“المنبر الديموقراطي” في ظل بطريرك الثقافة حبيب صادق
جسين قاسم
اختزلت مسيرة المناضل والاديب والشاعر حبيب صادق، نضال الشعب اللبناني، في الحرية والديموقراطية والتحرر الاجتماعي، حبيب صادق رمز النضال ضد الاقطاع السياسي في الجنوب، وضد الهيمنة السورية على لبنان، هذه المسيرة الشاقة التي تمتد في العمق اللبناني لعقود خلت، فهي تختزل مسيرة النضال الديموقراطي العام في لبنان بأوجهها المختلفة والمتنوعة في آن، فهي اذ تنطلق من بوابة الوطن الجنوبية، الى مختلف الجهات، ويختصرها حبيب في عنوان له بأن كل الجهات جنوب، وفي عنوان آخر الشمس تشرق من الجنوب. برأي النائب السابق حبيب صادق، ان الجنوب ليس لفئة معينة ولا لطائفة معينة، بل ان الحكاية انطلقت من جنوبي الجنوب، من نكبة فلسطين، ومن المجازر الصهيونية الاولى في بلدة حولا الجنوبية، ليليها الانخراط المُبكر في تحرير فلسطين بعد هزيمة الانظمة العربية في حزيران ١٩٦٧، وانخراط الشيوعيين واليساريين اللبنانيين والعرب بتشكيل منظمة “الانصار”، ثم الى بداية طرح مهمة تسليح القرى الامامية لمواجهة الاعتداءات الاسرائيلية على القرى الجنوبية فكان الحرس الشعبي، وكان الشهيد علي ايوب من بلدة عيناتا ليتبعه المئات من الشهداء المقاومين.
والجنوب كان ايضاً الساحة الاولى للصراع مع الاقطاع السياسي ليختزل حبيب هذا العنوان بترشحه على الانتخابات النيابية في دورات ١٩٦٨ و١٩٧٢ مدعوماً من الشيوعيين واليساريين والوطنيين، فكانت معارك مزارعي التبغ وعمال غندور والمعلمين المصروفين وديمقراطية التعليم والنضالات الاجتماعية المتعددة على امتداد الوطن، عناوين ومهمات نهوض اليسار اللبناني في تلك المرحلة الهامة من تاريخ الشعب اللبناني، في خضمها كان المرحوم حبيب صادق يغوص عميقاً في قطاعات الثقافة، اديباً وشاعراً وكاتباً، ليمنحها بنضاله العملي بُعداً نضالياً عريقاً في المسيرة الديموقراطية للشعب اللبناني. بيد انه سيُكتب عنه الكثير وعن مؤلفاته ومساهماته الثقافية المتنوعة، لكن السواد الأعظم من القوى السياسية ومن الكتاب سيغضون الطرف، ولاسباب متعددة، عن اهم المحطات في تاريخه الناصع وعنيتُ بها مرحلة تصديه لنظام الوصاية السورية في العام ٢٠٠١.
بيد ان تأسيس “المنبر الديموقراطي” في العام ٢٠٠١ اراد منه حبيب صادق وزملائه مُلاقاة زملاء لهم على الضفة الاخرى من الوطن الذين تشكلوا في بوتقة “قرنة شهوان” مستظلين البطريرك صفير، والعاملين في كنفه بعد النداء الشهير للمطارنة الموارنة الصادر في العام ٢٠٠٠ والذي يطلب صراحة انسحاب الجيش السوري من لبنان بعد اندحار العدو الاسرائيلي منه في العام نفسه، وضرورة دخول الجيش اللبناني الى الجنوب، واذا كان فريق قرنة شهوان استظل البطريرك الماروني، فقد ارتأت عدة شخصيات ثقافية وسياسية واجتماعية متنوعة استظلال بطريرك الثقافة اللبنانية المناضل حبيب الصادق فكان المنبر الديموقراطي وكان حبيب رئيساً له، وقد وقع بيان تأسيس المنير اكثر من ١٥٠٠ شخصية وازنة. والاهمية بمكان هو التلاقي الذي حصل بين “المنبر” و “القرنة” في لقاء البريستول والذي وحَّد اللبنانيين في مواجهة نظام الوصاية السوري.
بعدها كانت الفاجعة حيث اطاحت القوى الطائفية بحبيب، وهي افشال تجربة “المنبر الديموقراطي” الذي عصفت به “رياح التحالف الرباعي العاتية، إبان الانتخابات النيابية التي جرت عام 2005″، وسقوط “كل ما أجمع عليه المؤسسون الأوائل للمنبر، من مبادئ” وفق ما جاء في مقدمة كتابه “في وادي الوطن”. وبذلك تمت بسهولة مقايضته وبيعه بكل معنى الكلمة للبيع من قبل قوى ١٤ آذار آنذاك له وللشخصيات الشيعية المناوئة للثنائي الشيعي، ليجري تقاسم الجبنة بين الفريقين الآذاريين ليصل الامر بالبلاد الى ما وصلت إليه اليوم من خراب على يد هؤلاء.
واذا كان حبيب لا يأوي الى جامع ولا الى كنيسة، ولا هو مرجعاً طائفياً، فقد أوَى الى عرزاله الثقافي معتزلاً الممارسة السياسية لينهمك بنبش التراث الثقافي اللبناني عامة والجنوبي خاصة، وليقاوم مرضه الخبيث، لكنه يرحل والمرض ينخر في جسد الوطن الذي احب.
وردة على ترابك الطاهرة يا عزيزي