“منتدى النقب 2” وأصلُ الخلاف بين المغرب والجزائر
عبد السلام بنعيسي
احتضنت أبو ظبي على مدى ثلاثة أيام، أشغال الاجتماع التحضيري لمنتدى “النقب 2″، بمشاركة وفود تمثل دول المغرب، ومصر، والإمارات، والبحرين، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، المنتدى المزمع عقده في مدينة الداخلة بالمغرب بداية شهر مارس القادم، ويأتي عقد هذا المنتدى عقب تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة في الكيان الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو، وعقب الاقتحامات التي اقترفها وزير الأمن القومي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى، وفي ظل تصاعد جرائم القتل والإعدامات الميدانية الجماعية التي يقترفها الجيش الصهيوني وعصابات المستوطنين ضد أبناء الشعب الفلسطيني، مع ما يرافقها من هدم للمنازل، واستيلاء على الأراضي وتجريف لها، واعتداءات سافرة ومتكررة على الأسرى الفلسطينيين…
لاشك في أن عقد هذا المنتدى مرفوض، جملة وتفصيلا، من طرف الجماهير العربية، وهي تستنكر عقده وتدين المشاركين فيه، ولا تقبل أي مبرر أو عذرٍ منهم لعقده، فاستطلاعات الرأي العام التي تم إجراؤها مؤخرا، أبانت على أن الجماهير العربية، وفي مقدمتها الجماهير المغربية، ترفض في أغلبيتها الساحقة، التطبيع وتناهضه، كما أن مونديال قطر لكرة القدم أكد للعالم أجمع أن الجمهور العربي لا يزال يقاطع الكيان الصهيوني، ويرى فيه عدوا للأمة العربية، و النقيض الكلي لتضامنها، ووحدتها، ونهضتها…
وإذا كان هذا المنتدى سيعقد في المغرب، رغما عن إرادة الرأي العام العربي، فإن من المفروض أن تتقدم جهة عربية رسمية ما لتعبر عن موقف هذا الرأي العام، وتعكس تطلعاته الرافضة للمنتدى، والجهة الرسمية المؤهلة لأداء هذه المهمة هي الشقيقة الجزائر، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق، هو، كيف ستتعامل الدولة الجزائرية التي تصنف نفسها دولةَ مقاومةٍ وممانعة وثورة، مع عقد هذا المنتدى على حدودها؟ هل ستتخذ سلسلة من التدابير والإجراءات لمواجهته؟ هل ستعبر عن قلقها من عقده، وتكشف عن هذا القلق وتبلِّغُهُ للمشاركين في هذا المنتدى؟
لا تتوقف الدولة الجزائرية عن الترديد في إعلامها أنها تشعر بأن التقارب المغربي مع الكيان الصهيوني يشكل خطرا داهما على أمنها واستقرارها، ومجيء كل من مصر، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، إلى جوارها في المغرب، والمشاركة في منتدى النقب 2 مع الكيان الصهيوني وأمريكا، من المؤكد أنه يشكل تحديا لها، فعقد المنتدى في الداخلة، يعني عمليا إسنادُ الرباط في مساعيها الرامية إلى تطويق الجزائر، كما يروج لذلك الإعلام الجزائري…
فهل ستسعى الدبلوماسية الجزائرية إلى إقناع القاهرة، وأبو ظبي، والمنامة بعدم حضور أشغال هذا المنتدى؟ لماذا لا تتحرك الجزائر في هذا الاتجاه وتكثف اتصالاتها مع عواصم هذه البلدان العربية وتدعوها لعدم حضور أشغال هذا المنتدى؟ لماذا لا تعمل على إقناعها بالخطر الذي يُشكله الوجود الصهيوني في منتدى في المغرب قرب حدودها؟ لماذا لا تضغط الجزائر على هذه الدول العربية وتستحثها على عدم المشاركة في منتدى النقب 2، ما دام أن الحاضر فيه سيكون الكيان الصهيوني الذي تعتبره الجزائر عدوا لها، ويعمل من أجل الكيد لها والإضرار بمصالحها؟؟؟
الجزائر دولة ذات دور محوري في المنطقة المغاربية والعربية، كما يقول إعلامها، ويفترض أن كلمتها مسموعة، كما أن لها علاقات جيدة مع الإمارات، ومع مصر، فلماذا لا تتفضل الدبلوماسية الجزائرية بإعداد ملف كامل يتضمن المخاطر التي يشكلها الوجود الصهيوني في المغرب على الأمن القومي الجزائري، وتقدم هذا الملف للقاهرة وأبو ظبي، وتعمل على استقطابهما لجانبها، وعزل المغرب؟؟؟ مهما كانت الحيثيات التي قد تستند إليها الجزائر في عدم سعيها لإقناع الإمارات ومصر بموقفها من المنتدى المذكور ومن التطبيع، فإن ذات الحيثيات يتعين عليها استحضارها في تعاطيها مع الرباط بخصوص ملفي المنتدى والتطبيع، والموضوعية تقتضي منها أن تتعامل مع جارها المغرب نفس المعاملة التي تخص بها مصر والإمارات والبحرين والأردن والسودان، وهي دول عربية مطبعة كما هو معلوم مع دولة الاحتلال.
الاستناد إلى القول إن وزيرا صهيونيا هدّد الجزائر من المغرب، لتسويغ التشدد الجزائري تجاه المغرب، ليس إلا مبررا غير مقنع لكل متابع للأحداث ومتمحصٍ لها، الملك محمد السادس طمأن، في خطاب رسمي له، الجزائريين بأن المغرب لن يكون إطلاقا مصدرا لأي تهديد من أرضه صوب الجزائر، ويعلم الجميع أن المغرب بلد مسالم، وهو في موقف المدافع عن وحدته الترابية، وليس في موقف المهاجم، والمغرب يدرك أن أي اعتداء صهيوني انطلاقا من أرضه، على الجزائر، كيفما كان نوع هذا الاعتداء، فإنه سيشكل صاعقا لتفجير حرب مدمرة بين الدولتين الجارتين، وهذا ما لن يسمح المغرب بوقوعه…
التشدد الجزائري مع المغرب المتجسد في قطع العلاقات وإغلاق الحدود والأجواء معه، ووقف تدفق الغاز من الأنبوب العابر لترابه نحو إسبانيا، ليس بسبب التطبيع، أصلُ الخلاف ومنتهاه بين الدولتين، هو الأقاليم الصحراوية المغربية التي تريد الجزائر نزعها من المغرب لإنشاء كيان تابع لها فيها، ولقد تفاقم النزاع بعد واقعة معبر الكركرات، حيث طردت القوات المسلحة المغربية ميليشيات البوليزاريو من ذلك المعبر، وأضحى الطريق سالكا بين المغرب وموريتانيا، فاحتدم الصراع وتأزم، ولو قبل المغرب الرضوخ لهذا المخطط، والتخلي عن صحرائه، لبات تطبيعه مع الكيان الصهيوني، بالنسبة للجزائر، قرارا سياديا ولا دخل لها فيه، ولكان تعاملها مع تطبيعه، كتعاملها مع تطبيع الدول العربية الأخرى التي طبّعت قبل المغرب، دون أن تتأثر علاقات الجزائر بها جراء التطبيع قيد أنملة…
كان الله في عون الشعب الفلسطيني، فقضيته باتت مجالا للاستغلال من طرف معظم أركان النظام الرسمي العربي، كلٌّ يتاجر بها لحسابه الخاص، ولذلك صار هذا الشعب يترفع عن التهاتر والتراشق مع الأنظمة العربية الحاكمة حول التطبيع، وحول المنتديات، وقرارات المؤتمرات، والمفاوضات، وغسل يديه من تلكم الأنظمة، وامتلك زمام المبادرة بنفسه، وانخرط في المقاومة الميدانية للمشروع الصهيوني، وها هو يقارعه ببسالة منقطعة النظير في غزة، والقدس، وجنين، ونابلس، وبلاطة، وفي كامل الجغرافية الفلسطينية، يقارعه مسنودا بهذا التعاطف الشعبي الكاسح، عربيا وإسلاميا، ومن جميع أحرار العالم، مع مقاومته المظفرة، من أجل انتزاع حقوقه المشروعة من مغتصبيها الصهاينة، دون انتظار أي شيء، من منتدى النقب 1 و2 و3 و4 و5 و…