أشيل ميمبي* وحقل الفلسفة إفريقيا
باريس- المعطي قبال
أشيل ميمبي* وحقل الفلسفة إفريقيا. ما يميز غالبية المفكرين الأفارقة المحدثين هي تعددية اختصاصهم. تجد مفكرا يجمع بين التكوين التاريخي والفلسفي، بين الفلسفي والأنثروبولوجي أو الإثنولوجي، بين الفلسفي والأدبي. طبعا، هذا التقليد ليس وقفا على المفكرين الأفارقة، بل يتعداه ليشمل مفكري وفلاسفة مجتمعات أخرى. والأقرب منا هم المفكرون النقديون الفرنسيون من أمثال ميشال فوكو، كلود ليفي ستروس، جاك ديريدا، جان فرانسوا بايار الخ… الذين يجمعون ويؤلفون بين التخصص التاريخي، الفلسفي، الأدبي وفي تكامل هذه الفروع تنبثق المعرفة المركبة التي تنزاح بعيدا عن المركز لمساءلة ضواحي الفكر وهوامشه.
وقد فتح الفلاسفة الأفارقة وعلى رأسهم أليكسيس كاجامي، كوامي جايكي، كواسي ويريدو ، باري هيلين وجون أولوبي سوديبو، فتحوا مع هؤلاء المفكرين نقاشا نقديا طرحت خلاله بدائل للإبيستيمي الغربية. أشيل ميمبي هو اليوم أحد الفلاسفة المرجعيين في مجال الفكر النقدي التعددي وليس المزدوج فحسب. نقد النظام الغربي ما بعد الاستعماري، نقد المنظومة الفكرية الإفريقية، نقد العولمة وما بعد العولمة. لذا فإن حقول تدخلاته شاسعة ومتباينة يقاربها بأساليب منهجية تنهل من الأنثروبولوجيا، علوم السياسة وتاريخ إفريقيا. وقد أتاح نتاجه الذي يفوق عشرات الكتب الأساسية طرح السؤال، من بين أسئلة أخرى: أي فلسفة ل وفي إفريقيا؟ في الجامعات الأوروبية والأمريكية التي درس بها أشيل ميمبي، أوضح في كل مرة بأن الفلسفة ليست وقفا على الإغريق، على الغرب اللاتيني، على العرب، ثم لاحقا على الغرب، بل هي مراس إفريقي أيضا. ولم يفكر الغرب إلا ناذرا في هذا الانتماء، بل طمسه تحت مفعول سيادة العقل معتبرا إفريقيا صفحة بيضاء لا زالت في طور التوحش والبربرية. ما قام به ميمبي هو إعادة المكبوت إلى السطح مع تبيان أن الغرب نسي أو تناسى عمدا إدراج وإدماج إفريقيا في المنظومة الفلسفية.
أحد الأفكار الفلسفية الأساسية التي ركز عليها ميمبي تحاليله هي فكرة الاختلاف كوسيلة من وسائل الإفلات من نكران الذات التي غالبا ما تفرضها العولمة الكولونيالية. كما دافع عن فكرة أن الديمقراطيات يجب أن توفر التنقل والحركية تبعا لمبدأ «أخلاق عابر السبيل». تقوم هذه الأخلاق على فكرة ان حركة العبور والإقامة بشكل حر يجب أن تكون شرطا ضروريا في تقاسم العالم. يدافع ميمبي على فكرة أن الأزمات الإنسانية سببها من بين أسباب أخرى، التوزيع غير العادل لحركية البشر وبأن هذه الأخيرة تعتبر فرصة الحياة الوحيدة بالنسبة للعديد من الأشخاص. وأن الحدود هي الخطوط الفاصلة والمنتجة للخوف. هذا الخوف هو العامل المحفز لرغبة الميز العنصري والخوف من اجتياح الأجنبي». الفلسفة إفريقيا، الفكر النقدي، النظام الكولونيالي وما بعد الكولونيالي، الاختلاف، العلوم الاجتماعية ورهانات الووكيزم، ( الدعوة إلى اليقظة حيال المد العنصري المنهجي الذي يطال السود)، هي القضايا التي خاض فيها ميمبي صراع الحجج والافكار وبشكل نضالي متزن ومسؤول.
بعد يومين من استقبال الرئيس ماكرون في 11 من يوليوز 2019 لأزيد من 300 ممثل للدياسبورا الإفريقية بقصر الإيليزي، ندد اشيل مامبي بما اعتبره تملصا من خوض النقاش مع مثقفين أفارقة منتقدين، لأن هؤلاء يمكنهم طرح أسئلة محرجة ومواجهة الرئيس بحجج لا يمكنه أن يجيب عنها. يمكنهم علنا فضح الركائز الثلاث التي تقوم عليها السياسة الفرنسية: النزعة العسكرية، الميركانتيلية والأبوية المغلفة بالعنصرية. شدد اشيل ميمبي بأن هذا الاستقبال الرسمي يطمس المعضلات الحقيقية وعلى رأسها «فضيحة الاستعمار الجديد».
* سيحاضر أشيل ميمبي بمراكش في إطار تظاهرة «إفريقيا بكل الحروف».
Visited 6 times, 1 visit(s) today