نظام الأغلبية في المغرب بين النص الدستوري والممارسة السياسية

نظام الأغلبية في المغرب بين النص الدستوري والممارسة السياسية

 جمال المحافظ

  “نظام الأغلبية في المغرب بين النص الدستوري والممارسة السياسية دراسة مقارنة تحليلية” عنوان الأطروحة تقدم بها الطالب الباحث محمد بنضو نهاية الأسبوع الماضي، لنيل شهادة الدكتوراه من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا التابعة  لجامعة محمد الخامس السويسي – الرباط.

وفي معرض تقديمه لخلاصات واستنتاجات عمله البحثي أمام لجنة المناقشة، أوضح محمد بنضو الإطار بمجلس النواب، أن القصد من هذه الأطروحة يتمثل في تحليل أسس ومقومات العمل “بنظام الأغلبية” في التجربة المغربية ومقارنته بشبيهه من تجارب الأمم المجاورة، وتفكيك عناصر هذا النظام وفهم وظائفه الأساسية في أفق الإجابة عن سؤال مركزي، حول ما إذا كان المسلك الذي اتخذه المغرب للانتقال إلى الديمقراطي مضمون النتائج.

كما لفت الانتباه إلى أنه لم يكن يهدف من اختيار موضوع  أطروحته، الاكتفاء باستعراض معلومات ومعارف سبق لآخرين قبله التطرق إليها، أو  مجرد تحقيق متعة استعراض آليات عمل الأغلبية، أو الكيفية التي تتحكم بها الأغلبية في القرار الحكومي والسياسي، أو البحث في فلسفة ومسوغات حكم الأغلبية وتحكمها، كما قد يفهم من القراءة الأولى للعنوان، على أهمية ذلك كما تناولته الدراسات الغربية، والذي استفاضت كتابات العديد من الآباء المؤسسين للفكر السياسي الحديث في شرحه وتأويله.

 وبعد ذلك تساءل هل هذا النظام الأغلبي،  “لا يعدو أن يكون واجهة تَعتمِد مجموعة من الآليات التي تعمل على تلميع صورة المغرب السياسي، ليبدو وكأنه قد أخذ بأسباب الانتقال إلى الديمقراطية التمثيلية دون أن يكون الأمر كذلك، على أرض الواقع”.

ولاحظ بنضو أنه إذا كان النظام الأغلبي في التجارب المقارنة، لا يؤدي إلى عرقلة العمل البرلماني بالشكل الذي عليه الأمر في التجربة المغربية، إلا فيما ندر، فإن النظام الأغلبي المعمول به في المغرب، في علاقته بالنظامين الانتخابي والحزبي المعمول بهما، قد تمكن من نقل مركز القوة من البرلمان كسلطة تشريعية من المفترض أن تُشرِّع وتُراقب العمل الحكومي وتُقيِّم السياسات العمومية، إلى السلطة التنفيذية التي صارت، تتحكم بشكل شبه كامل في أعمال البرلمان، لتستصدر التشريعات على هواها، وتَقبل بالمراقبة وبتقييم السياسات العمومية على مقاسها.

 واعتبر أن ذلك يعود إلى أن الأغلبية البرلمانية، ظلت تتماهى مع حكومتها وتنضبط لها بشكل آلي، منذ البدء بالعمل بدستور 2011. وخير دليل على ذلك العجز التام عن تقديم ملتمس رقابة طيلة العشر سنوات التي استغرقتها الولايتان التاسعة والعاشرة، رغم الهزات والارتباكات التي عرفتها الولاية العاشرة إزاء العديد من القضايا الشائكة، حيث ظلت الأغلبية منضبطة لحكومتها ولقيادات أحزابها، حتى على حساب العمل البرلماني وسيادة الأمة.

ويرى إن الطريقة التي بني بها النظام الأغلبي في المغرب، والذي جعل البرلماني رهينا بإرادة القيادة الحزبية وليس بإرادة فريقه البرلماني، مع أن هذه القيادة، في بعض الأحيان، قد لا تكون منتخبة في أي هيئة تمثيلية، تجعل (أي الطريقة) التمثيلية البرلمانية موضع مناقشة وتشكيك، إذ لم يعد البرلماني معبرا عن إرادة الناخبين ومن خلالهم إرادة الأمة وإنما صار معبرا عن القيادة الحزبية التي لا يمكن إلا أن تكون قيادة أوليغارشية في ظل النظام الانتخابي والحزبي، والنظام الأغلبي المتبنى في التجربة المغربية.

وبدعوى محاربة الترحال السياسي، فإن المعاقبة الدستورية والقانونية التي يتعرض لها كل من خالف رأي قيادة حزبه في تقديرها للعمل البرلماني، والتي قد تصل حد فقدان مقعده البرلماني، تجعل البرلمانيين منضبطين، مكرهين ومرغمين، لما يتم اتخاذه من قرارات ولو خارج المرجعيات الحزبية، كما سجل بنضو.

كما أن من شأن إغلاق المجال الانتخابي من خلال الاعتماد على تقنية “التزكية الحزبية لخوض الانتخابات التشريعية”، والتي لا تخضع في غالب الأحيان لمنطق مؤسساتي واضح، وأمام تعطيل آليات الطعن القضائي والداخلي، أن يقوي من مركز القيادة الحزبية، في مواجهة المنتخبين، وأن يقوي من آليات الانضباط الحزبية الممنوحة بقوة الممارسة السياسية والحزبية لقيادة فردية، وفي أحسن الأحوال لقيادة أوليغارشية.  

   ينضاف إلى ذلك العمل بنظام لائحة الاقتراع المغلقة والتي لا تبيح للناخب الاختيار من داخلها سواء بإعادة الترتيب أو بناء لائحة بديلة من داخل المرشحين، وهو ما يقوي من جهة أخرى من آلية تحكم القيادة الحزبية في رقاب البرلمانيين، على اعتبار أنها هي التي تقوم بترتيب لائحة الترشيح حسب إرادتها، لا إرادة الناخب. وبالتالي فإن المرشحين يظلون في حالة انقياد كاملة لهذه القيادة حتى بعد ظفرهم بالمقعد البرلماني، طمعا في معاودة الترشح.

وخلص الباحث الى القول إن من شأن وظائف هذه الأنظمة، النظام الأغلبي والنظام الانتخابي والنظام الحزبي، كما يبلورها النظام السياسي المغربي، “أن تعمل على تحنيط المجال السياسي، وإقفاله” في شكل هرمي ينضبط أسفله لأعلاه ودانيه لأقصاه، وفق علاقات ووظائف داخلية تبادلية للمصالح بين مختلف مكونات الحقل السياسي المغربي، حفظا للتوازنات السياسية كضمانة أساسية لاستمراريته في ظل الظرفية التاريخية والجغرافية القائمة.

وبعد المناقشة، منحت للباحث شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع توصية بالطبع من طرف لجنة المناقشة التي كانت تتألف من الأساتذة عبد المالك أحزرير  رئيسا ومقررا والمصطفى منار مشرفا وعضوية أحمد بودراع وعبد الحميد عدنان (مقررين) ونذير المومني.

Visited 48 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جمال المحافظ

باحث متخصص في شؤون الإعلام