في الذّكرىَ الستّين لرحيل أسد الرّيف الزّعيم محمّد عبد الكريم الخطّابي

في الذّكرىَ الستّين لرحيل أسد الرّيف الزّعيم محمّد عبد الكريم الخطّابي

د. محمّد محمّد الخطّابي  

   بمناسبة إحياء الذكرى الستّين لرحيل أسد الريف الزّعيم البطل المغوار، المشمول برحمة الله، محمّد عبد الكريم الخطابي، حيث كان قد انتقل إلى الرّفيق الأعلى فى السادس من الشهر الجاري فبراير من عام 1963 بمدينة الألف مئذنة القاهرة. تغمّده الله تعالى بواسع رحمته، وأنزل عليه شآبيب رضوانه وغفرانه، وأسكنه فسيح فراديسه وجنانه، واستبشاراً، واستذكاراً ، واستغواراً، واستحضاراً لما قام به وأنجزه هذا الرّجل الشّهمُ، وحيد دهره، وفريد زمانه إلى جانب المجاهدين الصّناديد، والشّهداء الأبطال الآخرين رحمهم الله تعالى جميعاً بواسع رحمته، الذين أعطوا النّفسَ والنّفيسَ، من أجل صَوْن كرامتهم، وشهامتهم، والذّوذ عن شرفهم، ونخوتهم، خلال الملاحم البطولية الرّائعة الفريدة التي خاضها أجدادُنا الميامين ببسالة، وشهامة، وشجاعة منقطعة النّظير ضدّ المستعمِر الاسباني الغاشم، والتي سَمَتْ بالمغرب، وبالمغاربة الأحرار قاطبةً وبالرّيف الوريف إلى أعلى مراتب العزّة، وأسمى منازل السّؤدد والمجد، وبوّأت هذا البلد الأمين مغربنا الحبيب أرقى مقامات الرفعة ومنازل الخلود، فى مختلف بقاع وأصقاع المعمور. ففى مثل هذا اليوم، وفى مثل هذا التاريخ المشهود، طُوِيتْ صفحةٌ رائعة من صفحات تاريخ الحرب الرّيفيّة التحرّرية الماجدة، ولم تُطْوَ أصداؤها، ولم تُمْحَ مناقبها وأبعادُها، ولم تُنْسَ أمجادُها ومآثرها، التي ما انفكت الأجيال تتغنّى بها فى مختلف ربوع هذا البلد الأمين من أقصاه إلى أقصاه، و ما برح يذكّرنا هذا الحدث التاريخي العتيد تلقائيّاً وعفويّاً بالمعارك الكبرى الباسلة التي خاضها المجاهدون الصّناديد ضدّ المستعمِر الإسباني الغاشم، وفى طليعتها ذُرَّة البطولات، وذِرْوة الانتصارات، وأمّ المعارك فى تاريخ المغرب المعاصر المجيد وهي معركة ”أنوال” الخالدة  وبهذه المناسبة كذلك نتضرّع إلى المولىَ جلّ وَعَلاَ ليشملَ كافةَ مجاهدينا الأشاوسَ الأبرار، وشهداءَنا الميامينَ الأخيار  في أعالي شمال المغرب وأقاصي جنوبه وفى شرقه وغربه بواسع رحمته، و أن يُسكنهم اللّهُ تعالى جميعاً فسيحَ فراديسه وجنانه، وأن يُمطر عليهم شآبيبَ رحمته ورضوانه.

   وأذكر من بينهم فى هذا المقام (جدّنا الأبرّ من والدنا المُنعّم تغمّدهما اللهُ تعالى بواسع الرّحمات) المجاهد الصنديد “مُوحْ نَ سِّي أحمد الورياغلي الأجديري خطّابي” شهيد معركة أنوال الخالدة، إلى جانب العديد من الشّهداء الآخرين الأبرار الأبطال والميامين الأخيار فى يوم الأربعاء 21 من شهر يوليو 1921.

   وعلى الرّغم من شحط المزار، والنأي عن الديار، والبُعد عن الوطن الغالي الحبيب، تفتّقت القريحة ، وجاد العقلُ، وتدفّق القلبُ، وانتشتِ الرّوحُ، وتحرّك الوجدانُ، ونطق الِلسانُ، وفاض الجَنانُ، وفار الجَلَمُ بهذه الإفصاحات التلقائية، والاجهاشات الاستكناهية، والمشاعر الاسترجاعية وبهذا الدّفق أو التداعي العفوي العميق، فأقول:

 أنوال.. أدواحُكِ الفيحاءُ دائمةُ النّضر

تَداعىَ بناءُ المجد بالكوكب الدرِّي/

ونورُ شموس اللّه غاب مع الظهرِ/

تَداعىَ حِمَى الإيمانِ والعَدلِ والهُدَى/

وقوّةُ بأسٍ دونها قوّة الذرِّ/

أبطالٌ بـ”أنوال” جاشت نفُوسُهم/

فأصبحوا نورَ التّرب والمسكَ للقبر/

فهامت عقولٌ كانت بالأمس رشدَها/

وزاغتْ عيونٌ دمعُها لجّةُ البّحر/

أشاوسُ طابت لكم الشّهادةُ والعُلَى/

واسمُكمْ على كلِّ لسانٍ به يَسْرىِ/

لقد هبّ المغاربة عن بكرة أبيهمُ/

وحلّت على الأعداء قاصِمَةُ الظّهرِ/

وَكَالطّيرِ مقصوصِ الجناحيْن فإرْتَمَى/

على الصّخرِ منهوكاً تحطّم بالكسرِ/

كأنّ لدَى استشهادكُمْ يا نخوةَ أَرْضِنَا/

جُسُومٌ بلا رأسٍ أيادٍ على البَّتر/

أبناءُ الأماجدِ والأفاضلِ والحِجَى/

أحفادُ المَكَارِم والميامين والفخرِ/

كلّ المداشرِ والعشائرِ تزدهي/

ببسالتكم دَوْماً من نَصْرٍ إلى نصر/

فخرَ الأمازيغ والصّناديد والنُّهَى/

مجدَ المعالي والنّدَى وغُرّة الدّهرِ/

أساسُ جِهادُكمْ فرقانٌ وشهادةٌ/

وذِكْرُكُمُ للّه فى السرِّ وفى الجَّهْر/

شجاعتكمْ فى القلوب لنا تميمةٌ/

وحبّكم فاضَ من حيثُ أدْرِى وَلاَ أدْرِى/

هذا “أَجْديرُ” قد ألقى إليكمْ بسَمْعِه/

وذِكْركم فى كلّ رياضٍ به يَجري/

من العُجْب أنْ يُرَوَّعَ الرُّومِيُّ ويَنْثني/

***

تحت أَقْدَامِكُم وإِقْدَامِكُم سَاعَةَ الظّفرِ/

طلائعُ النّور ترنو إليكمْ بقلبها/

وذكراكمُ فى كلِّ نفسٍ عاطرةِ الذّكر/

حُشْدٌ على الحقِّ صُنَّاعُ المَجْد والفِدَا/

مع كلِّ طلعةِ شمسٍ أو قمَرٍ أو بَدْرِ/

أنوالُ يا مَعْقِلَ البطولات بأسرها/

أدواحُكِ الفيحاءُ دائمةُ النّضر/

______________

**- تحريراً فى 7 فبراير 2023 “حيّ المزمّة” (أجدير) – الحسيمة.

*** الرُّوميّ” أو ذَارُوميِ ، هو الاسمُ أو الصّفة أو النّعتُ الذي كان يطلقه أهلُ الرّيف على الإسبان، أو على الأجنبيّ بشكل عام، وواضحٌ أنّ هذا الإسم يعود لعهد الرّوم منذ وجود الإمبراطورية الرّومانية قبل الفتح الإسلامي بشمال إفريقيا، وجَمْعُه” إِيرُومِييّن”.

Visited 12 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. محمد محمد الخطابي

كاتب، وباحث، ومترجم من المغرب عضو الأكاديمية الاسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا