عالم اجتماع فرنسي: غضب الأحياء سياسي ونابع من الحرمان

عالم اجتماع فرنسي: غضب الأحياء سياسي ونابع من الحرمان

ريم ياسين

يحلل عالم الاجتماع الفرنسي فابيان تر وينج أسباب غضب جزء من الشباب الفرنسي  الذي رأى نفسه مكان نائل الشاب الذي قتل. وهو يضع منطق الاشتباه الدائم كفكرة أولية تطبع هؤلاء الصبية حتى بعد سن المراهقة بوقت طويل.

 إنه أستاذ في جامعة باريس الثامنة. تابع المسار المدرسي والذاتي لـــ 20 من تلامذته القدامى في منطقة السان دنيز في ضاحية باريس من أعمال الشغب سنة 2005 حتى الهجومات الإرهابية سنة 2015. له عدة مؤلفات من بينها “الشباب الفرنسي”2015، 2022.

هنا حوار معه نقلا عن صحيفة لوموند الفرنسية.

*لماذا انتفض جزء من الشباب الفرنسي بعد موت نائل م. وأشعل النيران في أحياء بعيدة عن المدينة التي عاش فيها والتي قتل فيها؟

ــــ إنهم صبيان من عمر نائل. عبروا عن ردة فعلهم بطريقة حميمة وعنيفة لسبب بسيط، هذا الموت كان يمكن أن يكون موتهم. كل واحد منهم قال في نفسه، كان يمكن أن أكون أنا. يحتفظ كل مراهق في هذه الأحياء بذكريات مشاجرة مع الشرطة. تكرار التحقق من الهوية قرب المبنى الذي يقطن فيه هو بغيض ومهين، يولد توترا ويخلق مع الوقت شعور عميق بالعدائية.  وهم يخلصون إلى التفكير أن وجود الشرطة على مدخل المبنى الذي يسكنونه هو غير شرعي ويجب أن يكون هناك تبرير له. منطق الاشتباه هذا هو وجودي وميتافيزيقي.  هذا التحقق يتم، وفق اعتقادهم، بسبب من يكونون وليس بسبب ماذا يفعلون. تترك هذه التجارب آثارا دائمة عليهم. خلال المسح الاجتماعي الذي قمت به، استنتجت مدى  تأثير هذه الجروح النفسية. الخوف من الشرطة يبقى هاجسا حتى بعد سن الـــ30.  العلاقة مع الدولة كانت مؤلمة، والجمهورية لم تف بوعدها.

*في هذه الأحياء، تتراكم عدم المساواة ولكن أيضا الانحراف والفظاظة؟

 ــــ نعم. إنها جيوب تجمع الفقر والعنف الاجتماعي الذي يتبعه. ولكن هروب الشباب ورفضهم للامتثال لا يعني أبدا أنهم ارتكبوا شيئا يلامون عليه.  الشابان اللذان قتلا عام 2005 صعقا بالكهرباء وهما يهربان من التحقق من قبل الشرطة لم يرتكبا أي عمل مشين. وقد تسبب موتهما بليالي من الغضب لم تنته في مثل هذا الوضع، يجب على الشرطة أن تأخذ بعين الاعتبار أنها تتعامل مع مراهقين مثل نائل عمره 17 عام.  هذا البعد مهم جدا  لأنه من الضروري عند أي تدخل للشرطة، تصور المراهق قبل المشاغب المحتمل. من المفترض أن يوصل ذلك إلى وضعية معينة  لأنه يجب أن تكون الشرطة قادرة على التعامل بطريقة تربوية وعلى فرض سلطة دولة القانون وتجسيد السلطة.

هذا عمر يبحث فيه المراهق عن مكان له في هذا العالم  حيث يبني نفسه في المعارضة. من هنا أهمية أن يكون لدى الشرطي تدريب مهني على هذا النوع من العلاقة  لنزع فتيل التصعيد  الغامض ولكن من الممكن فهمه.

*لماذا يحمل الصبيان هذا الغضب بشكل أساسي؟

ـــ في الأحياء الشعبية، لا تشغل الفتيات الفضاء العام. المكان الطبيعي هو داخل الشقق ومع العائلة أو في أمكنة أخرىمثل المكتبات والمراكز الثقافية والجمعيات وذلك لأسباب ثقافية واجتماعية. وعندهن نسبة كبيرة بين النجاح في الدراسة ولا تحملن الغضب ضد المدرسة مثل الصبيان الذين يخرجون للتعبير عنه في الليل. لعبة القط والفأر بين الشرطة والشباب  هو عمل ذكور فقط. عمل فيه ندية وإنعكاسات في  المرآة، على مستوى الذوق وأساليب العمل بين الشرطة وشباب الأحياء القريبين من بعضهم أكثر مما يعتقدون. الرجولة والانجذاب نحو الرياضة الميكانيكية هما مثال على ذلك وجزء مشترك بين الشباب وعدد من رجال الشرطة الذين يستمتعون بالدراجات النارية القوية كما الشباب الذين يلاحقونهم

*ما هي نظرتكم لردة فعل أهالي  المراهقين المتمردين؟

ــــ بشكل عام، يقول الأهالي نحن ندين ولكن نحن نتفهم أيضا. يتأسفون لحدوث الأضرار التي تطالهم مباشرة مثل المدارس ودور الحضانة ومحطات الباص. غير أنهم يستنتجون أن لا شيء تغير منذ 25 سنة.  والكل يعرف أنه من الممكن أن يصبح أولادهم أو جيرانهم أو أقاربهم الضحايا الجدد للتحقق من الهوية. الأهالي ليسوا ضد الشرطة أو الدولة على العكس من ذلك، مطلبهم الأساسي هو العيش في مكان آمن. هم يطالبون بحضور الدولة وبشرطة مختلفة، شرطة حي قريبة تميز بين المهربين وباقي السكان. ذلك يتطلب معرفة الأحياء والحوار مع المسؤولين التربويين في جو من الثقة. يجب أن تبقى الشرطة خدمة عامة.

 نلفت النظر هنا إلى أن أكثرية الشابات والشبان الذين ينجحون اجتماعيا  يتركون الأحياء التي تعاني من التمييز. ولكن كلهم رأوا أو عرفوا أو عاشوا علاقات قاسية مع الشرطة. وما تزال تجربة انعدام المساواة حية وحادة وواقعية لديهم. المناظرة بين اليمين واليسار في كلية العلوم السياسية مثلا هي تمرين في البلاغة  بالنسبة لأكثرية الطلاب.  في هذه الأحياء، الفقر وعدم الأمان هي وقائع ملموسة ومحسوسة. لهذه الأسباب، هذا الغضب هو غضب سياسي لأنه نابع من تجربة مشتركة من الحرمان وانعدام المساواة.

 *ما هو سبيل الخروج من هذه الأزمة؟

ــــ شرطة قريبة من السكان تعتمد سلطتها على عمليات مركزة وهادفة مع استعمال القمع المتدرج هو أحد المفاتيح. وهذا يتطلب تغييرا في المجتمع.  رجال الشرطة يعرفون ذلك وهم يتحدثون غالبا عن نتائج هذا البؤس الاجتماعي  والأخلاقي الذي يواجهونه. وهم يدركون أيضا انعدام المساواة وهم ليسوا مسؤولون عن ذلك. لذلك، لا يجب اتهام كل رجال الشرطة بالعنصرية، خاصة أن كثيرا منهم يأتون من هذه الأحياء.

“عن لوموند”

Visited 40 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة