لبنان على فوهة انفجار كبير.. وانتخابات الرئاسة السد المنيع
أحمد مطر
أن يمر قطوع التوقيت الصيفي ومن ثم إشكال جلسة اللجان المشتركة من دون أن يتطورا بشكل تصعيدي فهذا من حسن حظ البلد الذي تكفيه الأزمات المشتعلة، لكن في نظرة معمقة لما سجل مؤخرا يفيد أن ما جرى لا يمكن فصله عن حقيقة الاشتباك السياسي في البلاد بين مختلف المكونات. فتجاوز التصادم هذه المرة قد لا يسلم في المرة الثانية وقد تكون الحاجة ماسة إلى تجاوز صدامات مقبلة على خلفية ملفات متعددة. كل ذلك ودق صندوق النقد الدولي جرس الإنذار مرة جديدة، وجاء الجواب، إمعان في التشرذم والانقسامات وغياب أي أفق للحل المنشود واستمرار في التعطيل، والانحدار غير المسبوق للوضع العام، والاهم حالة الاحتقان السياسي التي تلف لبنان، جراء ازمة الفراغ بالرئاسة الاولى وكارثة الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي التي يواجهها اللبنانيون منذ سنوات، وما زالت آفاق ايجاد الحلول الناجعة لها مجهولة حتى اليوم.
وبينما كان اللبنانيون ينتظرون ظهور بصيص أمل، لمبادرة ما او خطوة شجاعة، تُفضي إلى حلحلة على صعيد الجمود بملف الانتخابات الرئاسية، وتبشر بقرب انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب، فوجئوا بهكذا قرار، لم تكن ردود الفعل السياسية من قبل البعض مؤيدة، بل رافضة لاسباب محض سياسية، وان كانت تلطت بالانعكاسات والنتائج السلبية للقرار على الحياة العامة والحركة الاقتصادية عموماً .
من الواضح تبدو مؤشرات التسوية على مستوى الاقليم وازنة اكثر من تلك الممهدة لاشتعال الحروب واعادة تسوية كل من ايران وسوريا اوضاعهما مع السعودية ووصول المفاوضات بين هذه الاطراف الى اعادة فتح السفارات بينها ما يعني ان المنطقة تتجه بهدوء نحو الخروج من الضوء الاحمر الذي كان مهيمناً على الخريطة العالمية للاحداث في الفترة الماضية .
فباريس ولما لها من تواصل واتصالات مع الجهات الدولية والاقليمية تحاول جاهدة كسر الجليد على الخط الرئاسي على الرغم من اعتراف الديبلوماسيين الفرنسيين الذين يمسكون الملف اللبناني ان عقبات كبيرة ومعقدة تحول حتى الساعة من التوصل إلى حل، وان تداعيات خارجية ترخي بظلالها عليه. ورأت انه عند انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة انقاذية، فمن الطبيعي ان ينتظم عمل المؤسسات في لبنان بشكل تدريجي، ويتم تنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية الضرورية لاستعادة البلاد .
يحاول فريق حزب الله الذي تبنى ترشيح فرنجية الإيحاء بتغيير قريب في الموقف السعودي من هذا الترشيح، لكن الوقائع تُسقط كل أحلام 8 آذار وآمالها برفع الفيتو السعودي عن ترشيح فرنجية. وفي السياق، كان كلام البخاري أكثر من واضح بعد انتهاء لقاء معراب، وهو الذي شدد على أن لبنان عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وحماية شعبه وإنقاذ هويته مرتبطان بالأمن القومي العربي والسلام الإقليمي والدولي .
من الواضح ان التواصل الفرنسي السعودي في الأسبوع الماضي، طوى صفحة فرنجية ــ سلام، وكرس مبدأ اعتماد المواصفات قبل الأسماء، وترك الباب مفتوحاً أمام مروحة مشاورات واسعة حول الوضع اللبناني، بعد دخول الاتفاق السعودي الإيراني حيز التنفيذ عملياً، والإعداد للقاء وزيري خارجية البلدين خلال شهر رمضان ، وبانتظار ظهور الدخان اللبناني الأبيض من اللقاءات الخارجية، تبقى ساحة الكباش مفتوحة أمام اللاعبين المحليين في فترة الوقت الضائع، دون أن يستطيع أي منهم حسم المعركة الرئاسية لصالحه وإن كان بعضهم يتلهى بجمع النقاط التي لا تسمن ولا تُغني من جوع .
بعد اتصال ماكرون ببن سلمان، لن يكون كما قبله، لا سيما أن الولايات المتحدة التي سلمت فرنسا الملف اللبناني، لم تقدّم شيكاً على بياض، وهي تحاذر التسويات الفرنسية التقليدية، التي غالباً ما يتبين بعدها، انها عبارة عن تسليم لإيران بمطالبها كاملة، وهذا غير مقبول بالنسبة للولايات المتحدة .
كما لن تكرر المملكة العربية السعودية سيناريو العام 2016، ولن تتردد في رفض أي تسوية على طريقة اتفاق الدوحة الذي تمّ الانقلاب عليه، وانتخاب ميشال عون الذي أنتج ما أنتج. ومع سقوط المحاولة الفرنسية لتسويق مبادرة حزب الله، بات يمكن القول إن الحزب قد يدخل في مرحلة المكابرة وإنكار الواقع أي التمسك بفرنجية، لكن ذلك لا يمكن أن يطول إلى ما لا نهاية، لأنّ تسارع الانهيار لن يوفر أحداً في الداخل، ولأن المسؤولية سيتحملها الحزب اذا رفض التسوية المعقولة التي ستطرح على الطاولة في وقت ليس ببعيد.
ختاماً تبرز في هذه الأيام الأخيرة دعوة خارجية ملحة إلى الإسراع في تحريك الملف الرئاسي خصوصاً مع تدحرج الانهيار المالي والنقدي والاجتماعي والخشية من ارتداد ذلك على الاستقرار الأمني من خلال إنفجار اجتماعي كبير، إضافة إلى أخطار النزوح وتداعياته غربياً.. على أن يكون هذا الخيار الرئاسي ملازماً لمرحلة انتقالية إصلاحية مالية واقتصادية في انتظار بلورة التحولات الاقليمية ومعرفة كيفية تطور التركيبة الحالية للنظام اللبناني حيث باتت هناك قناعة راسخة بضرورة إجراء اعادة نظر هادئة وعميقة ومتزنة وواقعية في الصيغة السياسية الحالية الفاشلة بهدف الوصول الى صيغة جديدة متطورة تضمن التعددية والإنماء المتوازن في إطار الوحدة وتؤمن ديمومة البلد وتطمئن شعبه وتستعيد ثقة الخارج به .