محمد زفزاف السينمائي الذي جاور هوليوود..!
عبد الرحيم التوراني
من الصدف الطريفة أن من نتحدث عنه كان اسمه خوان مورينو، نشأ وترعرع في زنقة دو فيرن، (زنقة الشاعر أحمد الجوماري، حاليا)، غير بعيد عن زنقة ليستيريل، الزنقة التي سكن في أحد بيوتها القديمة صديقنا الكاتب محمد زفزاف، وقد تم تغيير اسمها وأصبحت اليوم زنقة ابن منير، بحي المعاريف في مدينة الدار البيضاء.
لكن خوان مورينو غادر المغرب في نهاية الستينيات، أي في نفس الفترة التي قدم فيها محمد زفزاف (من مدينة سوق أربعاء الغرب ومدينة القنيطرة عبر العاصمة الرباط) إلى الدار البيضاء وحي المعاريف. ودع الشاب خوان عائلته والتحق بفرنسا، طالبا الحصول على جنسيتها عبر باب التجنيد العسكري. وهو ما سيناله ويفتح له بعدها باب ولوج المسرح والسينما على مصراعيه.
خوان مورينو إيريرا خيمينيز، هذا هو اسمه الأصلي بالكامل، من مواليد 30 يوليوز سنة 1948 في الدار البيضاء. من أبوين إسبانيين يتحدران من منطقة الأندلس، وصلا إلى المغرب إبان الحرب الأهلية الاسبانية، هاربين من بطش النظام الدكتاتوري للماريشال فرانكو.
اشتغل الوالد بمطبعة صغيرة كانت في ملكية يهودي مغربي يدعى سيمون بنسعيد. بينما امتهنت الوالدة الخياطة. واستقرت العائلة الأندلسية البسيطة في المعاريف، الحي الذي كان يعج بالجاليات الأجنبية، وخرج منه العديد من الشخصيات الفرنسية التي سطع نجمها في عالم الرياضة والمسرح والسينما والتلفزيون، وفي السياسة أيضا.
إنه الممثل العالمي جون رينو، واحد من أبرز الممثلين الفرنسيين النادرين الذين يشاركون في الإنتاجات السينمائية الهوليودية مع أكبر الممثلين الأمريكيين، مثل: كود دافنشي مع توم هانكس، رونين مع روبرت دي نيرو، مهمة مستحيلة مع توم كروز، جودزيلا مع ماثيو بروديريك…
لا أعرف ما إذا كان الراحل زفزاف تقاطع يوما في طريقه إلى مقهى “لابريس” مع الشاب العشريني جون رينو، أو شاهده في نفس البار الذي كانت ملكيته تعود لمهاجر إيطالي.
ومحمد زفزاف كان محبا للمسرح، وقد كتب نصوصا مسرحية، إذ مثلت فرقة سورية عمله المسرحي “بيت الرامود” (1969).
ورغم أنه كانت بحي المعاريف توجد أربع قاعات سينمائية متجاورة، فنادرا ما وجد زفزاف الوقت لولوج إحداها. لكني أتذكر أني رافقته إلى فندق الدار البيضاء لحضور حفل اختتام تصوير فيلم “دموع الندم” لصديقنا الشاعر بالعامية والمخرج السينمائي حسن المفتي (1981)، فيلم غنائي أدى بطولته المطرب محمد الحياني.
كما أن مقهى “لاكوميدي” الذي كان يقابله مبنى المسرح البلدي، كان من أحب الفضاءات إلى محمد زفزاف في سنواته الأولى بالدار البيضاء، وفيه كان يلتقي بالفنانين والممثلين.
وسيظهر محمد زفزاف في فيلم منعته الرقابة، وكان أول فيلم لشاب مغربي اسمه مصطفى الدرقاوي، درس بمعهد السينما في بولونيا، حمل الفيلم عنوان: “أحداث بلا دلالة”. ظهر الشاب زفزاف ابن الثلاثين، في الفيلم يدلي برأيه حول الفن السينمائي ودور السينما في بلدان العالم الثالث.
ومن بين السينمائيين الذين كانوا يزورون زفزاف في المعاريف، ويلتقون به في فضاءات “لا بريس” و”ماجيستيك”، أذكر شاعرا كان ينشر قصائده بمجلة “أقلام” المغربية، ويوقعها باسم: عبد القادر القطا، سينجز لاحقا، بعد سنوات، عدة أفلام معروفة، هو الصديق المخرج عبد القادر لقطع.
وأذكر أني صادفت مرة المخرج السينمائي حميد بنسعيد في بيت محمد زفزاف، يناقش معه فكرة تحويل روايته “قبور في الماء” إلى السينما، لكن حميد بنسعيد، الذي فاز فليمه القصير “طْوير الجنة” بجائزة أول مهرجان للفيلم المغربي في الرباط عام 1982، سيصاب بالجنون، إثر اكتشافه لخيانة زوجته الرومانية مع فنان تشكيلي مغربي ابن مدينته. وبالتالي ضاعت فرصة نقل زفزاف إلى السينما. بالرغم من أن أعمال محمد زفزاف الروائية، بحواراتها ونمطها الكلاسيكي تليق ترجمتها إلى لغة الفن السابع.
في شبابه كان زفزاف يمتلك شخصية سينمائية بامتياز، سواء بوسامته ولحيته ونظراته أو بأناقة مظهره ولباسه، قبل أن يتحول من هيبي إلى ناسك بوذي يعتمر الكوفية الفلسطينية.
<
p style=”text-align: justify;”> ربما فاتنا أن نتفرج على ممثل كبير من طينة جون رينو، لكن الأدب المغربي ربح القاص والروائي زفزاف، قامة إبداعية كبيرة...