شوشو .. عبقري الكوميديا أقلقته المدينة والحرب أحرقت ما تبقى (1)
د. إبراهيم حلواني
الجزء الأول: شوشو قبل أن يولد
مقدمة
قرأت الكثير لمن كتبوا عن شوشو، ولكنّ أكثر كتاباتهم كانت سردًا تاريخيًّا لحياته أو لمسيرة عمله، أو توثيقًا، في أغلب الأحيان غيرَ كامل، لأعماله في التلفزيون والسينما والمسرح. لم أجد من ينصف حسن علاء الدين في فنه وعبقريته والشخصية الفكاهية التي صنعها “شوشو”.
نعم، نجد في الإنترنت، مع بعض الأخطاء للأسف، كثيرا من المقالات عن شوشو، ولكنها لا تتحدث إلا قليلا عن مزاياه الفنية. ونجد كثيرين ينسخون وينسخون، … بدون إضافات تذكر، وبدون تحليل جدي للعوامل التي جعلت من حسن علاء الدين النجم الكبير شوشو.
في الواقع، لكي تكتبَ مُنصِفًا عن شوشو يجب أن تكون على معرفة وإدراك بأسرار العمل الفكاهي ودقائقه وشروط نجاحه. وإلّا فإن حديثك سيكون عموميات وشطحاتٍ لغوية فضفاضة يمكن لأي كان أن يأتي مثلها.
ولكي أتحدث عن شوشو لا بد لي أن أخوض، بين فقرة وأخرى، في الحديث عن محمد شامل، الأب الروحيّ لشوشو والحاضن الموجّه له ونافذته إلى واقع العمل الفكاهي، رحمهما الله جميعا.
تأتي مقالتي عن شوشو في ثلاثة أجزاء: شوشو قبل أن يولد – شوشو مع محمد شامل – التعبير الفكاهي عند شوشو والمسرح
بطاقة تعريف سريعة
الإسم: حسن خضر علاء الدين، … الأسم الفنّي: شوشو
المولد: بيروت 26 شباط 1939، الأصل من بلدة جون في جبل لبنان الجنوبي.
الوفاة: بيروت 2 تشرين الثاني 1975.
هناك اختلافات في المراجع حول تاريخ ولادته ووفاته، ولكنها غير مهمة إذ لا تتعدى الشهر الواحد.
ألخص مراحل عمله في سطور:
ــــ سنة 1953 قدم أول مسرحية له “عنتر بالجندية” على مسرح الخلية السعودية في بيروت، وكان عمره 14 سنة.
ــــ في عقده الثاني، قبل العشرين، كان يقدم أعمالا فكاهية على مسرح فاروق وفي صالات مختلفة، وأحيانا في العراء.
ــــ في وقت ما بين سنوات 1960 ـــ 1962 تعرّف إلى الكبير محمّد شامل الذي فتح له الطريق ليشارك في أعمال إذاعية بسيطة.
ـــــ ما بين السنتي 1961 ــــ 1962 كان أول ظهور تلفزيوني له في برنامج أطفال من إعداد محمد شامل.
ــــ سنة 1965، وربما قبل ذلك قليلا، تزوج من ابنة محمد شامل.
ــــ أواخر 1965 أسس مع نزار ميقاتي “المسرح الوطني”.
ـــ نجح مع محمّد شامل بشكل لافت، ولكن نجاحه الأكبر تكرس في المسرح، ولمع نجمه خاصة في الخمس الأخيرة من سنيّ حياته: 1970-1975.
الموهبة المبكرة
من الشائع أن تصادف في حيّك فتى دون الثانية عشرة لديه موهبةٌ مبكرة في الرسم أو العزف أو ما شابه، ولكن ليس شائعا أن تجد فتى في ذاك العمر يحاول أن يقلّد أو يتقمص أدوارَ شخصياتٍ مسرحيّة معروفة. تلك ظاهرة نادرة.
تزودنا المراجع بمقتطفات عن طفولة حسن علاء الدين:
“كان موهوباً منذ صغره. كان يتفنن في تغيير شكله ويتقمص شخصياتٍ مسرحية أو سينمائية معروفة. كما كان يجمع بعض أقرانه ليقوموا بـ “تمثيليات” ويسردوا قصصاً ويتباروا في ما بينهم”.
تلك البوادر التي قلّما يأتيها فتى في العاشرة أو الثانية عشرة شكلت أول دليل على موهبة حسن علاء الدين الفنية، إذ كانت موهبة ظاهرة وقوية إلى حدّ جعلته يشكّل في أول طلعته فرقة فكاهية صغيرة.
يجب أن نأخذ في الحسبان أنّ الفرصَ لم تكن كبيرة أمام ذاك الفتى ليطّلِعَ، وقتَ تفتحه على الحياة، على عروض فكاهية. ففي بداية الخمسينات، أوائل العقد الثاني من عمره، بالكاد استطاع متابعة فقرات فكاهية، على الأغلب لشامل ومرعي في الإذاعة البريطانية أو الإذاعة اللبنانية، إلى قلّة من أفلام مصرية لإسماعيل يس وغيره، أو شرائط كانت رائجة وكان يترقبها في السينما، ربما، لشارلي شابلن ولوريل وهاردي. في فتوّته، وحتى 1960 لم يكن ثمّة بث تلفزيوني في لبنان.
بداية بناء “شوشو”
من كان يريد أن يدرس شخصية شوشو عليه أن يُمحّص في حياة حسن علاء الدين قبل بلوغه العشرين. في الثانيةَ عشرةَ من عمره كانت موهبتُه في التقليد والتمثيل الفكاهي واضحة وتوّاقة إلى الظهور.
عام 1953 وعلى مسرح الخلية السعودية في بيروت، قدّم مع بعض الهواة أول مسرحية له: “عنتر بالجندية”.
ثمّ هاهو يتابع هوايته خِفيةً عن أهله في مسرح فاروق حيث كان يقدم وصلات فكاهية ويمثل شخصيات مبتكرة جديدة. أن تجد فتى في الرابعة عشرة يقدّم مسرحيّة أمام جمهرة من الناس على مسرح، ثمّ يتابع ما يعشقه على غفلة من أهله، هنا وهناك وهنالك، مبتكرا شخصيات وحركاتٍ، فذلك يعني أنك أمام موهبة تصرّ على شق طريقها بأي ثمن.
حسب رؤيتي، فإنّ تلك الممارسات الشغوفة ومحاولات تحقيق الذات المبكرة سيكون لها تأثيرها البالغ في بناء شخصية شوشو القادمة، وفي رشاقة أدائه وغنى حركاته ومهاراته في الارتجال والابتكار في المستقبل.
النجاح الذي أصابه حسن علاء الدين لاحقا في أعماله التلفزيونية ثم المسرحية، تعود جذوره إلى تلك الفترة التأسيسية من حياته قبل أن يصبح شوشو. فترة عاشها بكل جوارحه، شاحذا موهبته، واثقا بقدراته، مختبرًا تجاوب الحضور، متمرنا، متثبتا، ومستمتعا بكل ما يقدمه.
ليس سهلا أن تُضحك الناس
من السهل أن تكتب قصة لفيلم مأساوي، فما أكثر المآسي في العالم، ولكن ليس سهلا أن تخترع نكتة جديدة. من السهل، أن تمثل دور أب مفجوع، أو شاب فقد عمله، ولكن ليس سهلا أن تأتي حركات تفجّر ضحكا.
لكي نفهم بحق قدرة حسن علاء الدين وعبقريته الفذة في الإضحاك لا بدّ أن نستعرض قليلا شروط الكوميديا الناجحة، الخّصها على طريقتي:
ــــ هناك ما يتعلق بالتأليف من قصة وحوار وتفاصيل:
تقوم القصة على موضوع وحبكات طويلة أو قصيرة، ومواقف يجب أن تكون طريفة.
ـــ هناك ما يتعلّق بالتمثيل الفكاهيّ من موهبة وقدرات تعبيرية وعمل:
الموهبة ضرورية للابتكار والتجديد، والتعبير هو واجهة العمل الفكاهي ومحوره، والعمل يشمل التحضير والتمرن والأبحاث والدراسة والتحليل والنقد.
ـــ هناك أمور داعمة ضرورية مثل الإخراج والإنتاج:
الإخراج يشمل إدارة العمل من جميع جوانبه والتقرير في الأمور الفنّيّة، أمّا الإنتاج فوظيفته تأمين الموارد المادّيّة الضرورية.
شخصيا، أرى أنّ طريقة التعبير هي من أهمّ مظاهر نجاح الكوميديّ. قد يكون التعبير بالحركة أو تقاسيم الوجه أو طريقة اللفظ أو الصوت أو بردة الفعل. إذا استعرضتَ كلّ الفكاهيين في العالم تجد كلًّا منهم يتميّز بطريقة تعبير فكاهيّة خاصة به.
أين كان حسن علاء الدين من تلك الشروط، على الأقل الشروط التي تتعلّق بالممثل الفكاهي؟ من عرف شوشو علم أنّه امتلك طريقة تعبير فريدة وطوّرها فكانت هي سر نجاحه وتميّزه.
هل كان شوشو “مهضوما”؟
الموهبة شرطٌ أساسٌ لنجاح العمل الكوميدي.
ففي الكوميديا تقوم الموهبة على الابتكار وقوة التعبير والتمثيل، وقد تكون مدعومة أحيانا بخفة الظلّ. شخصيا، لا أرى خفة الظلّ (الهضامة) شرطا للنجاح. بعض كبار الكوميديين في العالم، لم يكونوا خفيفي الظل.
إسماعيل يس، في رأيي وفي رأي كثيرين، وبالرغم من شهرته وإرثه الكبير، لم يكن خفيف الظلّ، أرجو ألا يغضب علي أحد. من خفيفي الظل يمر في خاطري: فادي رعيدي، فريال كريم، إبراهيم مرعشلي، فهمان، دريد لحام (في بداياته)، ماري منيب، يونس شلبي، عبد المنعم إبراهيم، جورج سيدهم، زينات صدقي، … ولكن، قد لا تجتمع أذواق الناس على هذا الأمر… فماذا أقول إذن عن الباقين ممّن حلقوا في عالم الكوميديا؟
أولئك نجحوا لأسباب أخرى أهمّها العمل والتحضير وموهبتهم في الابتكار والتمثيل وقوة التعبير.
في مقالة الغد الجزء الثاني (شوشو مع محمد شامل).