التصوف كما يراه المستشرق الإنجليزي نيكلسون
كاركاسون- المعطي قبال
إلى جانب آرتر جون أربري، يعتبر رينولد ألين نيكلسون (1868-1945) أحد المستشرقين الكبار المتخصصين في الفكر الصوفي وفي الأدب الإسلامي. وإن اكتشف، ترجم وحلل آربري كتاب المواقف والمخاطبات للنفري، فإن نيكلسون كان أول من ترجم من الفارسية إلى اللغة الإنجليزية بعض مؤلفات جلال الدين الرومي، كما عكف على دراسة تاريخ التصوف، نشاته وتطوره واتجاهات. وقد نقلت إلى العربية بعض من أعماله في التصوف الإسلامي وكذا في الأدب وأعلامه القدامى. عطاء وإنتاج المدرسة الإنجليزية في تاريخ التصوف الإسلامي له خصائصه ومميزاته وقد انصب على أرشفة التراث الصوفي بالمشرق الذي يعتبر مهد ألمدارس والتيارات الصوفية قبل أن يصبح المغرب قطبا رئيسيا لها.
في مجال البحث الأكاديمي الفرنسي لا تحظى أعمال نيكلسون بالاهتمام المستحق، وذلك راجع إلى التمايز والتباين في مقاربة تاريخ التصوف بين المدرسة الإنجليزية والمدرسة الفرنسية التي كان منشطوها الرئيسيون كل من لويس ماسينيون، هنري كوربان، روجيه أرنالديز، إيفا دو فيتراي مايروفيتش، وغيرهم… لكن ثمة اسباب وتبريرات أخرى أهمها ارتباط الاستشراق بالظاهرة الاستعمارية التي سمحت للباحثين الإنجليز بتجميع النصوص ونقلها إلى المكتبات والخزانات الإنجليزية .
المهم أن أعمال نيكلسون لم تكن رائجة ومعروفة في أوساط المتخصصين الفرنسيين بالشكل الكافي هذا مع العلم أن هذه الأعمال لم تترجم بالكامل إلى الفرنسية. اليوم وفي الوقت الذي يعرف فيه التصوف شبه طفرة روحية، بدأت ملامح العمل الذي أنجزه نيكلسون والمدرسة الإنجليزية عموما في كسب مكانة وأهمية لا يستهان بها. الكتيب المترجم عن الانجليزية إلى الفرنسية الصادر مؤخرا عن «منشورات إي» في عنوان «التصوف في 101 تعريف» يدخل في هذا المجال.
التعريف بالتصوف كان أحد المشاغل التي حظيت باهتمام المستشرقين. فقد حرص كل منهم على تقديم تعريف خاص حتى وإن التقت التعريفات أحيانا من حول معنى واحد ودلالة واحدة. لذا خصص نيكلسون هذا الكتيب لتقديم 101 تعريف ليخلص في الأخير إلى استحالة تقديم تعريف شامل وتوافقي تبعا لقوله جلال الدين الرومي نفسه بأنه يستحيل تقديم تعريف واحد أحد.
انطلق نيكلسون من نصوص القشيري، العطار والجامي للوقوف عند نشأة وتطور التصوف. ركز على السنوات الأولى لنشاته، مع العلم أن التصوف عرف فيما بعد تطورا هائلا. واعترف نيكلسون بقصر محاولته التي لم تأخذ بعين الاعتبار العمل الذي أنجزه الحجويري الذي اعتبر أن التصوف عرف قبل الإسلام حيث كان يعرف المتصوفة باسم: «أهل الفضل والصلاح»، غير أن التعبير أصبح شائعا في القرن الثاني هجري ولم يخالف نيكلسون في هذه النقطة رأي القشيري في رسالته المعروفة. التصوف ليس بتوجه نما على هامش أو خارج المنظمومة الإسلامية بل هو تيار محايث للإسلام، نابع من جوانيته. وقد كان قسم من السلف الصالح مشبعا بروح التصوف. ويشرح الكالاباذي في كتابه «التعرف» حالة ووضعية التصوف بعد وفاة الرسول. لذا لا يعارض التصوف الإسلام بل يعتبر تعميقا له.
من خلال تعريف كلمة تصوف كما قدمها كبار وقدامى المتصوفين، وقد وردت كلمة «صوف»، «صفاء»، «صفوة» للتعريف بكلمة تصوف، نتعرف على دلالة وتنوع المفهوم وطريقة تأويله. كما نقف عند المنظومة الفكرية السائدة في كل حقبة. هكذا فالتعريف الذي قدمه معروف الكرخي ليس هو تعريف ابو سليمان الدراني أو بشر الحافي أو ساري السقطي الخ..تكل تعريف من التعريفات 101 التي يتضمنها الكتاب تعبر عن حالة نفسية واجتماعية ودينية نقرا فيها عزلة المتصوف وهامشيته ورغبته في التوحد بخالقه.
تبقى مقاربة نيكلسون مقاربة كلاسيكية، تابعة وغير مجددة في قراءة لغة التصوف معنى ومبنى. تشبث بالظاهر ولم يسبر كنه الباطن.