مارلين.. ماريان والصندوق المثقوب

مارلين.. ماريان والصندوق المثقوب
باريس-المعطي قبال
 
    بعد اغتيال أستاذ التاريخ والجغرافية، صمويل باتي، في 16 من أكتوبر 2020 ببلدة كونفلان سانت هونورين بضواحي باريس، اهتزت فرنسا غضبا مستحضرة الأيام السوداء للهجمات الإرهابية، التي أودت بحياة قرابة 120 شخصا من كل الأعمار والأجناس. عجلت مثل هذه الأحداث بتدهور صورة المسلمين وتبخيس ديانتهم في المشهد الفرنسي بل الأوروبي، كما دفعت بالعديد من الأطراف المتطرفة وغير المتطرفة إلى الإقدام على مبادرات الغاية منها تطويق التواجد الإسلامي وتحريكه سلبا خلال مواسم الانتخابات أو الأزمات السياسية. آخر حلقة في السجال من حول المسلمين هو الذي يدور الآن من حول “غزو العباية للشارع الفرنسي” وارتدائها أيضا في المدارس والثانويات من طرف البنات.
   على أي وعلى خلفية اغتيال صمويل باتي، هبت عام 2021 مارلين شيابا، وكانت آنذاك وزيرة مكلفة بالمواطنة في الوزارة الأولى لاستحداث صندوق أطلق عليه اسم صندوق ماريان (رمز الجمهورية الفرنسية)، لمناهضة التطرف والدفاع عن قيم الجمهورية والتصدي للانفصالية وبالأخص على منصات مواقع التواصل الاجتماعي. وقد خصص لهذا الصندوق مبلغ 2,5 مليون أورو. وبعد فتح باب الترشيحات في وجه الجمعيات، تم الحسم بسرعة فائقة لصالح جمعيتين تبين لاحقا أن الاختيار وقع عليهما من باب المحاباة والمجاملة، ويتعلق الأمر بجمعية مشلولة بل تم تجميدها بعد أن استولى عليها الصحافي محمد سيفاوي، وهو من أصول جزائرية، ويعرف بخطابه السام والاستئصالي في حق المسلمين. وقد ضمن له الإعلام الفرنسي منبرا مفتوحا ورعاية كاملة. أما المبلغ الذي حصلت عليه الجمعية الشبحية التي يديرها، “اتحاد جمعيات التربية الرياضية والتجهيز العسكري” فقد ناهز 355 ألف يورو من المنح.
أما الجمعية الثانية، “إعادة البناء المشترك”، التي تم تمويلها بمبلغ 333 ألف أورو من صندوق ماريان، فقد وظفت محتوى سياسي لا علاقة له بالانعزالية للدفاع عن سياسة ماكرون خلال حملات الرئاسية والتشريعية.
   بعد انفجار الفضيحة مثلت مارلين شيابا أمام لجنة تحقيقات تشكلت من أعضاء بمجلس الشيوخ. وخلال ثلاث ساعات عرت أسئلة الأعضاء عن ثغرات بل أكاذيب الوزيرة التي احتمت وراء ذريعة أنها لم تكن على علم بقرارات لجنة الفرز والمنح، وأن أعضاء مكتبها هم من تابع الملف. كما كررت غير ما مرة أنها “لم تعد تتذكر”.
الخلاصة أنها تسعى إلى مسح الذنب بقميص الآخرين، وهو ما عابته عليها لجنة التحقيق. ومع الإشارة إلى اسم محمد سيفاوي، الحاصل على أكبر منحة من صندوق ماريان، أكدت شيابا على أنه ليس صديقها مشيرة: “لا أعرف ما يقال بين بعض مسؤولي مكتبي والسيد سيفاوي” ، ومن جانبه، أشار سيفاوي أمام اللجنة، الذي تم تفتيش منزله يوم الثلاثاء الماضي، إلى أن مكتب شيابا قد قام بالاتصال به. واتهمها بالكذب، كما أشار إلى أنه وقع في فخ نصبه له بعض الخصوم! بعد جلسة التقصي التي نظمها مجلس الشيوخ الفرنسي للتحقيق في قضية صندوق ماريان المثقوب، من المقرر أن تليها 3 تحقيقات أخرى: إذ فتحت نيابة المالية العامة في 14 مايو تحقيقا في موضوع تحويل أموال عمومية، الاحتيال، المسك غير القانوني بالفائدة. وقد تم الاستماع في جلسة مجلس الشيوخ إلى جميع الأطراف المعنية وبالأخص مارلين شيابا ومحمد سيفاوي. وستطرح لجنة التحقيقات تقريرها في 13 من يوليوز القادم. كما ينتظر أن يقدم القسم الثاني من العمل الذي أنجزته المفتشية العامة للإدارة. وأشارت وزارة الداخلية أن هذا القسم الثاني سينشر في نهاية شهر يونيو.
   الخلاصة أن مارلين شيابا تموقعت بنضالية مفرطة على كل الجبهات للنيل من المسلمين ومن الإسلام معتقدة أن حصانة راعيها، إيمانويل ماكرون، قد تقيها من كل التجاوزات، لكن، ومن حسن الحظ أنه للعدالة هنا كلمة الفصل ولا شيء يعلو عليها. اليوم، الكل يطالب باستقالة شيابا مع وضع حد للطيش السياسي الذي يمارسه بعض الماكرونيون مسيئين بذلك إلى السياسة وإلى العمل السياسي.
Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".