سعي اليمين المتطرف إلى اكتساح الثقافة والإعلام

سعي اليمين المتطرف إلى اكتساح الثقافة والإعلام
باريس – المعطي قبال
     يحتل الملياردير الفرنسي فانسان بولوري الرتبة الرابعة عشرة في قائمة فوربس لميلياردي العالم، إذ تقدر ثروته بـ 6،8 مليار يورو. تغطي هذه الثروة مجالات وقطاعات عديدة ومتنوعة: الصناعة، السيارات، ألعاب الفيديو، الموسيقى وقطاع الإعلام، حيث يملك قناة كانال بلوس، سي نيوز، أوروب 1 ، باري ماتش الخ… ويصل عدد العاملين بمجموع هذه القطاعات 80 ألف عامل. ويبقى قطاع النشر آخر القطاعات التي فتحت شهية بولوري، يدفعه إلى ذلك النفخ في ثروته. وستمكنه هيمنة شركة فيفالدي، التي هي في ملكيته، على شركة إيديتيس، من جني أرباح خيالية بفضل مبيعات الكتب.
وتعتبر إيديتيس الرقم الثاني لدور النشر الفرنسية والتي تضم كلا من دور النشر التالية: بلون، روبير لافون، جوليار، لوشيرش ميدي، معجم لوروبير، بورداس، بوكان، وقبل شهر أعلن عن نيته لامتلاك شركة هاشيت للنشر التي تنضوي تحتها دور النشر التالية: غراسي، ستوك، لاروس، جان-كلود لاتيس، كالمان ليفي. فالناشران إيديتيس وهاشيت ينشران ويوزعان لوحدهما العشرة كتب الأولى الأكثر مبيعا في المكتبات.
وبالنظر إلى العلاقة الروحية التي تربط الفرنسيين بالكتاب والقراءة، فإن العائدات المادية ستكون دسمة للغاية. من المفروض أن يعارض الاتحاد الأوروبي هذا الاحتكار لدور النشر بين يدي شخص واحد، لكن المعارضة تحركت أولا من داخل فرنسا وتحديدا من الكتاب أنفسهم حيث وقع 10 منهم على صفحات لوموند بيانا يعارضون فيه المركزية التي تهدد الكتاب والثقافة في فرنسا. بعدها تدخل الناشر أنطوان غاليمار الذي يحظي باعتراف بقية الناشرين نظرا لقدم الدار التي يسيرها و جدية العمل التي تنجزه. وفي عدة مقابلات مع الصحافة سطر غاليمار الخطوط الحمر التي على بولوري عدم تجاوزها والمتمثلة في العزوف عن انصهار شركتي فيفاندي وشركة لاغاردير، هاشيت، والذي من شأنه حصول اندماج بين إيديتيس وهاشيت بشراء الأولى للثانية. يخشى الناشرون استحواذ بولوري على 52 في المائة من سوق الكتب، خصوصا وأن المبيعات وبخاصة على خلفية الكوفيد، ارتفعت بنسبة 12،5 في المائة، دون الحديث عن بسط الهيمنة المطلقة على بعض قنوات التوزيع والإشهار وذلك من شأنه تهديد التعددية الثقافية وتنوع دور النشر.
الجميع يتذكر لما اقتنى بولوري كانال بلوس القناة، كيف أن مقص الرقابة طال برامج ثقافية، إخبارية وترفيهية. وثمة تخوف من أن تنتهج نفس السياسة بدور النشر التي يراقبها بولوري إما بمعارضة نشر بعض الكتاب وإما بتعديل محتوى المخطوطات المقترحة للنشر.
الخطير في الأمر هي السلطة التي أصبح يملكها نيكولا ساركوزي منذ التحاقه كعضو بمجلس إدارة لاغاردير. وتندرج سلسلة الاستقالات وفرط العقود مع دار النشر فايار التابعة لبولوري التي قدمها عشرات المفكرين والروائيين قبل أسبوعين في هذا الاتجاه حيث الوصاية والزبونية هي أحد وصفات عمل وتعامل فانسان بولوري. وتبدأ هذه الحكاية باستقالة صوفي دو كلوزي التي كانت ناشرة لدى فايار التابعة لهاشيت. وفي ساحة النشر يعترف لها الجميع بمهنيتها العالية التي كانت وراء نجاحات الكتب التي أشرفت عليها. كما أنها اكتشفت أقلاما روائية أصبحت شهيرة في المشهد الفرنسي. عملت دو كلوزي 18 عاما بدار هاشيت والتحقت كمديرة عامة بدار فايار عام 2014 لتنجز اختراقات في مجال نشر كتب حققت نجاحا هائلا على مستوى المبيعات، مثل مذكرات باراك وميشال أوباما. غادرت الدار بعد يومين على صدور مقال بجريدة لوموند يشير بأن نيكولا ساركوزي وهو مقرب من ارنو لاغاردير وفانسان بولوري يضغط على بعض الناشرين بدار النشر هاشيت منذ أن التحق بمجلس إدارة لاغاردير السنة الفائتة، ويضغط بالأخص على صوفي دو كلوزي بسبب نشرها لكتابي المحققين الصحفيين بجريدة لوموند جيرار دافي وفابريس لوم: «الحقد. سنوات ساركوزي» وكتاب «نهاية العالم. سنوات فرانسوا فيون». لم يكن ساركوزي راضيا على هذين الكتابين. بعد مغادرة صوفي دو كلوزي عينت الإدارة كارين سابورتا المتعاطفة مع ساركوزي. وللتضامن مع صوفي دو كلوزي أعلنت الروائية فيرجيني غريمالدي عن انسحابها من دار فايار. مع العلم أن هذه الروائية تعد وزنا ثقيلا داخل برنامج النشر لدى فايار إذ بلغت مبيعاتها 4 مليون كتاب في السنوات السبع التي ارتبطت فيها مع فايار. عام 2021 بلغت مبيعات روايتها الأخيرة 877.000 نسخة. بعدها توالت الانسحابات من فايار تضامنا معها. آخر من فسخ العقد مع فايار هما الفيلسوفان ألن باديوه وباربارا كاسان, في هذه المعركة التي أصبح فيها المال منطقا للعالم، ليس بولوري هو من يفكر بل آلته الحاسبة. حينها يتم التركيز على إنتاج ونشر كل ما يتعلق بالألعاب الإلكترونية كسلعة مربحة ويستغنى عن نشر الأدب والعلوم الإنسانية . وبذلك يتغذى بولوني من الجهل المربح! لكن الأخطر من ذلك هي التعيينات المتخفية التي يتحكم فيها بولوري.
منذ أسبوعين يخوض صحافيو أسبوعية «لوجورنال دو ديمانش» إضرابا عن العمل على خلفية تعيين مدير تحرير جديد وافد مطرودا من مجلة ليفالور أكتيال، ويحسب على اليمين المتطرف. ويعتبر جوفروا لوجون أحد المقربين من إيريك زمور وأفصح غير ما مرة بشكل مكشوف عن عدائه للأجانب وللفرنسيين من أصول مغاربية أو أفريقية. ولم يتصد أغلبية الصحافيين العاملين بالأسبوعية لوحدهم لهذا التعيين، بل تدخلت عدة أطراف أخرى لمعاضدة المضربين دفاعا عن فضاء إعلامي تعددي قد يصبح بوقا بين أيدي اليمين المتطرف. ولا زالت المواجهة بين الطرفين على أشدها مع سعي بولوري إلى إنهاك المضربين والدفع بهم إلى تقديم استقالتهم.
Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".