الجملة الثورية والكلامولوجيا اليسارية
حسين قاسم
عند اي منعطف، تعود مقولة “الجملة الثورية” الى الاذهان، تعود عندما يحتدم الصراع حول قضية جوهرية، بينما أشكال تجلياتها تجري ضمن سياق عادي.
يمر لبنان منذ سنوات بأخطر وأعمق أزمة متعددة الجوانب، طالت خطورتها وجوده، ككيان وكشعب، يُطل مع تلك الأزمة، مروحة طروحات ليس بين اليمين واليسار، كما كان يجري سابقاً، بل يتعداها الى نقاش في جنس الملائكة.
في هذه العجالة لا بد من تسليط الضوء على الطروحات الجذرية او اليسارية الثورية، وتبدو اهمية هذه المسألة في ان الظروف الموضوعية لقيام ثورة في لبنان مؤاتية منذ أكثر من عقد من الزمن، لكن يتجلى النقص في العوامل الذاتية اي في الادوات الثورية كي تكتمل عناصر قيام الثورة التي يحددها زعيم الثورة البلشفية لينين في ضرورة تقاطع العوامل الموضوعية والذاتية لانطلاق الثورة ونجاحها.
تاريخياً، كتب لينين الكثير عن هذه المسألة الهامة، وكتاباته بصدد الجملة الثورية تشير بوضوح الى القوى التي تفقد البوصلة في تفكيرها وفي خطتها، حتى بلغت انتقاداته وكتاباته حد اتهامها بالمرض الطفولي اليساري.
أو قد نفكر في الثورة الصينية، لا سيما المعجبين بالتجربة الصينية الراهنة، حيث قال ماو تسي تونغ: “السلطة تنبع من فوهة البندقية”. هذه الجملة الثورية تشدد على أن القوة الحقيقية تأتي من القدرة على استخدام القوة العسكرية، وهو مفهوم ثوري تم استخدامه في تحقيق التغيير الشامل في الصين.
وفي السياق اللاتيني الأمريكي، قد نتذكر الجملة الثورية لتشي غيفارا: “كن رياليستياً، طالب المستحيل”. اي أن الواقعية لا يجب أن تقف في طريق الطموح والتغيير، حتى عندما يبدو التحدي أمرًا مستحيلًا.
تتميز كل هذه الجمل الثورية بأنها تتحدى القواعد القائمة وتدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتتصدى للأنظمة الديكتاتورية، حتى وصل الامر بلينين حد اعتبار ان الطبقة العاملة التي لا تُجيد استعمال السلاح للقيام بالثورة عليها ان تبقى في صف العبيد.
بيد انه لا يتسع المجال للعودة الى انتفاضة الاستقلال الثاني اللبنانية في العام ٢٠٠٥ ولا الى ثورات الربيع العربي، ولا الى تشعبات القضية الفلسطينية، انما فقط للقول ان الظروف الموضوعية تفاقمت اكثر فأكثر فاسحة المجال امام انطلاقة ثورات عارمة ليس في لبنان فحسب بل في مختلف الساحات العربية الملتهبة، هنا يستحضر السؤال نفسه، اين القوى الثورية العربية، اين اليسار العربي، اين المقاومة العربية الشاملة. كي لا يكون الطرح تعجيزياً، لماذا لا يجري اليسار مراجعته الجذرية ويقول اذا كانت الظروف الموضوعية لقيام الثورات متوفرة لكن الادوات الثورية غير متوفرة، والكف عن تشويه العقول والافكار واجترار الماضي بسلبياته دون الايجابيات، حتى بلغ الامر عند بعض اليساريين بمن فيهم بعض المتنورين، بلغ بهم حد التفتيش عن مكان للجمهورية الاسلامية في ايران في الصراع الكوني ضد الامبريالية، بينما هي تفتش ليل نهار للحصول على رضى زعيمة اميركا، الى اعادة إحياء نظريات التناقض الثانوي والرئيسي لتصوير رئيس النظام الروسي باعتباره مخلص البلاد والعباد من الشر الرأسمالي بينما هو رئيس اكبر فئة اوليغارشية في العصر الحديث.
لكن الجريمة الكبرى عند جماعة “الجملة الثورية” هي الامعان في سياسة الهروب الى الامام وتجميع كفاءات وحجج في فنون الكلامولوجيا اليسارية، دون تحمل عناء التفتيش عن القضية الرئيسية، بكل حال فالحياة لا تعرف الفراغ.