لأن لا شىء أخطر من الحوار مع إيران .. روبرت مالي مقصيا
د.خالد العزي
من الواضح ان الولايات المتحدة الأميركية انهت مهمة روبرت مالي، كمبعوث أميركي للشأن الإيراني، وهذا ما أشرت إليه الخارجية الأميركية حيث قامت بحذف سيرة مالي من موقعها الإلكتروني واستبدال صورته على حساب المبعوث الأميركي في “تويتر” بصورة أبرام بيلي.
إقصاء مالي من منصبه ليس حدثاً عادياً، فالرجل من أركان الدبلوماسية الأميركية تجاه إيران، المدشنة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والتي ولد من رحمها الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وهي السياسة التي استؤنفت في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
بدا الكونغرس محرج من محاولات وزارة الخارجية التستر على تحقيقات مكتب التحقيقات الفدرالي، واتهمت وزارة الخارجية الأمريكية بمحاولة عرقلة التحقيق مع المبعوث الخاص لإيران روبرت مالي، الذي حقق معه مكتب التحقيقات الفيدرالي للاشتباه في إساءة التعامل مع وثائق سرية. اشتكى مجلس النواب الأميركي من رفض الوزارة تقديم أي معلومات حول ما يُتهم به الدبلوماسي بالضبط. حيث يُنظر إليه على أنه متوافق للغاية مع مطالب طهران، مما أدى إلى زيادة الشكوك المقابلة. لكن السلك الدبلوماسي الأمريكي يعاني بشكل منهجي من مشكلات التوثيق السري.
وشكا مايكل ماكول رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب من تصرفات البعثة الدبلوماسية. رسل الحزب الجمهوري طلبًا رسميًا إلى وزارة الخارجية، لكن تم رفض السماح له بتلقي “وثائق أو معلومات إضافية تتعلق بفحوصات أمن الأفراد”.
ابعاد روبرت مالي عن مهمته ليس أمرا عاديا حيث باتت الاشكالية تأخذ نوعا من الصراع بين الخارجية والكونغرس الذي يقول بانه يستحق أن يعرف بالضبط سبب منع المبعوث الأمريكي الخاص لإيران من الوصول إلى مواد سرية، مما سبب بإزالته من منصبه، وإنه واجه تحقيقًا من مكتب التحقيقات الفيدرالي. ويشير الجمهوري إلى أن مالي مكلف بمهمة الحوار مع إيران، و”لا شيء يمكن أن يكون أكثر خطورة”.
تعيش الدبلوماسية الامريكية نوعا من الصراع المخفي منذ فترة طويلة حيث أصبحت القضية المتعلقة بروبرت مالي بالجهاز الخاص التابع لوزارة الخارجية الذي يجري تحقيقات سرية بملف التسريبات التي قدمها مالي لإيران الذي يفاوضها باسم الخارجية التي كلفته بمتابعة الملف حيث اصبح مسرب للاخبار وربما اكثر الى جاسوس لصالح ايران. حيث تقوم هياكل المخابرات بالاطلاع على الملف الشخصي وهل كان يجب منحه إذنًا للعمل مع المعلومات السرية. لكن حتى الآن، تم إيقافه عن الخدمة. وقد يكمن السبب، كما ورد على مستوى المحادثات الإعلامية شبه المجهولة مع المسؤولين الأمريكيين، في حقيقة أن المبعوث الخاص ربما استخدم بشكل غير مهني وثائق مصنفة على أنها “سرية”، بما في ذلك كجزء من مهام إقامة حوار مع المسؤولين الإيرانيين.
هذه الحادثة فتحت زاوية منفصلة للهجوم على الإدارة الرئاسية الأمريكية من خلال محاولتها الواضحة للتقليل من أهمية الفضيحة وإخفاء الأسباب الحقيقية استجابة للطلبات الواردة. حيث يتم الاعلان عن ان مالي في إجازة شخصية طويلة، حيث كان على السلطة التنفيذية إبلاغ الكونغرس مسبقًا بأن الشخص المسؤول غير مخول لأداء عمله.
ويجادل بعض أولئك الذين عملوا مع البيت الأبيض، خاصة خلال سنوات دونالد ترامب، بأن مالي متساهل للغاية مع المطالب الإيرانية. ويقول آخرون إن المبعوث الخاص يتمتع بكل ميزات لاعب الفريق الذي يحقق رغبات رئيس الولايات المتحدة من الناحية النوعية. في فريق مفاوضات “الاتفاق النووي”، وخاصة بان أمريكا كانت حذرة جدا بالتحدث مع طهران .
واليوم يتم تنفيذ واجبات المبعوث الخاص من قبل نائبه أبرام بالي. وهذا التعيين لا يتطلب موافقة من الكابيتول هيل، ولكن إذا كانت نتائج التحقيق، يجب على مالي الاستقالة، فعندئذ فإن أي شخص ترشحه إدارة بايدن كمبعوث خاص دائم سوف تحتاج على الأرجح إلى موافقة مجلس الشيوخ، وستكون مثل هذه البيئة حساسة بشكل خاص بالنظر إلى أن فريق التفاوض الأمريكي قد عانى من استنزاف عدد من الموظفين منذ عام 2021 ، غالبًا استجابة لغضب الدبلوماسيين الأفراد من استعداد البيت الأبيض لتقديم تنازلات لطهران.
الأخطاء في التعامل مع الوثائق السرية ليست بالأمر المفاجئ للسلك الدبلوماسي الأمريكي:
ففي عام 2000، فقد السفير الأمريكي آنذاك لدى إسرائيل مارتن إنديك إمكانية الوصول إلى وثائق سرية وسط تحقيق مفتوح لمكتب التحقيقات الفيدرالي. تم تقديم سبب الشك من خلال الاشتباه في أن الدبلوماسي قد انتهك بشكل متكرر قواعد التعامل مع الأوراق الرسمية. كان إنديك يشتبه في أنه لم يقم فقط بإعداد مذكرات حول اجتماعات مع ممثلين أجانب على “أجهزة كمبيوتر غير آمنة” أثناء السفر، ولكن أيضًا أخذ مواد سرية إلى المنزل للمراجعة.
ففي عام 2014، كان الدبلوماسية روبن رافيل، الذي قدمت المشورة لوزارة الخارجية بشأن المساعدات المدنية لباكستان، موضوع تحقيق لمكتب التحقيقات الفيدرالي. حيث تم إلغاء تصريحها الأمني وإنهاء عقدها وسط شكوك بأنها كانت تتجسس لصالح إسلام أباد وتستخدم بشكل تعسفي بيانات حساسة. استنادا إلى الاتصالات التي اعترضتها المخابرات الأمريكية بين المسؤولين الباكستانيين الذين روا لبعضهم البعض ما زعم أن رافيل قالته.