حالة النزوح السوري…. إلى متى؟

حالة النزوح السوري…. إلى متى؟

د. وفيق ريحان

    لقد عصفت في أرجاء الوطن العربي عاصفة الربيع العربي السوداء منذ أواسط العام 2010، مولدة الكوارث والأزمات في الوطن العربي، وما زالت تردداتها حتى اليوم، وكان للوطن العربي الآثار السلبية، من تلك العاصفة التي استمرت زهاء أحد عشر عاماً من الحروب المدمرة والأعمال الإرهابية المتنوعة والتي لم نشهد لها مثيلاً في التاريخ المعاصر، وكان من أبرز تجلياتها حالات الهجرة والنزوح الكثيفين والتي طالت قرابة نصف سكان سوريا الذين انتشروا في كل أصقاع الدنيا هرباً من الموت والدمار وصعوبة العيش، وكان للبنان حصته من النازحين الذين وجدوا فيه ملجأً آمناً لهم، قريباً جداً من وطنهم، وترحيباً واحتضاناً من الشعب اللبناني ونظامة الذي تربطه علاقات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة الإقليمية بهذا البلد الشقيق، وكان ذلك منذ العام 2011 وحتى اليوم.

وكانت البداية مع مليون ونصف مليون نازحاً سورياً في ذلك الوقت وريثما تهدأ الأوضاع الأمنية ويعود هؤلاء الى وطنهم في ظل ظروب آمنة ومستقرة. إلا أن آفاق الأزمات ما زالت مفتوحة حتى هذه الأيام.

موقف لبنان من النزوح السوري

    لقد استقبل لبنان موجات الهجرة المتتالية من سوريا خلال الأزمة، وكان الوضع الاقتصادي والمالي والإجتماعي أفضل حالاً من الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا، وحيث عمدت الوزارات المعنية في لبنان الى إتخاذ جميع الإجراءات اللازمة والممكنة للاستجابة الى حالات النزوح المتفاقمة مع تصاعد وتيرة الأحداث الأمنية في سوريا. وجهزت لهم المخيمات التي ضمت عشرات الآلاف من النازحين والعائلات السورية في عدد من المناطق اللبنانية، وصل عددها اليوم الى ما يفوق 480 نقطة تجمع، بإشراف وزارة الداخلية والبلديات والقوى الأمنية والعسكرية المختلفة، والمديرية العامة للأمن العام والأجهزة الأمنية، وبرعاية خاصة من وزارة الشؤون الإجتماعية التي أدخلت ضمن مهامها الأساسية مشروع الإستجابة للحالة السورية في لبنان، كما استجابت وزارة الصحة العامة بالإشراف والمتابعة، ووزارة التربية والتعليم العالي، حيث ضمت المدارس الرسمية على اختلاف مستوياتها مئات الآلاف من الطلاب السوريين، وأدرجت لهم برامج ومواقيت خاصة بهم لاستكمال دراستهم، وبإشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومساعدات منظمات الأمم المتحدة ذات الصلة بالتصدي للأزمات على هذا الصعيد، ووضعت لها المزيد من البرامج والخطط المرحلية والظرفية بإنتظار عودة النازحين إلى وطنهم. في ظل مناشدة جميع رؤساء الحكومات المتعاقبة للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لمساعدة لبنان على احتواء هذه الحالة الكارثية التي أرهقت إداراته العامة وخزينة الدولة والقوى الأمنية في ظل التفلت الأمني الذي خلفته حالة الذعر من هجومات وجرائم المنظمات التكفيرية والإرهابية على المناطق السكنية، عدا عن انتشار جائحة الكورونا وما تبعها من ركود اقتصادي واستنزاف للمالية العامة للدولة، إلا أن حالة النزوح ما زالت متصاعدة حالياً بالرغم من الاستقرار النسبي الذي تشهده قرابة (80%) من الأراضي السورية في هذه الأيام، والتحولات السياسية الإيجابية على المستوى الإقليمي والدولي، وحيث يستدعي ذلك البحث عن خطة أو برنامج يرعى عودة آمنة للنازحين إلى بلادهم، وبوجه خاص الى الأماكن المستقرة أمنياً واقتصادياً. إلا ان عدد النازحين يتجاوز حالياً المليوني نسمة في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة وعجز كبير في المالية العامة للدولة اللبنانية.

التوصيف القانوني للنازحين السوريين إلى لبنان

    لقد وصفت الدولة اللبنانية حالات الهجرة والفرار من سوريا الى لبنان بعد 11 آذار-مارس للعام 2011 بحالة النزوح المؤقت نحو الأراضي اللبنانية المحاذية جغرافياً للدولة السورية، إلا أن منظمة الأمم المتحدة اعتبرتهم بمثابة اللاجئين الذين لجأووا إلى لبنان للحصول على الحماية الأمنية، وهكذا جرى تأكيد هذا الوصف من خلال خطة الحكومة للاستجابة للأزمة السورية بين عامي (2015-2016) مرجحة اعتبارهم بمثابة اللاجئين الى لبنان، إلا أن الوصف التاريخي لحالات اللجوء فقد نصت عليه مجموعة من الاتفاقيات الدولية، كان أبرزها اتفاقية العام 1951 وبروتوكول العام 1967 الملحق بها، وذلك نظراً لأهمية تعريف اللاجىء لجهة إمكانية الاستفادة من حقوقه بالتجنيس أو التملك  وحق العمل والانتساب الى النقابات الحرة وسواها من الحقوق الإنسانية، علماً بأن اتفاقية العام 1951 تعنى بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين بوجه خاص، وبالالتزامات المترتبة عليها، وحيث أطلق مفهوم اللاجىء على الفلسطينيين الذين تعرضوا للاضطهاد العنصري والتهجير القسري من وطنهم فلسطين وهم لا يستطيعون العودة إليه حالياً في مطلق الأحوال، بسبب الخوف سياسة الاستيطان التوسعية والإرهاب الذي يمارسه الإسرائيليون على أبناء الشعب الفلسطيني حتى في بلاد الانتشار، علماً بأن هذه الحالة لا تنطبق على النازحين السوريين في لبنان.

    القول بأن لبنان الذي لم ينضم الى اتفاقية اللاجئين للعام 1951، هو غير ملزم بها. وإن تعريفها لا ينطبق على وضع الرعايا السوريين في لبنان، لا سيما غير الملاحقين منهم جزائياً أو أمنياً، وبأن حالة الهروب الجماعي إلى لبنان في ظل الظروف القاهرة المؤقتة والظرفية، لا يمكن حصرها ببعض الأشخاص الذين لا يستطيعون العودة إلى سوريا لأسباب سياسية أو أمنية. وهي حالة خاصة وضيقة في مقابل الهجرة الجماعية للجماعات السورية أثناء الحرب. كما أن ما يؤكد ذلك، حالات التواصل شبه الدائمة ما بين العائلات السورية عبر الحدود اللبنانية، كما دل على ذلك أيضاً الإنتخابات الرئاسية الأخيرة التي رجحت الغالبية لمناصري النظام السياسي في سوريا بصورة شبه مطلقة.

لماذا يصر النازحون على البقاء في لبنان؟

    صحيح أن النازحين السوريين ما زالوا يستفيدون من تقديمات مساعدات الأمم المتحدة، في خدمات الصحة والتربية والأغذية والاحتياجات المعيشية في مخيمات اللجوء، كما يستفيدون من فرص العمل ياعتبارهم من العمال المهرة في ميادين شتى وينافسون العمال اللبنانيين في أعمال متنوعة، إلا أن هذه المكتسبات جميعها، وإن كانت على حساب بعض عمال لبنان، فهي تكاد لا تكفي الكساء والغذاء ولا تؤدي الى نشوء طبقة وسطى في سوريا، سوى أنها تسد رمق هذه العائلات المتشردة ضمن الحد الأدنى لضرورات العيش الكريم، ولعل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي يعيشها اللبنانيون في هذه الأيام الحرجة والقاسية على غالبية الشعب اللبناني، تجعل الكثيرين منهم يقارنون معيشة هؤلاء البائسة بمعيشتهم التي أصبحت ربما الأشد بؤساً من بعض العائلات السورية، وينظرون إليهم بنظرة من الحسد، لكن من غير المنطقي أن نحمل هؤلاء البؤساء مسؤولية بقائهم في لبنان حيث يفضل الكثيرون منهم البقاء حالياً ريثما يعاد إعمار سوريا وتوفر فرص للعمل فيها، مقارنة بالتقديمات التي يحصلون عليها في لبنان في ظل الظروف الراهنة. هذا بوجه عام، أما الأقلية من السوريين الملاحقين أمنياً أو الذين هم على مشكلة مع النظام السوري، فمن الممكن تأجيل الحديث عن البت بأوضاعهم وفقاً للاتفاقيات المعقودة سابقاً مع النظام السوري، أو التي سوف تبرم لاحقاً ربما في الأمد غير البعيد. (يتبع)

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. وفيق ريحان

أستاذ جامعي