عودة الدب الروسي إلى افريقيا!
عبد العلي جدوبي
عدة رسائل جرى صياغتها بعناية فائقة، تضمنها خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة سانت بطرسبوغ الروسية، أمام رؤساء ووفود الدول الافريقيه، وهي رسائل ذات أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية واضحة، موجهة إلى الرأي العام الروسي وإلى أوكرانيا، وإلى الدول الغربية وإلى دول العالم، تتلخص وكما جاء في الخطاب، في أن النظام الاستعماري الغربي يقترب من نهايته لمصلحة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، كما أن المشروع الأمريكي حسب بوتين الطامح إلى إلحاق هزيمه بروسيا سياسيا وعسكريا واقتصاديا قد فشل.
هذا، ومما جعل أقطاب الدول الغربيه في ذهول، تلويح الرئيس الروسي بجاهزية الأسلحة النووية الروسية، وهو تهديد صريح للغرب، جعل العالم يعيش فوق فوهة بركان!!
سباق محموم
والملاحظ أن القارة الإفريقية شهدت الآونة الأخيرة، نشاطا محموما لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمت زيارات متتالية من طرف شخصيات رفيعة المستوى روسية وأمريكية إلى عدة دول إفريقية، بهدف التأثير على عدد من الرؤساء الأفارقة للاصطفاف بجانب هذا الطرف أو ذاك، بينما تراجع النفوذ الأوروبي وتغلغل الصين في القارة، وذلك لإعادة بناء علاقات جديدة على كل المستويات والأصعدة؛ وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استضافت في ديسمبر الماضي قمة أمريكية إفريقية، بهدف استعادة جزء من هيمنتها، وذلك ضمن إعادة ترتيب النفوذ في العالم ما بعد حرب اوكرانيا..
وذكرت صحيفه “الفيجارو” الفرنسيه أن افريقيا تعد إلى جانب الصين من أكبر الداعمين لروسيا في مواجهة العزلة التي يحاول الغرب فرضها عليها، وهي الكتلة الكبرى في الأمم المتحدة (54 دولة)، والأكثر انقساما بشأن القرارات التي تنتقد حرب أوكرانيا.. ويفيد تقرير موقع بوليتيكو الأمريكي أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم نفس الطريقه التي تنهجها إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، والمساعدات التي قدمتها إلى كييف، باعتبارها ورقة لتسويق استراتيجيتها في افريقيا، وإقناع مزيد من زعماء القارة في الدخول في تحالفات معها ضد تنامي النشاط الروسي الصيني في افريقيا، وهناك حسب المراقبين ميولا من طرف افريقيا لمساندة روسيا في حربها ضد أوكرانيا، يعود لأسباب تاريخية خلال حقبة العهد السوفيتي، حيث ضخت موسكو آنذاك السلاح وقدمت مساعدات لوجستيكية للقارة في سعيها لمواجهة النفوذ الامريكي.
نفاق الدول الغربية
والقناعه التي يحملها الكثيرون حول العالم، خاصه البلدان الافريقية والسائرة في طريق النمو، هو أن الغرب بقيادة أمريكا منافق ويعتمد معايير مزدوجة، ويستدل على ذلك عندما تجاهلت واشنطن قرارات الأمم المتحدة وموقف الرأي العام العالمي، وقامت بغزو العراق بأعذار واهية، مما أدى إلى وقوع العراق في براثين عنف دموي لعدة سنوات، ما تزال آثاره قائمة حتى اليوم.. فقد رصدت أمريكا 55 مليار دولار لافريقيا من أجل استمالة دول القارة نحوها، تتضمن مساعدات مختلفة، كما تحاول دعم القارة على الساحة الدولية مع مقعد في مجلس الأمن الدولي وتمثيل الاتحاد الافريقي في قمة مجموعة العشرين.
ويثير النفوذ الروسي المتنامي في الدول الافريقية مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من مغبة توسيع الروس في القارة، وقد حذرت واشنطن كل من روسيا والصين من أن تنامي نفوذهما في افريقيا، خوفا من أن يخلق حالة من عدم الاستقرار بالمنطقة كما ترى واشنطن .
والملاحظ أن عقد القمة الروسية الإفريقية، تزامن مع انسحاب موسكو من الاتفاق الذي يسمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود، والذي تعتبره الأمم المتحدة مهما جدا، لكونه يحافظ على التوازن في الأسعار ويمنع وقوع أزمة غذائية عالمية.
البعد الاستراتيجي لإفريقيا
تكتسب القارة الإفريقية حسب الأمم المتحدة، بعدا استراتيجيا متزايدا خلال السنوات القليلة الماضية، على الرغم من التهميش والإقصاء الذي عانت منه للعقود السابقة، ولا سيما بعد رحيل الاستعمار الاوروبي منتصف وأواخر القرن الماضي، وقد فرضت الأهمية التي تتمتع بها القارة الإفريقية، إضافة إلى المعطيات الدولية على عدد من القوى العالمية، في مقدمتها الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، الدخول في حلبة تنافس موضع موطئ قدم لها هناك بما يحقق مصالحها ويفتح لها آفاق تحقيق أكبر قدر من المكاسب، وتعد قارة افريقيا ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا، وتبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كلم مربع، يشكل ما نسبته قرابة 20% من مساحة اليابسة والكرة الأرضية، تضم حوالي 800 مليون نسمة، تمثل قرابه 15% من مجمل سكان الكرة الأرضية، وهي تتمتع بثروات طبيعية وبموارد ضخمة غير مستثمرة بالشكل المثالي في معظمها، وتضم أيضا حوالي 10% من احتياط النفط العالمي، وحوالي 4000 كلم من مصادر المياه العذبه المتجددة في السنة.