الهجوم على المركز الثقافي الكردي بباريس… متى ندرك أننا كلنا في الهمِّ شرق؟؟
عبد السلام بنعيسي
قُتِلَ ثلاثةُ أشخاصٍ وأصيب ثلاثة آخرون بجروح في هجوم بالرصاص وقع يوم الجمعة الفائت أمام مركز ثقافي كردي في وسط باريس، وحسب السلطات الفرنسية، فإن منفذ الهجوم الذي كان مسلحا، وله توجهات عنصرية، وسبق أن أدين بارتكاب أعمال عنف باستخدام السلاح، “أراد بوضوح استهداف أجانب”، واندلعت مظاهرات احتجاجية كبيرة، عقب هذا الحادث، واستعملت قوى الأمن الفرنسية الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، في محاولةٍ لإخماد غضبهم وإطفائه، تجنبا لانتشار عدوى الاحتجاجات إلى أماكن متفرقة في عموم العاصمة باريس وضواحيها، ومعها باقي المدن المجاورة، حيث تقيم جالية أجنبية كبيرة في الديار الفرنسية…
هذا الهجوم الذي تعرض له المركز الثقافي الكردي يعكس السياسة اليمينة العنصرية التي باتت تترسخ في السنوات الأخيرة، بين النخبة الحاكمة في فرنسا، وفي وسائل إعلامها، وفي الخطاب السياسي لدى العديد من الأحزاب والفاعلين الجمعويين الفرنسيين، فالكثيرون منهم لا يترددون في إلقاء اللائمة عن تبعات وتجليات الأزمة الاقتصادية الفرنسية الخانقة على كاهل المهاجرين الموجودين في فرنسا.
فالضائقة المالية، والتضخم، والبطالة، وانتشار الفقر، وتعاطي المخدرات في صفوف الشباب، وتدني القدرة الشرائية لدى الفرنسيين بسبب غلاء المعيشة، الناجم عن ارتفاع الأسعار، والإضرابات المُستعرة… كل هذه المآسي التي يتخبط فيها الفرنسيون، نتيجة للسياسة المالية الفرنسية الرسمية المنتهجة منذ عقود، يراد لها، من طرف الدعاية العنصرية المستفحلة، أن تُختزل وتتركز في وجود المهاجرين في فرنسا، فلولاهم، وفقا للدعاية إياها، لما كان لهذه الظواهر السلبية أن تتفاقم إلى هذا الحد المخيف بين الفرنسيين….
المشاكل التي عجزت النخبة الفرنسية عن إيجاد الحلول المناسبة لها، تُلْقِي بفشلها في حلِّها، على الجالية الأجنبية، وبذلك يقع التحريض ضد هذه الجالية، ويحصل الاعتداء المفضي إلى القتل، على أفرادها، ولا يهمُّ إدانة ماكرون أو وزير داخليته، أو بعض التصريحات من هنا وهناك، لما وقع من هجوم على المركز الثقافي الكردي، فما حدث هو نتيجة لتحريض كانت تسهر عليه، الطبقة الحاكمة في فرنسا، بيمينها ويسارها، بالحاكمين والمعارضين فيها، فكلهم في مجملهم، باتوا يتبنون خطابا لا يختلف إلا في الشكل، وفي بعض المصطلحات، أما في الجوهر، فإنه خطابٌ واحد، يُحمِّلُ المهاجرين، على اختلاف انتماءاتهم العرقية، والمذهبية، والوطنية، المسؤولية عن الأزمات التي تتخبط فيها فرنسا…
لم يعد الحاكمون في فرنسا يميزون بين الأعراق المقيمة لديهم، ولم يعودوا يصبون جام غضبهم على العرب خصوصا، كما كانوا يفعلون في السابق، فيبدو أن حتى الكرد الذين كان البعض منهم، إلى عهدٍ قريب، يظنون أن لهم حظوةً لدى الأوروبيين، وأنهم يفضلونهم عن العرب، ويقربونهم منهم، ها هم اليوم يتعرضون بدورهم للقتل في قلب باريس العاصمة الفرنسية، وها هم يُمنعون من حقهم في التظاهر، وها هم يقصفون بالقنابل المسيلة للدموع، ويعاملون شرَّ معاملة.
العُنصريُّ اليميني الذي أطلق الرصاص على المركز الثقافي الكردي، لم يميز إن كان هذا المركز عربيا، أو كرديا، أو أمازيغيا، أو آشوريا، أو سريانيا، لقد أطلق الرصاص على الذين كانوا يرتادونه لأنهم أجانب وكفي. الكرد، بالنسبة له، ليسوا فرنسيين، وليسوا غربيين، وهم بذلك، يستحقون الرمي بالرصاص، ولذلك بادر إلى إطلاق الرصاص عليهم ليقتل منهم ثلاثة مواطنين أبرياء لا ذنب لهم، إلا كونهم كردا، ساقتهم ظروفهم للعمل في فرنسا، كما يعمل الفرنسيون في مناطق متفرقة من بلداننا العربية والأمازيغية والكردية، دون التعرض لأي أذى من طرف ساكنتها.
يقودنا هذا الحادث إلى استنتاج أن الغرب حين يتظاهر بتودُّدِهِ نحو بعض المكونات الهوياتية الموجودة في العالم العربي، ويسعى لاستمالتها نحوه، فإنه لا يقوم بذلك بدافع حبٍّ حقيقي لديه تجاهها، إنه يتودَّدُ لهذه المكونات بشكلٍ مصطنع ليفصلها عن محيطها العربي الذي تعيش فيه لقرون عدة، وأن يجعل منها خنجرا مسموما يطعن به ذلك المحيط، ويتحكم فيه بواسطتها، وأنه يريد لها أن تؤدي هذا الدور فحسب، وحين يهاجر البعض من أفرادها إلى الغرب، فإن هذا الغرب لا يميز بين المقيمين الأجانب لديه، مهما كانت أصولهم العرقية، إنهم في نظره، كلهم أجانب، وهم، بالنسبة إليه مصدر مشاكل، أو هكذا تصورهم الميديا الغربية…
يريد الغرب أن تكون العلاقة بين الإنسان الكردي، أو الأمازيغي، أو السرياني من جهة، والإنسان العربي من جهة أخرى، مطبوعة دائما بطابع الشك، والاحتراز، والاحتكاك، والصراع، لكي يتقدم الغرب في هيئة المنقذ أو الوسيط ويقدم عروضه التصالحية بين الطرفين، هذه العروض التي تسعى لأن تتحول في العمق إلى نوعٍ من الوصاية على المنطقة، وصاية لا تقبل أن يقع التخلي عنها وتجاوزها…
وإذا حدث ووقع تجاوز تلك الوصاية، كما جرى للكرد حين نظموا استفتاء وأعلنوا، بموجبه، عن استقلالهم في شمال العراق، فإن الغرب تخلى عنهم، وتركهم لمصيرهم في مواجهة العراق، وإيران، وتركيا، وحتى في تواجد الكرد بالديار الغربية، فإنهم يعاملون، وفقا لمجريات هذا الحادث الذي بين أيدينا، كما يعامل العرب تماما، لا فرق بينهم، فكلهم أجانب وقادمون من هذا المشرق، الذي يعتبره الغرب مصدرا للتخلف، وللتطرف، وللعنف، وللإرهاب، ومنبع الأزمات الاقتصادية الغربية…
الكردي أو الأمازيغي أو العربي الجيد، في نظر الغرب، هو ذلك المقيم في بلده، والذي ينصاع للسياسة الغربية وينفذها بحذافيرها، حتى إن كانت تتعارض مع مصالحه، ومع قيمه، ومبادئه، أما إذا كان الكردي، أو الأمازيغي، أو العربي يريد أن يكون حرا، ومستقلا، ومتمتعا بسيادته، وثروات بلده، ويوظفها لتحقيق تنمية وتقدمه، ولا يفرط فيها لغيره، فإنه يصبح في نظر الغرب، إنسانا غير صالح، ويتعين شن الحملات الإعلامية ضده، والعمل من أجل الإجهاز عليه، وإذا كان الكردي، أو الأمازيغي، أو العربي، مهاجرا، فإن النظرة إليه، تظل نظرة لا تمييز فيها بين هؤلاء الأجناس البشرية، فكلهم ليسوا غربيين، وكلهم مواضيع للاتهام، وللتمييز وللعنصرية، ويعانون من نفس الممارسات العدوانية….
الرهان على الغرب لتحقيق مكاسب فئوية أو عرقية أو مذهبية، على حساب وحدة الوطن، رهانٌ خاسرٌ، فالغرب يأخذ ولا يعطي، وهو يعمل من أجل تشغيل الغير لتحقيق مصالحه الخاصة، سواء كان هذا الغير، عربا، أو أمازيغا، أو كردا، إنه يريد خلق التناقضات ليلعب عليها، مُوهِمًا كل طرفٍ بأنه معه وإلى جانبه. كل المغريات الغربية التي يتمُّ التلويح بها، يكون القصدُ منها، إسقاطُ الطامعين فيها، في مصائد لا فكاك لهم منها. وإذا وُجدت مشاكل أو خلافات في وجهات النظر بين المكونات الهوياتية في أي بلد من العالم العربي، فإن الغرب لا يريد لهذه المشاكل أن تُحلَّ، ولا يبادرُ لحلِّها، إنه يفضِّلُ أن تظل المشاكل والخلافات قائمة، ويسعى لتجذيرها، لكي يتاجر بواسطتها فينا…
فمتى يدرك أبناء هذه المنطقة، أننا كلنا في الهمِّ شرقُ، وأن مصلحتنا تكمن في تذويب خلافاتنا، والبحث، بالحوار الهادئ والمنتج، عن المشترك بيننا، لتحقيق توافقنا، واتحادنا، ووحدتنا، وتلاحمنا، كمواطنين متساويين في الحقوق، وفي الواجبات، بعيدا عن مناورات الغرب الذي يسعى للتلاعب بنا، قصد فرض سيطرته علينا، للاستمرار في نهب ثرواتنا، أو تدميرنا؟؟؟