في ذكرى “أحداث 3 مارس 1973” بالمغرب.. ثورة مجيدة موشومة بالسواد
محمد اكريران
إن جميع الأحرار والتقدميين والوطنيين والاتحاديين يستحضرون ذكريات أمجاد الثورات التي عرفها المغرب، خاصة التي وقعت في شهر مارس.
ففي 23 مارس 1965 انطلقت الشرارة الأولى لثورة الجماهير الشعبية من الدار البيضاء لتعم باقي المدن، لكن بما أنها لم تكن مدعمة بجناح عسكري ثوري مسلح لحمايتها والدفاع عنها والدفع بها نحو تحقيق مقاصدها، فقد تم وأدها قبل نضجها واتخاذها المجرى الثوري الجذري الساعي لتغيير السياسي الحاكم…
وفي 3 مارس 1973 انطلقت الشرارة الأولى للثورة بخنيفرة، من طرف حركة ثورية مسلحة، لكنها كانت معزولة ومجردة من الطاقة الجماهرية الشعبية، التي لم يتبين لها بصورة جلية ومقنعة صحة السبيل الثوري المسلح لكي تسانده، خاصة وأن المكلفين بالقطاع النقابي والطلابي واللجن الموازية للحزب الاتحادي لم يشتغلوا بما فيه الكفاية، من حيث التأطير والتوعية والتعبئة، للدفع إلى الانتفاض وإسناد الثورة المسلحة، لأن عدم كفاية الوعي والتنظيم لدى الجماهير الشعبية جعلها لا تثق الثقة الواعية لكي تقبل على دعم الثورة المسلحة وحمايتها، كما أنه لم يتم استغلال الاستياء والسخط والحقد في قطاع الجيش بعد الانقلاب الفاشل، فبقيت هذه الثورة دون جدوى، لكن احتفظ التاريخ بمجدها وبما تعرضت له من غدر موشوم بالأسود.
فإلى أرواح شهداء هذه الثورات التبجيل والتكبير، ولضحاياها من الأحياء كل الاحترام والتقدير.
* ما هو السياق العام والخاص الذي سادت فيه هذه الثورة المسلحة سنة 1973؟
* كيف تم التحضير لهذا الحدث الثوري المسلح الذي انطلقت شرارته الأولى من بخنيفرة يوم 3 مارس 1973؟
* أين مكمن الأخطاء والنواقص التي أدت إلى وأد هذه الثورة منذ بداية انطلاقتها؟
* ماهي نتائج وعواقب هذه الثورة؟
أولا فيما يخص العوامل الموضوعية والذاتية التي احتضنت ثورة 3 مارس 1973
1- السياق الوطني والحزبي الذي تمخضت عنه فكرة الثورة المسلحة
سيتم في المؤتمر الثاني لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية توجيه النقد إلى المكية ولحزب الاستقلال المشارك في الحكومة، كما تم انتقاد الرأسمالية والإقطاعية… فاقترح المؤتمر الخيار الاشتراكي الثوري لإقامه نظام سياسي اقتصادي ديموقراطي حقيقي: وقامت صحيفة الحزب بنشر مقالات تنتقد الحكم السياسي القائم، لكونه يريد فرض دستور ممنوح، يحتفظ فيه النظام الحاكم بجميع السلطات والمصالح، وتجندت الصحيفة للتحريض التصويت على الدستور بـ “لا”، فكان رد النظام السياسي الحاكم بالاعتداء على مطبعة جريدتي “الطليعة” و”التحرير”، وذلك بتجنيد أيادي الخفاء في تفجير قنبلة في المطبعة. وتبين للمعارضين للدستور ضرورة الفرار إلى خارج الوطن، لأنه بدأت حملة الاعتقالات في صفوف المعارضين، في إطار تهمة المؤامرة ضد النظام ومحاولة اغتيال الملك وتغيير الحكم. وكان من بين المتهمين الأساسيين الفقيه محمد البصري وعبد الرحمان اليوسفي ورفاقهما الذين تم تقديمهم للمحاكمة، التي تمت بالرباط ما بين 23 و25 نونبر 1963، فاضطر الحزب إلى التعبئة والتحريض لمقاطعة الانتخابات البلدية والقروية التي جرت يوم 28 يوليوز 1963.
وفي 1965 سيتم اختطاف المهدي بن بركة واغتياله بطريقة وحشية. وفي نفس السنة ستخرج الجماهير إلى الشارع للتعبير عن استيائها وسخطها ومدى إجحافها، فوقعت أحداث دموية، ونزل الجيش بثقله لاستثبات الأمن بالبلاد.
وفي 1967 سيعلن النظام المخزني حالة الاستثناء وحل المؤسسات الدستورية، وإنهاء حركة المقاومة وجيش التحرير، ومنعها من إتمام التحرير الشامل للتراب الوطني، فاضطر بعض رجال المقاومة والتحرير إلى الفرار إلى خارج الوطن، وتشنج الوضع السياسي بين النظام الملكي المخزني والأحزاب الوطنية. وبعد الانقلابين العسكريين، الأول في الصخيرات، والثاني بقيادة الجنرال محمد أوفقير، وإدانة المتهمين المتورطين بحكم الإعدام، ومحكمة مراكش 1971، ساد الاعتقاد لدى النظام المخزني بتورط بعض القياديين الاتحاديين في أحداث الانقلاب، فتوزعت مهام قيادة الحزب الاتحادي إلى:
أ * جناح الرباط: الذي أسس فيما بعد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، متخذا من السياسة استراتيجيته الأساسية، في حين اكتفى بالعمل المسلح كتكتيك فقط.
ب* جناح القيادة العسكرية: كتنظيم سري تحت مسؤولية وقيادة الفقيه البصري، بمعية سعيد بونعلات وعبد الرحمان اليوسفي، وهم المؤمنون بالعمل الثوري المسلح كرؤية استراتيجية للخط النضالي. أما العمل السياسي بالنسبة فيبقى كتكتيك، وقد استقى روح العنف السياسي الثوري من:
– المنتوج الإيديولوجي المتنوع الذي ساد آنذاك، مثل الاشتراكية الشعبوية، والماركسية الشيوعية الماوية، والتروتسكية، والماركسية اللينينية، والفكر القومي، خاصة البعثي.
– غليان الحقبة واحتقانها بالانقلابات والانتفاضات الشعبية المتنوعة، وحركات التحرير المتعددة والحاملة للسلاح باسم الشعب ضد الأنظمة السياسية القائمة على الانفراد بالحكم والقمع، محلية وأجنبية.
– الصراع حول الدولة الوطنية المطلوب تأسيسها بعد الاستعمار، إذ انبثق توجه وطني تحرري يطمح لإرساء دولة عصرية تستمد شرعيتها من الشعب، بقيادة مناضلين ضد الطغيان الاستعماري. (مجلة “زمان”، العدد 1- أكتوبر / نونبر – 2013، ص 21).
لقد تم استقطاب جيل من المناضلين الأحرار المؤمنين بعدم شرعية النظام الملكي بالمغرب، المقتنعين بالتضحية بحياتهم من أجل تحقيق دولة وطنية ذات نظام سياسي اقتصادي ثقافي إيديولوجي يسعى لتحقيق وحماية كرامة ورخاء وسعادة المواطنين.
وبدأ الحزب يتأطر تنظيما في خلايا قليلة العدد من العمال والطلبة المنضوين في فروع بلجيكا تحت إشراف الحسين المانوزي، وبألمانيا مع عمر زهرير، وبهولندا مع الحسين أخيش.
كما ساعدت أحداث 23 مارس 1965، والمحاكمات… في استقطاب بعض أعضاء المقاومة وجيش التحرير وبعض الطلبة والعمال، فتم تأسيس خلايا سرية داخل المغرب تحت إشراف ورعاية محمد الحبيب الفرقاني. (مجلة “زمان”، عدد 1 – شهادة ابراهيم أوشلح).
-2 فيما يخص الدعم اللوجيستيكي والإعلامي والمالي من خارج المغرب:
– في الجزائر سيقوم الهواري بومدين بالانقلاب على الرئيس أحمد ابن بلة، ويتم فتح الجسور بين المغرب والجزائر.
– أنشأت الجزائر صندوقا ماليا، وخصصت منه ميزانية مالية لدعم حركات التحرر الوطن ، ومنه قدمت دعما ماليا وسياسيا لمجموعة الفقيه البصري، وبنحمو المسفيوي، وطلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المقيمين بالجزائر.
– تم فتح معسكرات خارج المغرب لتدريب ثوار الجناح العسكري للاتحاد:
– معسكر الزبداني في سوريا، الذي استهدفه القصف الطيراني الإسرائيلي مرارا، بحكم تواجد الفلسطينيين به.
– مختم السواني في ليبيا ، كقاعدة أساسية للتكوين منذ1971.
– في العراق تم تدريب “الكوموندو الاتحادي “على الملاحة البحرية وعمليات الضفادع البشرية.
– واختار الليبيون بالتحالف مع المصريين دعم أية ثورة تهدف إلى إسقاط أي نظام ملكي في المنطقة، وذلك بالمال والعتاد والتدريب العسكري والضيافة.
– الحصول على المساعدات المالية من العراق، وليبيا، والجزائر زمن ما قبل بومدين.
– تأسيس إذاعة “صوت التحرير.. صوت الشعب” في ليبيا، والتي كان ابراهيم أوشلح مسؤولا عنها، بحيث تم توظيفها كوسيلة لفك الحصار عن حزب الاتحاد، بعدما تم سنة 1965 منع جريدة”التحرير ” الناطقة باسم الحزب.
– استلهم مناضلو الاتحاد الثوريون مجد الثورة الفرنسية والأدبيات الماركسية، والثورة الكوبية والتيار التقدمي في الثورة الفلسطينية، كما كانوا متأثرين بالناصرية، من دون أن يكونوا بعثيين أو قوميين.
ثانيا: ارتباط فشل ونهاية ثورة 3 مارس1973 بعدة أسباب يمكن رصد بعضها كما يلي:
1 – الاختراق الأمني بعملاء ومخبرين وخونة ساهموا في وأد الثورة:
– رغم وجود قطيعة سياسية بين المغرب والجزائر، إلا أنه ساد بينهما لتعاون أمني وتبادل المعلومات في الشأن الأمني للبلدين بحيث:
– كانت الأجهزة المخابراتية الجزائرية تحت تسييرقاصدي مرباح تمد أجهزة أحمد الدليمي المسؤول الأول على الداخلية في المغرب بكافة الأسرار الداخلية والخارجية للتنظيم الثوري المسلح الاتحادي، وقد ساعد على تطوير هذا التواصل الأمني كون قاصدي مرباح والدليمي سبق لهما أن تقاسما الحياة الدراسية على نفس الطاولة بسيدي قاسم/المغرب، لأنهما أصلا ترعرعا بهذه المدينة منذ نشأتهما.
وكان كذلك، عبد العزيز بوتفليقة المكلف بالدبلوماسية الخارجية الجزائرية مقربا من الرباط منذ 1958، بحكم أنه من وجدة/المغرب.
ولم تأخذ القيادة المركزية للثورة الاتحادية في حسبانها الاحتياط الأمني من هذا التعاون المعلوماتي الأمني بين المغرب والجزائر.
وقد راسلت المخابرات الأمنية المغربية، الأمن الجزائري بإخبارية سرية ورسمية، جعلت مدير الأمن الجزائري الكولونيل أحمد دراية الإقدام على اعتقال المقاول محمد بلفروخ المكلف بنقل الأسلحة والعتاد ما بين ليبيا ووهرانب الجزائر لفائدة الثوار المغاربة.
كما تمكنت المخابرات المغربية من دخول الجزائر واعتقال/اختطاف بعض القياديين الاتحاديين ،مثل المختار الجعواني وبعض اللاجئين، وتخديرهم ثم إدخالهم إلى المغرب، وفشلت في اغتيال البعض منهم.
– وتمكن كومندو تابع لجهاز”الكاب1″ من تفجير أعمدة جهاز البث الإذاعي لإذاعة “صوت التحرير.. صوت الشعب”، بعدما انزعج النظام المغربي من التحريض الذي تبثه هذه الاذاعة. (مجلة ” زمان”، عدد: 1 – شهادة ابراهيم أوشلح).
– سبق للنظام الملكي المغربي الاستفادة من النظام الفرانكاوي الاسباني، الذي ساعده فيما سبق من اعتقال مناضلين دخلوا لتنفيذ عملية ثورية في الريف انطلاقا من إسبانيا، وهذه الاستفادة جعلت المخابرات المغربية متمرسة في رصد وتتبع وتنفيذ عملياتها خارج الوطن اتجاه معارضي النظام الملكي المغربي.
– وبناء على حوار دار بين عمر دهكون وعمر الخطابي في السجن، قال عمر دهكون: “عندما تخرج من هنا، كن شاهدا على ما وقع، فمسؤولينا وقياديينا سيتحولون من الاعتقال الى الوزارات، وعلى الرفاق أن يفهموا أن العدو موجود داخلنا”.
والعدو في هذه الشهادة هم الوشاة والخونة اللذين تم بهم تفخيخ/تلغيم الثوار، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، (هذا فيما يخص أعضاء الثورة فقط):
– محمد الميد، الذي تحفظ في شأنه امبارك بودرقة، كما أن محمود بنونة اعتبر الاعتماد على الميد غير جدي.
– حدو امهرير، الذي أوشى للقوات الأمنية بمنزل عدي أوشان، الذي منح للثوار منزله كمخبئ للأسلحة (مخابئ تدغوست وأملاكو).
– الدركي الذي قدمه اللوزي لمجموعة بنونة ومن معه، دون العلم بكونه عميلا للسلطات المحلية متظاهرا بتعاطفه معهم وبإمكانه مساعدتهم، إلا أن النمري تمكن من اكتشافه فيما بعد، لكن فات الأوان، لأنه أطلع السلطات المخزنية على مخابئ أسلحة الثوار.
– خيانة البشير الفكيكي للتنظيم وإبلاغ السلطات بمجريات الحدث الثوري، مما سهل بالإيقاع بالمجموعة. (شهادة ابراهيم أوشلح- “زمان”، عدد: 1).
هؤلاء الخونة على مستوى القواعد، أما المستهدف في تصريح عمر دهكون فهم عناصر من رأس هرم الحزب.
– وفيما قبل نجح أحرضان”مول المكانة”في استدراج الفقيه البصري ومعرفة نواياه الحقيقية فيما يخططه للإطاحة بالنظام الملكي، وذلك عبر تسجيل هذه المعلومات بواسطة ساعة كانت في معصمه، وبلغ هذه بالمعلومات إلى الحسن الثاني. (شهادة ابراهيم أوشلح: مجلة “زمان”، عدد1).
2 – الاختلاف في تدبير وتوقيت العمل المسلح بالمغرب أثر سلبا على مسار الثورة منذ المشوار بحيث:
ناشدت قيادة الخارج الثوار بالتريث وعدم الإقبال على العمل المسلح في هذه الظرفية، تخوفا من غياب مناخ سياسي مناسب يمنح للثورة سند القوة والنجاعة والمصداقية.
في حين أكدت قيادة الداخل للثورة المتمثلة في مجموعة التيزينتي وأومدى… على مواصلة العمل المسلح بالمغرب، باعتبار كون الشروط في تقديرهم ناضجة للتحرك العسكري المسلح بالمغرب.
في حين كان التقدير لدى ابراهيم أوشلح وبنونة هو: أولا خلق بؤرة ثورية، ثم الأداة الثورية، ثم التنظيم الطلائعي لجلب تعاطف الشعب وربطه بالعمل المسلح، والتعويل على قواعد الحزب وأطره النقابية، وهذا هو عين العقل، وحسب تأكيد ابراهيم أوشلح، فإن محمود بنونة أثناء دخوله للمغرب كان فقط لغرض إعادة ترتيب التنظيم في الداخل وإعداد التحضيرات اللوجيستيكية وضبط شبكة التنسيق والتواصل، وما يؤكد غرض بنونة لهذه المهمة هو وفاة بنونة في “وضع دفاعي وليس في وضع هجومي” . (شهادة ابراهيم أوشلح لمجلة” زمان”- عدد: 1).
ورغم توصل قيادة الداخل بقرار القيادة الخارجية، الداعي لإيقاف العمل المسلح عن طريق محمد ساعة، لم تأخذ بهذا القرار والعمل به، فواصلت عملها المسلح، بعدما وزعت مهامها في أربع قواعد أساسية حضرية وقروية: (فيكيك، كلميمة، تينغير وخنيفرة)، ولم يراع هذا التقسيم درجات التفاوت في خبرة الثوار والتوزيع المتكافئ والمتوازن لأن:
– مجموعة ابراهيم التيزينتي ذات خبرة قتالية عالية.
– مجموعة متوسطة الخبرة لكون أفرادها تدربوا لمدة غير كافية ما بين1969 و1970 في معسكرات فلسطينية تحت قيادة منظمة الصاعقة، وفيها: فريكس ، المالكي، موح اوموح، القاضي وأيت عمي.
– مجموعة ذات خبر ميدانية فيها: الحسين التاغجيجي، أحمد بوشعكوك وسيدي حمو عبد العليم.
3- ضعف الدعم اللوجيستيكي بحيث:
أ-كانت وسائل النقل والشحن غير ملائمة وغير محسوبة بدقة في وظيفتها، لتمكين الثوار من الانتقال والعبور بأريحية وباحتياطات دقيقة، والأخذ بتكتيك الهجوم والتراجع والتغطية الاحتياطية والعمل على ربح الوقت للفرار نحو قلاع الانطلاق فقد حصل:
– خلل التنسيق الذي جعل الثوار بدل انتظار سيارة التنظيم المحلي في كلميمة، يبادرون إلى الانتقال عبر متن شاحنة مكشوفة رفقة تنظيم فيكيك، ثم حدث عطب ميكانيكي فغيروها بشاحنة أخرى.
– غياب الغطاء الأمني وتأمين الاستقرار في الأماكن المعزولة/المستورة، استعدادا لنقل الحرب بمرونة ونجاح.
– اختيار ممر واحد من الجزائر وهو خاضع للحراسة باستمرار، وهذا يمكن إثارة الانتباه لهم، كما أن الحدود تم إغلاقها.
ب- قلة السلاح والعتاد والتمويل بحيث تم توزيع:
– 10 رشاشات و120 طلقة من الرصاص لكل مجموعة من أربع مجموعات.
– كميات متوسطة من المتفجرات والقنابل بوزن قابل للحمل والاستعمال الفردي.
– مليون سنتم لكل مجموعة.
فبمجرد ما نفذت ذخيرة فريكس سقط أسيرا بسهولة القبض عليه، ونفاذ دخيرة أسكورف قام بالانتحار بشرب السم لكي لا يفشي بأسرار التنظيم.
ج-عدم العمل بمجموعات/فرق حمائية احتياطية انتظارية متناوبة، لأن الاعتماد على فرد واحد لتأمين فرار عناصر المجموعة غير كاف، بحيث بمجرد نفاذ ذخيرته القليلة واعتقاله سيؤدي إلى اعتقال المجموعة.
د- الانفصال بين المجموعات بمسافة كبيرة جدا مع غياب التواصل الدقيق والصحيح والسريع بينها، مما جعلها ترتبك وتتسرع في مبادرة الهجوم، وهذا ما وقع لمجموعة مولاي بوعزة بخنيفرة، التي قررت الهجوم بعدما صعب/تعذر الالتقاء بين جميع افرادها في نقطة التجمع المتفق عليه في الموعد المحدد، فتسرعوا في قتل أحد حراس المقاطعة/الملحقة الإدارية، وفر الحارس/المخزني الثاني الذي بلغ عنهم.
وكذلك التواصل الذي ساد بين القائدين الميدانيين بنونة والتيزينتي، ساده تشويش في التبليغ، فانعكس سلبا عليهما…
4- غياب السند الجماهيري الشعبي للثورة:
لم يتبين للجماهير الشعبية إبان أحداث 1973 بصورة جلية صحة السبيل الثوري، لكونها لم تكن معبئة من طرف القطاعات الموازية للحزب الاتحادي، بل كانت غير واعية بفوائد الثورة وأهميتها، ولذلك لم تساعد الثوار وتدعمهم بما يليق بنجاح الثورة، بل تمكن المخزن من تجييشها في عملية مطاردة الثوار.. (تحياحت)، فأصبحت ثورة 3 مارس 1973 “بلانكية” الطابع، نسبة إلى بلانكي الذي اعتقد بكون الثورة الاشتراكية تتوقف فقط على قيام مجموعة صغيرة نسبيا من الثوار المحترفين بدرجة عالية من التنظيم والسرية، وهذا ما انتقده إنجلز في فقرة قصيرة عن برنامج الهاربين البلانكيين؛ كما أن الثائر لفائدة مجتمع جبان وغير واعٍ، يشبه الشخص الذي يشعل النار في جسده لإضاءة الطريق لشخص أعمى (محمد رشيد رضا).
كما أن عقلاء ومثقفي الحزب الاتحادي لم يقدموا للحزب رؤيتهم فيما يخص ميزان القوى، ولصالح من في المجتمع والعمل به في التقدير لتحديد كيفية العمل به على إنجاح الثورة…
5 – الارتباك في التعامل مع ما آلت إليه الثورة وما تقتضيه من حسن التدبير للحيلولة دون فشلها:
أ- خارجيا: اختلفت القيادة في الخارج بين اليأس وبريق الأمل، إذ:
تراجع الفقيه البصري عن تحفظه في بداية التخطيط للثورة، وبدأ يتصل بالحلفاء العرب لجلب الدعم والمساندة السياسية، في حين انزوى عبد الرحيم بوعبيد في منأى عن الأنظار بعدما استقر في باريس.
وبعد استشارة عبد الرحمان اليوسفي، حرر محمد بنيحيى بلاغا باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، يتبنى فيه العمليات العسكرية، وبمجرد ما أذاعته إذاعة طرابلس، سارع الأمن المغربي بشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف الاتحاديين وغيرهم قبل اتخاذ احتياطاتهم…
ب- داخليا :حصل الارتباك والخلاف بين المجموعات المسلحة، بحيث، بمجرد اختفاء سيدي حمو رئيس مجموعة تينغير، حصل الارتباك لدى أفرادها وتعرضوا للمطاردة من قبل قوات الأمن النظامية، وازدادت الصدمة لديهم بمجرد تلقيهم خبر مقتل بنونة؛ أما مجموعة مولاي بوعزة/بخنيفرة فقد تسرعت بإطلاق الشرارة الأولى للثورة، ورغم حماسة مجموعة تاغجيجت (بوزيان) وبوشعكوك (العثماني) من أجل استئناف العمل المسلح، فإن مجموعة دحمان سعيد والجزار مع رئيس الخلية سوف يعارضون استمرار العمل المسلح…
ثالثا: سواد النتائج المترتبة عن فشل ثورة 3 مارس 1973 المسلحة:
أصبحت المدن التي سادتها الثورة كبؤرة سوداء في عقل النظام المغربي، فحاصرها أمنيا وفرض عليها المراقبة المشددة باستمرار عبر مداخلها ومخارجها، وتم استنفار الجيش والمخابرات بكثافة، وفرضت حالة الطوارئ، وعاش السكان تحت طائلة حالة الاستثناء لمدة سنوات عديدة، وخولت للمؤسسات الأمنية والمسؤولين عليها (الكولونيل ختوش بكلميمة، وأرزار بخنيفرة، والكوميسير قدور اليوسفي بالدار البيضاء، والكوميسير الحمياني بالرباط…) تدابير التفتيش والاستنطاقات بشكل مطلق وعشوائي، والاعتقالات في صفوف كل من شارك في الثورة والمتعاطفون معهم وأفراد عائلاتهم، بحيث تم اعتقال عدد كبير من الاتحاديين قيادة وقواعد…
وقام النظام المغربي بإعادة خريطة الهيكلة الأمنية والإدارية والسوسيو ديموغرافية للإقليم الذي سادته الثورة، كما تمت معاقبة من ثبت في حقه التقصير في الخدمة الأمنية.
وشرع النظام المخزني عملية الترخيص والإذن بالتنقل ، وذلك برخصة مختومة وموقعة من لدن الجهات الأمنية في حق المتابعين في سراح مؤقت، وفرض منع التجوال ليلا والاجتماعات وتبادل الزيارات…
وفي يوم26 يونيو1973 تم تقديم المعتقلين بمحاضر مطبوخة ومنجزة على مقاس ما ارتضاه النظام الحاكم، وذلك في محكمة القنيطرة، ووزعت الأحكام عليهم بين الإعدام والاعتقال.
وبعد التوقع بالسكتة القاتلة لنظام الحكم بالمغرب، سيبادر النظام الملكي إلى حبك سيناريو يقتضي:
– إصدار العفو في حق المغضوب عليهم والسماح لهم بالعودة إلى الوطن وممارسة أنشطتهم السياسية.
– إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة التي صالحت بين المخزن والثوار الذين تم تعويضهم عما تعرضوا له من المآسي، فحصل جبر الضرر الذي لحق بهم، وذلك بدرجات متفاوتة حسب مراتب وتموقع كل متضرر.
-تهييء الكل للمساهمة في التسليم السلس لنظام الحكم، وهذا ما تم فعلا بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني.
– عودة الدولة بالتدرج إلى نظام المؤسسات التي ستعين في إدارتها مجموعة من قياديي الاتحاد الاشتراكي…
للمزيد من الاطلاع على ما سبق بتفصيل يمكن الاستئناس بالعودة إلى المراجع التالية:
– أبطال بلا مجد، لصاحبه المهدي بنونة. – الثورة الموؤدة، لصاحبه محمد لومة. – ثورة لم تكتمل، لصاحبه محمد التوزاني. – مجلة “زمان”، العدد1:- حوار مع ابراهيم أوشلح.
– الموقع الالكتروني مرايانا، 29أبريل.2020/. – تقارير المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية. – نشرة “الاختيار الثوري”: العدد: 3 المنشور في مارس1976، والعدد 14 المنشور في مارس1977 .
<
p style=”text-align: left;”>نهاية تحرير المقال يوم 19 فبراير 2023، بخنيفرة