عن عبد الحليم حافظ .. أسطورة الحياة والموت والحب

عن عبد الحليم حافظ .. أسطورة الحياة والموت والحب

فاطمة حوحو

من الصعب ان افسر لكم ما يحدث لي عندما ارى فيديو قصير للفنان عبد الحليم حافظ وهو يؤدي اغنية، او يظهر في مقابلة او اشاهد له مقطعا من فيلم، ابكي وأفرح، ابقى مندهشة لساعات، افكر بهذا العبقري الذي يضع كل مشاعرة في صوته وفي تعابير وجهه وفي انسجامه مع الاوركسترا، وفي علاقته مع الجمهور، لا اذكر انني انشديت الى مطرب او مغني او ممثل كما انشد اليه، ما يزال بقدرة هذا الفنان العجيب ان يثير في كل الاعجاب، ويضعني على خط احساس خطير، هو الحب الذي نحلم به ونسعى اليه ونقع في شباكه ونعيش في ظلال خيوطه العنكبوتية، ونتطلع منه الى اشراقة الشمس او نشكو آلامه في ليل لا قمر له.

لا اعرف كم اخذني هذا الصوت الذي يرتل الحب في اغانيه ويجعل منها آلية حياة انسانية مليئة بالصدق والشفافية والحلم، لاحلق بسعادة في السماء واتنفس الفرح، أو لاختار النوم هربا من حزن وتعاسة، ما هذه القدرة لديه على إثارة مشاعرنا الانسانية، الصوت الذي يحولنا الى كائنات حقيقية، تستكشف نفسها وتعيش حالها الحقيقة لكنها لا تستسلم لاقدار مكتوبة، الصوت الذي يأخذها من مستحيل الى ممكن، من اللا الى النعم، من الالم الى الفرح.

ليس الصوت وحده من ينقلك من ربيع الى خريف ومن صيف الى شتاء، إنه الاداء المبدع في التعبير عن الحالة، عبد الحليم يغني في عينيه وفي يديه وفي تعابيره وفي حركة جسده على المسرح، يغني وكأنه يشعل حياة، انظر الى تلك الفيديوهات وانا لا اجد له مثيلا، قد اكون من عشاق داليدا او خوليو ايغليسياس أيضا، وقد تجوز المقارنة او لا تجوز هنا، لكن لا احد في العالم العربي يشبه هذه الاسطورة الحقيقية التي تدعى عبد الحليم حافظ.

انا ايضا احب اغاني محمد عبد الوهاب وادائه استمع اليها، ولم اكن في مراهقتي اعشق ام كلثوم او اختار سماع اغنياتها، في الليل كان صوتها ياتيني من نوافذ الجيران الملتهبة بنار السهر والعشق على كأس من العرق، اما فيروز فكان صوتها يحضر في الصباح يدخل كنسائم البحر مع فنجان القهوة، لكن اصوات هؤلاء وان كان لها جمهورها ومحبيها الذين لا يحصوا ولا يعدوا، لم يثيروا في الصخب في المشاعر، يغنون بجمود الحركات نفسها، الوقفة الثابتة، الوجوه الصلبة التي لا تثير اي مشاعر، احيانا تتمنى لو انك تسمع الصوت ولا ترى الصورة، لك ان تتخيل ربما افضل من ان تشاهد، لكن مع عبد الحليم تسمع الصوت وتشاهد وتتفاعل حتى ان قلبك يخفق وعينك تبكي، احيانا ترمي عن ظهرك هموم الحياة لتشهد على وجع يمر كتب في قصيدة لنزار قباني او غيره، واحيانا يرقص قلبك وجسدك عندما تنجح او تعاكس القدر او تصاب بضربة حب غير منتظرة.

هذا هو عبد الحليم حي لا يموت ولا يمكن إختزاله بكلمات، هو الحب الذي لا نستطيع ان نحيا بدونه ابدا.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية