المطار، أوقف سيارة “مرسيدس” لونها أبيض تحمل لوحة عمومية، وطلب من راكب في المقعد الخلفي النزول لتفتيشه، وأوعز إلى سائقها والراكب الذي كان إلى جانبه بإيقاف السيارة على جانب الطريق لإخضاعها للتفتيش أيضاً. وفيما بدأ أحد عناصر الجيش بتفتيش الراكب الذي كان يجلس في المقعد الخلفي، ويدعى علي جمال موسى (لبناني) – الذي تم إيقافه – فوجئ عناصر الحاجز بعدم امتثال السائق للأوامر، وبانطلاق السيارة بدل ركنها جانباً فأطلقوا في الهواء طلقات تحذيرية لكن السيارة تابعت سيرها فما كان من عناصر الحاجز إلا أن أطلقوا النار عليها، فأصيب السائق ويدعى حسن علي كركي (لبناني) إصابات قاتلة، بينما أصيب الآخر وهو سوري يدعى حمادي علي أحمد إصابات بليغة ونقل إلى مستشفى “الرسول الأعظم” القريب من الحاجز، لكنه ما لبِث أن فارق الحياة.

في مخيم نهر البارد، واصلت وحدات الجيش اللبناني إحكام الطوق على المخيم وسط اشتباكات متقطعة مع مسلحي “فتح الإسلام” الذين يتحصنون داخل المخيم. وكانت مجموعة من “فتح الإسلام” حاولت التسلل إلى أحد المواقع العسكرية التابعة للجيش في السابعة والنصف صباحاً ما اضطر الجيش إلى الرد عليها باستخدام الرشاشات الخفيفة وقذائف “أر. بي. جي” وسقط عدد من الجرحى من المجموعة المهاجمة كما أفادت “الوكالة الوطنية للإعلام”. وفي الثامنة والنصف صباحاً، استهدف قناصة “فتح الإسلام” من أحد الأبنية السكنية داخل المخيم، مركزاً متقدماً للجيش ما أدى إلى إصابة أحد المجندين إصابة طفيفة. وساد بعد ذلك الهدوء الحذر معظم محاور القتال. وكانت عملية النزوح من المخيم تواصلت وإن بوتيرة أخف، وقدرت “الوكالة الوطنية للإعلام” أنه لم يبق في المخيم سوى نحو 5 آلاف فلسطيني، في حين يستمر وصول مواد الإغاثة اليه والتي يتم إدخالها بحسب الوضع الأمني.

في 29 أيار/مايو 2007، عشية إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن، استمرت المناوشات المتفرقة في محيط مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني و”فتح الإسلام” ما أدى الى استشهاد جندي لبناني خلال مشاركته في التصدي لمحاولة تسلل نفذها مقاتلوه فجراً. وفي المساء ارتفعت وتيرة الاشتباكات في محيط المخيم إثر توقيف القوى الأمنية أحد المشتبه في انتمائهم إلى “فتح الإسلام”، بعد مراقبته، وتبين أنه يحمل جوازات سفر مزورة، وهو لبناني الجنسية. كما أوقفت القوى الأمنية أحد عناصر التنظيم في منطقة الأشرفية (وهو لبناني الجنسية) بناء على إفادة أحد المقبوض عليهم من التنظيم في معارك نهر البارد. (وقد اعترف هذا العنصر بأنه حلقة وصل بين عناصر التنظيم والمخابرات السورية).

 

ويومها زار الرئيس اللبناني إميل لحود البطريرك مار نصرالله بطرس صفير مقترحاً تشكيل حكومة إنقاذ من 6 وزراء يمثلون الطوائف الرئيسة لمنع تسييس المحكمة الدولية، ورد – فوراً – بعض قادة قوى الرابع عشر من آذار على مقترح الرئيس بالرفض خشية أن يراد من هذه الحكومة تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية التي اقترب استحقاقها في لبنان. وقال زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري: “إن قرار الحسم مع (فتح الإسلام) متخذ سياسياً، لكنه متروك – ميدانياً – لقرار الجيش اللبناني”. وأضاف: “إن من يطرح علاقة مزعومة بين تيار المستقبل وبين (فتح الإسلام)، إن من يتبنى هذه التهمة السخيفة، ينتمي الى جوقة المخابرات السورية في لبنان“.

في 30 أيار/مايو 2007 تم إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن على الفصل السابع. وعلى صعيد المخيم، خرق “فتح الإسلام” الهدنة الإنسانية بينه وبين الجيش اللبناني ما اضطر الأخير إلى الرد، وأدى ذلك إلى سقوط جريحين من الجيش، وسقوط ستة قتلى من “فتح الإسلام”. وزار يومها سفير المملكة في لبنان عبدالعزيز خوجة قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان لتأكيد وقوف المملكة بجوار الشرعية في لبنان وتضامنها مع الجيش اللبناني وتقديم التعزية بشهداء الجيش. في حين أعلن قائد حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع عن تزامن مشبوه بين اعتصام المعارضة (8 آذار) ضد الحكومة في وسط بيروت، وملف المحكمة الدولية في مجلس الأمن، واقتراح الرئيس لحود حكومة سداسية، من جهة، ومن جهة أخرى الصدامات التي افتعلها تنظيم “فتح الإسلام”، وقال (جعجع): “إنهم يضغطون علينا لتغيير الحكومة، لكن الحكومة باقية“.

في اليوم نفسه، ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد على 20 عنصراً من “فتح الاسلام” أوقفوا في أحداث طرابلس ونهر البارد (19 لبنانياً وسوري)، بتهمة “إقدامهم على تأليف عصابة بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها والتعرض لمؤسساتها المدنية والعسكرية والقيام بأعمال إرهابية وحيازة وصنع ونقل واستعمال مواد متفجرة والقيام بأعمال إرهابية بواسطتها، ما أدى إلى قتل عدد من العسكريين والمدنيين وجرح آخرين، وهدم وتخريب وحرق وإلحاق الضرر بالسيارات والممتلكات العامة والأبنية الخاصة والطرق العامة“.

في 31 أيار/مايو 2007، سقط شهيد من الجيش اللبناني وأصيب ثلاثة جنود آخرين بجروح طفيفة، في عمليات قنص نفذها عناصر “فتح الإسلام” من مخيم نهر البارد، بينما تحدثت “الوكالة الوطنية للإعلام” اللبنانية الرسمية، عن سيطرة الجيش على مواقع أساسية للتنظيم داخل المخيم وتكبيده خسائر كبيرة في الأرواح بين قتلى وجرحى (وصلوا إلى نحو 40 وأفادت مصادر فلسطينية بأن القائد العسكري “أبو هريرة” تعرض لإصابات بليغة) بعد معارك استمرت من الصباح إلى الليل. كما أدخل الجيش اللبناني للمرة الأولى سلاح الجو في المعركة، إذ شوهدت مروحية من طراز “غازيل” تحلق فوق المنطقة المحيطة بالمخيم، محملةً بالصواريخ.

على صعيد آخر، قالت مصادر أمنية لبنانية للصحافة إنه لا يوجد موقوفون سعوديون في عداد المنتمين إلى تنظيم “فتح الإسلام” الذين اعتقلتهم القوى الأمنية اللبنانية في اشتباكات نهر البارد، مشيرة إلى وجود 4 جثث بين قتلى التنظيم يُعتقد أنهم سعوديون، لكن التثبت من هوياتهم ينتظر نتائج التحاليل المخبرية (فحص الحمض النووي) والتي سيصار إلى مطابقتها مع فحوص مماثلة لأقرباء لهم في السعودية. ولفتت المصادر إلى أن الحديث عن وجود 75 سعودياً بين مقاتلي التنظيم في نهر البارد، مبالغ به. وهذا ما أكده أكثر من مسؤول فلسطيني في المخيم يواكب الاتصالات الجارية لإيجاد حل للمشكلة، على قاعدة مبادرة زعيم التنظيم شاكر العبسي إلى ترحيل المقاتلين من غير الفلسطينيين الذين دخلوا إلى المخيم في فترات متلاحقة، وهذا ما يرفضه نظراً إلى أن هناك قلة من الفلسطينيين بين صفوفهم.

في 1 حزيران/يونيو 2007 أعلن عباس زكي، عن “اجراءات ملموسة لإجبار (فتح الاسلام) على رفع أيديها والتسيلم للقضاء”، معتبراً أن “عملية الحسم في مخيم نهر البارد – ضد (فتح الإسلام) – قد بدأت“.

في 13 حزيران/يونيو 2007 هدد تنظيم يدعى “حركة التوحيد والجهاد في سوريا” باستهداف اللبنانيين بالخطف والاغتيال وقطع الرؤوس “إذا واصل الجيش اللبناني قصف مواقع فتح الإسلام“.

في 2 أيلول/سبتمبر 2007 حسم الجيش اللبناني معركة “نهر البارد” بعد إحباطه عملية فرار جماعية يائسة حاول مَن تبقى من مسلحي “فتح الإسلام” داخل المخيم القيام بها فجراً. وقام الجيش بقتل 37 إرهابياً وأسر 24 آخرين في مواجهات متفرقة في اليوم نفسه (قتل الجيش اللبناني 222 عنصراً من تنظيم “فتح الإسلام” الإرهابي وأسر 202 عنصر خلال المواجهات التي استمرت نحو 15 أسبوعاً) من هنا، تضاربت المعلومات بشأن مصير الرجل الأول في “فتح الإسلام” شاكر العبسي. ووجه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة كلمة متلفزة إلى اللبنانيين أعلن فيها أن “مخيم نهرالبارد سيكون تحت سلطة الدولة اللبنانية دون سواها”، مؤكداً أنه “لن تكون سلطة على أرض لبنان ولا مَوْنة على أرضه من أي جهة”. وأعرب عن إصراره على “أن تبسط الدولة اللبنانية سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية”. وأكد أن “الجيش اللبناني بوحدته وشجاعته ودماء ضباطه وجنوده حقق أكبر نصر وطني لبناني على الارهابيين”، لافتاً إلى أن الجيش اللبناني المنتشر في جنوب لبنان هو نفسه الجيش الذي انتصر على الإرهابيين في شماله.

هذه هي بعض قصة بداية ونهاية تنظيم “فتح الإسلام” الإرهابي وما خفي أعظم، وفيها أكثر من عبرة تستحق التامل والدرس، أهمها: العلاقة العضوية بين الإرهاب ومحور الممانعة وقوى 8 آذار. وأنه لا خيار سوى الدولة للانتصار الجذري في الحرب على الإرهاب. والتأكيد على أن حكومة الرئيس السنيورة قامت بدور بطولي في إنقاذ لبنان وطرابلس من تأسيس إمارة إرهابية في الشمال، ولعل هذا الإنجاز كان من الأسباب التي دفعت قوى الشر إلى منع قيام أي حكومة على غرارها إلى تاريخه، ومن نتائج ذلك نكسة لبنان الراهنة.

*كاتب وصحفي سعودي

نقلاً عن موقع “لبنان الكبير”

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة