حظوظ زيلينسكي وصفعات أردوغان في قمة الناتو
د.خالد العزي
أراد فولوديمير زيلينسكي أن يصبح النجم الرئيسي لقمة الناتو، لكن الضيف الأوكراني لم يكن محظوظًا فقد ذهب هذا الدور إلى زعيم تركيا. إذ أصبحت زيارة الرئيس رجب الطيب أردوغان زيارة رئيسية لقمة الناتو والسؤال ماذا يعني ذلك لروسيا؟
قبل ساعات من وصوله إلى فيلنيوس، كتب زيلينسكي منشورًا ينتقد فيه الناتو كونه ضعيفًا. وفي الطريق إلى فيلنيوس قال: “تلقّينا إشارات تفيد بأن صياغات معيّنة تتمّ مناقشتها من دون أوكرانيا”، متابعاً: “أودّ أن أؤكد أن هذه الصياغة تتعلّق بدعوة أوكرانيا إلى أن تصبح عضواً في (الناتو)، لا في شأن عضويتها في الحلف. إنه أمر غير مسبوق وسخيف عندما لا يتمّ تحديد إطار زمني لا للدعوة ولا لعضوية أوكرانيا”.
بدا زيلينكسي مستاءً من فكرة أن “الظروف لم تكن مهيأة لـمجرّد دعوة كييف للانضمام، ناهيك عن العضوية الكاملة”، التي ستتأجل وفقا للناتو الى ما بعد انتهاء الحرب واستيفاء الشروط.
زيلينسيكي في خطاب ألقاه بتاريخ 11 تموز/يوليو الحالي لم يقل انه سيكون حاضرا في فيليوس شخصيا، لكنه قال انه لشرف لي ان امثل مثل هؤلاء الناس واوكرانيا، وهي مناسبة لعقد اجتماعات ثنائية بين دول مختلفة من اميركا واوروبا واسيا. لكن بدا واضحا أنه لم يكن هناك استعداد لدعوة أوكرانيا إلى الناتو أو جعلها عضوًا في الحلف، لابقاء الإمكانية للمساومة مع روسيا ومن هنا كان عدم اليقين نقطة ضعف للرئيس الأوكراني.
خطاب زيلينسكي الذي يؤكد على دور اوكرانيا في الحلف لانها تدافع عن أمن اوروبا وتحمي حدود الناتو، لم يرد في البيان الذي يجب الانتباه الى صياغته ما يثبت حقيقة ان أوكرانيا ستكون في الحلف، وفي هذا الخصوص، نشرت المجلة الأمريكية الرسمية Politico مقالاً جاء فيه أن كلمات زيلينسكي أثارت السخط بين الدبلوماسيين الغربيين وأن رئيس أوكرانيا “يذهب بعيداً” في هذه القضية.
ووفقًا لصحيفة The Guardian البريطانية، فإن انتقادات زيلينسكي العلنية كانت تهدف إلى إجبار الحلفاء على إعادة كتابة البيان بعد القمة. ومع ذلك، فإن الابتزاز ونوبات الغضب، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة السياسية في أوكرانيا في فترة ما بعد الحرب، لم تكن موضع ترحيب في الناتو.
في البيان الختامي، تم تسجيل الوعود فقط بتزويد أوكرانيا بالسلاح وتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بجميع أنواع الدعم، ولكن تم تأجيل مسألة انضمام البلاد إلى التحالف مرة أخرى إلى وقت لاحق. وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ: “حتى تفوز أوكرانيا، لن تتم مناقشة أي عضوية”.
لم تتم دعوة زيلينسكي إلى محادثات رفيعة المستوى على الإطلاق. لقد تحدث في رسالته عن حقيقة أن أوكرانيا لا تتلقى أي ضمانات محددة للانضمام إلى الناتو. لذلك، بدلاً منه، أصبح أردوغان يتصدر القمة.
وبالرغم من أن القمة اتخذت عدة قرارات بما يتعلق بأوكرانيا وتحديدا بمسار العضوية وهي ثلاثة (برامج دعم جديد متعدد السنوات لأوكرانيا يمكنها الانتقال الى عقيدة الناتو، تشكيل مجلس جديد لأوكرانيا والناتو منتدى للمشاورات وصنع القرار، أوكرانيا ستصبح عضوا لاحقا في الناتو بعد إزالة العقبات.
اتضح أن دول الناتو قد دفعت نفسها إلى فخ العلاقات العامة في هذا الاتجاه. فاليوم الثاني للقمة 12 تموز\يوليو الحالي خصص بالكامل للمشكلة الأوكرانية، فضلاً عن القرار البارع بقبول انضمام هذا البلد إلى حلف الناتو في وقت لاحق، ولكن بدون “خطة عمل العضوية”، وتأكيدات على الوقوف الى جانب زيلينسكي إلى النهاية.
نتائج اليوم الأول للقمة، بينت وجود خلافات خطيرة في التحالف حول أوكرانيا. مع إنه كان لدى الناتو عام كامل للتوصل إلى لغة تناسب جميع أعضاء المنظمة. لكن “التغلب” عليها لم يحدث، ولم يتم العثور على الصياغة اللازمة، والجميع غير راض ولا تزال الخلافات قائمة.
وبالنسبة الى أردوغان فهو كان شخصية رئيسية في قمة الناتو، إذ كتبت صحيفة “فزغلياد” الروسية المقربة من الكرملين بتاريخ 11 تموز / يوليو 2023، القمة مختلفة تمامًا بحضور رئيس تركيا أحد مثيري الشغب الرئيسيين في التحالف، حيث تفاجأ الجميع بالافصاح عن فك أسر عضوية السويد من قبل تركيا حيث قال رجب طيب أردوغان: “إن انضمام السويد إلى الناتو سيكون ممكنًا بعد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. رداً على ذلك، وعدت ستوكهولم بالضغط من أجل مصالح أنقرة في الاتحاد الأوروبي. وقال ستولتنبرغ إن تركيا وافقت مع ذلك على انضمام السويد إلى الناتو، لكن المستشرفين يعتقدون أن أردوغان قد يستمر في تأخير حل هذه القضية.
التقى أردوغان بالرئيس الأمريكي جو بايدن في اجتماع موسع، وحضر المحادثات وفد تركي مثير للإعجاب، مؤلف من وزير الخارجية هاكان فيدان إلى رئيس المخابرات إبراهيم كالين ووزير الدفاع ياسر جولر. وقال أردوغان خلال الاجتماع إن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة تتحرك إلى “مرحلة جديدة”.
لم يكن متوقعا فك أسر ادخال السويد الى الناتو بالرغم من أن أردوغان أرسل اشارات مختلفة بهذا الخصوص انطلاقًا من استقبال الرئيس الأوكراني في اسطنبول والسماح له باصطحاب خمسة من قادة آزوف.
فإن الرئيس التركي الذي منع دخول السويد إلى التحالف لفترة طويلة، لكنه توقف عن فعل ذلك، ولم يتركها تحزم امتعتها والتوجه نحو الشمال . ويمكن القول بان اردوغان بات يعتقد أن الوقت قد حان لإجراء مشاورات على مستوى رؤساء الدول في إطار الآلية الاستراتيجية. والبدء بمرحلة جديدة”، في إشارة واضحة إلى الوعود الأمريكية الطويلة الأمد التي لم يتم الوفاء بها بتزويد تركيا بطائرات F-16 وإعادتها إلى مشروع إنتاج F-35، حيث تم طرد أنقرة من هناك لشرائها. أنظمة الدفاع الجوي S-400 من روسيا.
لذا يواصل أردوغان التصرف بشكل عملي ويحقق نجاحًا كبيرًا فيما يُعرف عمومًا بـ “السياسة متعددة النواقل”. فالزعيم التركي يتعاون استراتيجيًا مع روسيا، لكنه في نفس الوقت يفي بالتزاماته تجاه الناتو، يتاجر مع الولايات حول أي قضية، لكنه لا يصعد إلى الهياج أيضًا. وهكذا، كانت قمة فيلنيوس ناجحة لأردوغان .
لقد سدد اردوغان صفعة قوية لروسيا بالافراج عن عضوية السويد وانضمامها الى الحلف وايضا في استقباله للرئيس زيلينسكي في تركيا ومساندته والقول بان لأوكرانيا الحق الكامل باستعادة اراضيها المحتلة .
لقد أثبت أردوغان امام روسيا والغرب تفرد دوره وقراره، ومن النتائج المهمة الأخرى للقمة فعالية الإجراءات الديبلوماسية الروسية لمنع توسع الناتو. ففي الواقع، لم يغير الناتو موقفه بشأن أوكرانيا منذ عام 2008، أي منذ ما يسمى بإعلان بوخارست فإن الناتو ينقل إلى أوكرانيا المسؤولية الكاملة عن نتيجة المواجهة مع روسيا. والتحالف كما كان يقول: نمنحك أسلحة، وتكتشفها بنفسك. وبناء على نتائج أفعالك، سنقرر ما إذا كنا سنقبلك في التحالف أم لا.
فهل يمكن القول بان أردوغان خسر حقًا زيلينسكي، وخسرت القضية الأوكرانية أمام القضية التركية. أراد حلف الناتو أن يصل بالقمة إلى بعض النتائج الواقعية على الأقل، وكانت هذه النتيجة موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الحلف، وإن كان ذلك بدون موعد محدد.