العقل الاحتفالي المجدد في العالم المتجدد

العقل الاحتفالي المجدد في العالم المتجدد
د. عبد الكريم برشيد
 
فاتحة الكلام
     يقول مولانا جلال الدين الرومي (ارفع كلماتك ولا ترفع صوتك.. فالمطر هو الذي ينبت الورود وليس الرعد).
وفي الاحتفالية كلمات تنطق بالحق، وتعشق الحق، وفي هذه الكلمات معاني كثيرة جدا، ولقد نبتت هذه الكلمات في أرض طيبة، وانكتبت في مناخ فكري طيب، فأعطت نباتا حسنا، ولو انها كانت كانت مجرد أصوات، لضاعت بين الأصوات، ولضاعت في الفراغ، ولما بقي منها اليوم أي شيء.
   والأصل في هذه الاحتفالية هو انها جسد له روح، وهي جسد مادي محسوس وملموس، له ظلال تتمدد، وله ألوان تتجدد، وهي بهذا، وبخلاف ما قد يقول المتقولون، ليست مجرد برق لامع وساطع، في الأرض أو في السماء، وأسوأ ما تخافه هذه الاحتفالية هو أن تكون عود ثقاب، يشتعل لمرة واحدة، أو أن تكون مجرد خاطف برق يعمي الأبصار، من غير أن يقول شيئا أو يضيف شيئا، أو يؤسس شيئا من الأشياء، إلى عالم الناس والأشياء، وهي فعلا فيها ضوء، أو هكذا على الأقل تريد أن تكون، وأن تكون مهمة هذا الضوء المعرفي والجمالي والأخلاقي هو أن يهدي السائرين والحائرين السائلين والمسافرين في الليالي المظلمة وفي الأزمان الظالمة والمظلمة، ويسعى هذا النور من أجل أن يهدي الباحثين عن الحق والفضيلة إلى طريق الحق والفضيلة، وأن يأخذ بيدهم، ويهديهم إلى الطريق الصحيح إلى المدينة الفاضلة، والتي قد تكون بعيدة جدا، وذلك في عرف الكسالى القاعدين، ولكنها في روح السائرين والباحثين والمجدين، هي قريبة جدا.
   ويعرف الجميع أن هذه الاحتفالية، الناطقة والمتكلمة والحالمة، ليس فيها رعد يصم الآذان، ولكن فيها همس بليغ، همس تسمعه النفوس، وتسمعه الأرواح، وقد لا تشعر به، ولا تسمعه الآذان التي بها صمم.
   ولهذه الاحتفالية ورود بكل الأوان، ورود جميلة قد تكون بها أشواك تنبه الغافلين ولا توذي، وبالتأكيد فإن هذه الورود لم تأت من فراغ، ولم نوجدها بعصا سحرية، ولم نقل لها كوني فكانت، في رمشة عين، وهي بهذا جزء من فعل غراسة الأفكار في حق الأفكار ، ومن غراسة الأحلام في أرض الأحلام، ومن غراسة المعاني في حقل المعاني، هي أفكار أنبتتها تربة فكرية، وهي علم أنبتتها تربة علمية، وهي إبداع جمالى أنبتتها تربة جميلة، وأنبتتها تربة خصبة، وأنبتها مناخ فكري وجمالي جميل ومعتدل، في كل الفصول، أي صيفا وخريفا وشتاء وربيعا، وبهذا لم تعصف بها العواصف، وظلت دائما في ملتقى الطرقات وفي ملتقى الجهات والاتجاهات، ولقد ظلت وفية لذاتها وهويتها دائما، لم تساير الرياح الشرقية لتكون شرقية كلها، ولم تستسلم أمام الرياح الغربية لتكون غربية ولا شيء غير ذلك، وبهذا فقد أمكن أن يقول القائل اليوم، إن هذه الاحتفالية شرقية في الغرب وغربية في الشرق، ولقد كانت دائما مفتوحة أمام الرياح الآتية من الشمال، من غير أن تكون شمالية، ولقد رحبت برياح الجنوب، وانتعشت بها، من غير أن تقول أنا جنوبية، ولا شيء غير ذلك، ولقد آمنت بأنها هوية مستقلة، وبأن ما يهم أكثر هو المواقف وليس المواقع، وهو ماذا تقول، وليس أين تكون، ولا مع من تكون ولقد أمنت أيضا بأن هويتها ثابتة على الثوابت، وأنها وجود بأبعاد متعددة، وبهذا فهي ليست كينونة مسطحة، وليست جامدة، وليست مغلقة، وليست كاملة ولا نهائية، وليست بسيطة أيضا، ولكنها هوية مركبة، فيها من كل شيء شيء، وهي بهذا فعل حي، في الجغرافيا البشرية الحية، وفي التاريخ الإنساني الحي، وفي العلاقات الوجودية الحية، وهي بهذا تاريخي فعل يفعل في.. وينفعل بـ.. ويتفاعل مع… وليس كتلة وجودية ثابتة وجامدة وكاملة ونهائية.
 
من الاحتفالية الجميلة الى الاحتفالية الأجمل
     وفي كثير من المرات سألتني نفسي، أو سألتها، لست أدري، وكان السؤال التالي:
ــ لو لم تكن احتفاليا أيها المواطن الاحتفالي، ماذا كنت تريد أن تكون اليوم؟
   وأقول لها، أو تقول لي، لست أدري:
ــ بالتأكيد، كنت سأتمنى أن كون أكثر احتفالية، وأن أعمل من أجل أن أكون في عالم آخر أكثر احتفالية وعيدية وأكثر حرية وشفافية، وأن أسعى من أجل أن أسافر مع رفافي الاحتفاليين إلى مدينة أخرى، تكون ثقافاتها، ويكون علمها، ويكون فنها، ويكون فكرها أكثر احتفالية، مدينة مفتوحة على الماء وعلى الهواء وعلى السماء، مفتوحة على الناس وعلى الأشياء، مفتوحة على الاحتمالات والممكنات الغربية والعجيبة والمثيرة والساحرة والمدهشة.
   وأجد نفسي ـ مرة أخرى ـ أسأل نفسي، أو تسألني لنفسي:
ــ وماذا عساها تكون هذه الاحتفالية؟
وهل هي حقيقة أم وهم؟
ــ هي حلم.. هكذا عشناها على امتداد عقود طويلة جدا هي حلم صغير في عالم كبير، عالم ليس فيه إلا الأحلام والحالمون.
ــ وهل هي حرية واختيار، أم هي فقط أعمار وأقدار؟
ــ ماذا أقول لك، هي أعمار لم تختر أقدارها، وهي أسفار لم تختر طريقها، وهي كتابة لم تختر أفكارها، وأصدق ما فيها هو حياتها الصادقة، وهي لم تختر وجودها، ولا هي اختارت زمن وجودها، ولا هي اختارت حياتها، ولا هي اختارت طريقها ومقصدها، وكل ما تعرفه عن نفسها، هو أنها غدا ستكون هناك، وستكون أكثر علما وفهما وأكثر رشدا وحكمة، وهذا ما يفسر عشقها للآتي الممكن، أكثر من عشقها وتعلقها بذلك الكائن الذي كان، والذي أصبح اليوم في ذمة التاريخ.
   لقد قلت لنفسى، وأقول لها دائما، لو كان الأمر بيدي لطالبت أن أكون اقوى واعلم، وأن أكون أكثر حياة وأكثر حيوية، وأكون أكثر حرية وأكثر استقلالية، وأن أكون أكثر معرفة وأكثر حكمة، وأن أكون جسدا شفافا، وأن أكون على هذه الأرض أخف وزنا، وأن أكون أكثر سرعة في التفكير وفي التعبير وفي التدبير، وأن تكون لي عيون أخرى، عيون سحرية وأسطورية، غير عيون البصر التي في وجهي، وذلك حتى أبصر الخفي الأبعد، يقول الغزالي في (مشكاة الأنوار) (اعلم أن عين البصر تتهاوى في عدد من النواقص، فهي ترى الآخرين ولا ترى نفسها)، وبالنسبة للاحتفالي فإن أجمل وأصدق كل العيون هي تلك التي ترى نفسها فيها، قبل أن ترى الآخرين، وتكون قادرة على أن ترى عيوبها، قبل أن ترى عيوب الناس الآخرين، وبحسب الإمام الغزالي، فإن عين البصر هذه تظل محدودة الفاعلية، لأنها (لا ترى ما هو بعيد عنها، كما أنها لا ترى ما خفي خلف الحجاب، وترى ظاهر الأشياء وليس باطنها، ترى بعضا من الكائنات وليس جميعها، ترى ما هو محدود وينفلت من مداها اللامحدود، وتخطئ عادة في تمييزها، معتقدة صغيرا ما هو كبير، وقريبا ما هو بعيد، ومتحركا ما هو ساكن والعكس صحيح).
   ويسعى الاحتفالي، الباحث عن الحق والحقيقة، إلى تجديد وتطوير وتحديث وتحيين كل ادواته الإدراكية، وذلك حتى لا تخدعه الرؤية القديمة للأشياء والأفكار وللحالات وللمقامات الجديدة والمستجدة والمتجددة.
   وأعتقد أن من يحب الحياة، كما يحبها الاحتفاليون الصادقون، لابد أن يكون أكثر الناس تعلقا بالحياة وبالحيوية، وأكثر الناس عشقا للحرية، وذلك في معناها السامي والعالي بكل تأكيد، وأن يكون أكثر الناس إيمانا بالجمال وبالجمالية.
   — وما الذي قد يخيف الاحتفالي، أكثر من غيره؟
   هكذا أسأل نفسي، أو تسألني نفسي، وأقول بأن الاحتفالي لا يخاف من شيء، ولكنه يخاف أن يلحق القبح بعض أو كل الأشياء الجميلة، وأن يلحق الموت الأشياء والأفكار الحية، وأن يلحق النقص الأشياء التي ينبغي أن تكون كاملة أو متكاملة، وأن يلحق التخريب فعل التجريب، وأن نجد هذا العيد، والذي ينبغي أن توثثه الأرواح الشفافة، وتسكنه الوجوه والأرواح الصادقة، نجده مجرد حفل تنكري ومجرد جرد كرنفال، البطولة فيه للأزياء وللأقنعة وللمساحيق والأصباغ الكاذبة والمضللة.
   هي الغيرة على الجمال إذن، وهو الخوف على الآتي غدا، وهو الخوف على الحياة من اعداء الحياة، وقد يكون هو الخوف من أعداء الله الذين لا يخافون الله.
 
اليوم يأتي العيد وغدا يأتي عيد جديد
     واليوم، يحل العيد من جديد، ليكون حجة أخرى على أن العيد وفعل التعييد ممنوعان من الغياب، وهما معا، وفي كل حضور جديد، يكونان دائما أكثر حياة وأكثر إبداعية وأكثر جمالية وأكثر إمتاعا وأكثر إقناعا.
   وتتعدد طرق الحياة اليومية وتختلف، ولكنها – كلها – تؤدي إلى هذا اليوم الموعود، والذي هو يوم العيد والاحتفال.
  وأكثر الذين ينتظرون العيد بشوق، هم الأطفال دائما، وهم الفنانون والشعراء، وفي المقابل، فهناك أجساد بلا أرواح تخشى العيد، وتخشى التعييد، وتخشى الفرح، وتخشى التلاقي الجميل في اليوم الجميل وفي الساعة الجميلة.
   وقد يعتبر العيد يوم عطلة، وهو فعلا كذلك، ولكنه بالنسبة إلى ليس كذلك، لأن من طبيعة الفارس الاحتفالي إنه لا يترجل عن فرسه، ولأن المحارب الوجودي ليس من حقه أن يستريح، إلا بعد أن يفتح القلاع السحرية المحصنة، وهذا ما لا يمكن أن يتم اليوم ولا غدا ولا في الأيام والأعوام القريبة الآتية.
   في بيان (ألف باء الواقعية الاحتفالية في المسرح)، والذي نشر بمجلة (الثقافة الجديدة) لشهر مارس من سنة 1977، يقول ذلك الاحتفالي الشاب الذي كان، ما يلي:
   (عندما نحتفل فإننا نخرج من العادي المبتذل، نخرج من الآني نتجاوز الذات وكل قوانين الطبيعة، ومن هنا كان الاحتفال مرادفا للتحرر من المكان، وذلك باعتبار أنه أبعاد محدودة وجامدة، والتحرر من الزمن، إذ أن الاحتفال يكون دوما في الساعة البكر، وفي اللحظة الوليدة، إنه تحد للواقع، ومحاولة تجاوزه عن طريق واقع نفسي تتواصل فيه الذوات المختلفة، ويموت فيه الواقع الجامد).
   وبحسب ذلك الاحتفالي أيضا، فإن (الإنسان في أصله مجموعة من الاحتفالات المتصلة بعضها ببعض، احتفال في الموت واحتفال في الميلاد، واحتفال في الختان والعرس، وحتى عندما تغيب المناسبة، فإن الإنسان يخلقها، ومن هنا تكون الحياة احتفالا كبيرا، ويكون المسرح – وهو صورة مصغرة للحياة – احتفالا كذلك).
   إن العيد، في معناه الحقيقي، هو حضور وفاعلية في هذ الحضور ، وكل شىء في هذا الحضور مباح وحلال، إلا شيء واحد أوحد، والذي هو الغياب، والموتى فقط هم الذين من حقهم أن يغيبوا، والذين من الممكن جدا أن تستحضرهم، وأن نشركهم معنا في نفس الاحتفال، وأن نقتسم معهم نفس اللحظة العيدية، وبالمناسبة فإنني أستحضر روح صديقي ورفيقي الاحتفالي، الفنان التونسي والعربي الكبير عبد الغني بن طارة، والذي (كان) عاشقا للحياة والحيوية والجمال والجمالية للإبداع والإبداعية، ولقد كان أول من اخرج مسرحية (اسمع يا عبد السميع) مع المسرح الوطني التونسي، ولقد وذهب بها إلى مهرجان دمشق المسرحي سنة 1984 وحقق بها مع الممثل محمد السياري وجميلة الظريف نجاحا كبيرا جدا، رحمك الله أيها القلب الكبير، وأخبرك، أنت الذي أعطيت واحدة من مسرحياتي اسما آخر، والذي هو (على قيد الحياة) أنك أنت أيضا، مازلت وستبقى على قيد الحياة، أولا، من خلال الثلاثي الجميل أمينة وأيمن وأماني، وثانيا من خلال كل بنات أفكارك وبنات إبداعاتك الإنسانية الجميلة والنبيلة.
 
زمن الاحتفالية وهوية الاحتفالي
   في كتاب (زمن الاحتفالية)، والذي صدر بمدينة الدار البيضاء عن  “منشورات أفريقيا الشرق”، يقول الاحتفالي:
  (في البدء اندهش إذن، ولكل داخل لابد له من دهشة، قد تطول وقد تقصر، وقد يدوم ذلك الاندهاش، قليلا او كثيرا، ومن بعد هذا الاندهاش الأولى، والطبيعي والحيوي ايضا، فإنني أتساءل بصدق، وأحاول أن أكتشف كل شىء، وأن أعرف سر الأشياء الغامضة، وأن أدرك سر الكلمات والعبارات الملتبسة، وأن أكشف الحجاب عن سر الوقائع والمشاهدات الخفية، وأن أذوق معنى الإشارات ومعنى العلامات، وأن أقبض على العلاقة الخفية بين الجزئيات والكليات، سواء في الصور والأحداث، أو في المحركات والمحركات).
   هذا هو أنا، وهذه هي هويتي، إنني أراها وتراني، وأعرف حددوها ولا أقف عندها، ومهمتي في الوجود هو أن أوجد هذه الهوية، إذا لم تكن موجودة، وأن أستحضرها إذا كانت غائبة، وأن أدافع عنها إذا كانت مهددة، وأن استعيدها إذا أخذت مني، ومن الممكن جدا أن استعيد هذه الهوية، وأن أعيد لها كل حدودها ومستوياتها وكل ظلالها وألوانها، ولكنه – في المقابل – فإنه لا يمكن أبدا أن أستعيرها، وأستعيرها ممن؟ هي أساسا وجودى الذي ليس لي غيره، وهل يعقل أن أستعير وجودي من خارج وجودي؟ وهي أيضا حياتي بكل أعمارها، وهل ويمكن أن أقتبس هذه الحياة؟ وممن؟ كما أنه لا يمكن أن أهرب هويتي عبر الحدود الثقافية، ولا يمكن أن أختلسها أو أن أترجمها من أية هوية أخرى.
   وإنني، أنا السائر في الطريق، أدعو كل من أخطا الطريق إلى ذاته و منه ولثقافته وهويته الحقيقية، أن يستفتي قلبه وعقله، وأن ينصت إلى صوت وجدانه، وأن يسأل نفسه، هو من هو، وأين هو، وفي أي زمان هو؟
   وليعلم الجميع أن هذه الهوية، قد يلحقها القدم، وبذلك فهو مطالب دائما بأن يجددها، وأن يعيد لها لونها وبريقها وفاعليتها
وإنني أؤمن، إيمانا صادقا، بأن وجود هويتين في جسد واحد وفي عمر واحد، هي مجرد إشاعة واكذوبة، فإما أن تكون أنت هو أنت، أو تكون غيرك، إما أن تكون أنت أنت، وأن تكون هو الآخر في جسد واحد، فذلك هو المحال وهو اللامعقول.
   والوجود بين هويتين، هو في الحقيقة وجود بين هاويتين سحيقتين، وهو وجود بين فراغين وبين عدمين.
   وفي مجال هذا اللعب على حبل الهويتين، يتمثل المغاربة عادة بذلك الغراب، والذي أراد أن يقلد مشية الحمام، فنسي مشيته ولم يدرك مشية الحمام، وبقي في منطقن بين البينين.
   وفي فعل التقليد نرى الظاهر فقط، ونخاطب الشكل البراني القريب وحده، ويستعصي علينا أن ننفذ إلى الداخل البعيد، وبذلك يكون أغلب تجريبنا فعلا شكليا وبرانيا ورسما لما تراه العين المجردة، أما ما يراه الوجدان وما يراه الخيال وما تراه الروح فإنه يظل بعيدا عن النقل وعن النسخ وعن السلخ وعن التقليد.
   وبحسب أدونيس، فإن تأثر الشعر العربي الحديث بالشعر الأوربي – الغربي الحديث، إنه قد ظل عند درجة القراءة، يقول في الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب بمدينة الرباط (إننا نقلنا هؤلاء وأضرابهم من شعراء الغرب، ولم نبلغ مبلغ التأثر بهم، استنساخ بدون روح، وفي المحصلة “لم نقرأ بعمق لا التراث العربي ولا التراث الغربي”).
   وهذا القفز على الذات، الحاضرة الآن هنا،للالتحاق بذلك الآخر، الغائب هناك، هو بالتأكيد مخاطرة، وقد يكون لدى البعض انتحارت ثقافيا وحضاريا، وهو لا يدري، أو لا يريد أن يدري، وهو بهذا (حريك) هوياتي من ثقافة إلى ثقافة، ومن لغة إلى لغة، وهو هجرة غير شرعية بكل تأكيد.
    وبخصوص الحداثة يقول أدونيس لجريدة “الصباح” المغربية:
   (الحداثة كلمة فضفاضة، ولم يعد لها أي معنى في الوقت الحالي، ما التحديث؟ يمكن أن يكون هناك فلاح بسيط مع نخلته أو حقله أكثر حداثة من طيار يدمر العالم بأحدث الوسائل التقنية في لحظة واحدة، هذه مفردات فرغت من معانيها، الحداثة يمكن أن تكون في بعض ووجوهها أسوأ من اي قديم كان).
   (لا مقارنة مع وجود الفارق) هذا القانون غاب عن كثير من الكتابات النقدية العربية، والتي غاب عنها أن تنظر إلى الاحتفالية في محيطها، وداخل شروطها الموضوعية، وفي سياقها الثقافي والفكري والجمالي العام.
   ونحن لا نأخذ الحداثة، باعتبارها محركا عقليا، أو باعتبارها عقلا مبدعا واخلاقا، ولكن فقط، نأخذ بعض منجزات هذه الحداثة الأوربية، وقد يكون ما نأخذه هو مجرد صور أو مجرد ظلال أو مجرد رجع صدى، أو تكون مجرد لعب صبيانية يتلهى بها البعض، وما يهم الاحتفالية، ليس هو الأشياء الحديثة والمصنوعات الحديثة والموضات الحديثة، ولكن هو العقل أولا وأخيرا، وذلك باعتبار أن هذا العقل الجديد هو المحرك الجديد في هذا العالم الجديد.
Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. عبد الكريم برشيد

كاتب مغربي