الكابوس الفرنسي في افريقيا!
عبد العلي جدوبي
الظاهر أن خريطة النفود في إفريقيا قد تغيرت، ولم تعد كما كانت من قبل، ففرنسا التي تعودت على إبعاد رؤساء دول افريقيا الذين خرجوا عن طوعها عبر انقلابات وعمليات الاغتيالات لفائدة “الزعماء ” الأكثر إمتثالا لأوامرها؛ فرنسا اليوم وجدت نفسها بعد تنامي العداء لها من طرف الدول الإفريقية خارج رقعة القارة، بل ومحاصرة من طرف قوى عظمى من منافسين أقوياء.
إخفاقات فرنسية متواصلة في افريقيا بدأت في بوركينا فاسو ومالي وجمهورية افريقيا الوسطى، واخيرا النيجر تجلى هذا الإخفاق بشكل مثير للدهشة في أن المخابرات الفرنسية لم تتوقع بكل وسائلها صعود انقلابيين في بلد توجد به عناصر الجيش الفرنسي، وهذا يشكل صفعة أخرى لها في منطقه الساحل!
وتفيد تقارير صحفية بأن هناك جهودا مبذولة من طرف الأفارقة لإنشاء اتحاد كونفدرالي يضم كلا من بوركينا فاسو وتشاد والسودان وغينيا ومالي وأريتيريا.
تراجع فرنسي
وبالرغم من مواصلة فرنسا لدورها المركزي في افريقيا، إلا أن قوتها ونفوذها اخذ يتراجعان بشكل ملحوظ فقد تهاوت جاذبيتها في أعين الأفارقة، وذلك أمام فشلها في جلب الاستقرار لمناطق وجودها بالقارة، وكان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد قام لمرات عديدة بزيارات بلدان إفريقية، لكنه لم يوفق في حشد تأييد الدول التي زارها لسياسته في افريقيا وبدأ يردد دائما في خطبه أمام القادة الأفارقة، بأن روسيا تسعى لتقويض السياسة الفرنسية في افريقيا بتغدية المشاعر المتنامية ضد فرنسا .
وبينما بدأ الدور الامريكي يتراجع في إفريقيا وخاصة منذ عهد الرئيس الامريكي الأسبق دونالد ترامب ، بدأت فرنسا تفقد قوتها في القارة السمراء يوما بعد يوم، في وقت بدات فيه كفة النفوذ الاجنبي في المنطقة تميل نحو الروس الذين وجدوا في افريقيا متنفسا لهم وملاذا لتخفيف وطأة العزلة التي تعيشها موسكو على الساحة الدولية؛ وفي هذا السياق يمكن القول أن أنشطة مجموعة فاغنر تعتبر عاملا يدعم بشكل كبير النفود الروسي في افريقيا، كما اظهرت دول القارة ارتياحا من الوجود الروسي الصيني اللذان خلقا تعاونا مثمرا في عدة مجالات حيث قدما خدمات متعددة واستشارات سياسية للأفارقة.
وحتى دول المغرب العربي اعطت ظهرها لفرنسا وتمكنت كل من أمريكا وروسيا بفاعليتهما من تعزيز موقعهما في شمال غرب افريقيا، واستطاعت ان تكونان الحليف الاول عسكريا وأمنيا لدول المغرب العربي، مزيحة بذلك فرنسا من المنطقه..
محاولة تكريس الهيمنة
فرنسا حاولت تكريس برنامج استعماري جديد خلال السنوات الأخيرة “بتصدير ثقافي” قائم على الاستيعاب وإضفاء استمرار الهيمنة الفرنسية على البلدان الإفريقية كإستراتيجية لتهجين الهوايات الوطنية المحلية داخل منظمة الفرنكوفونية لاِصطفاف النخب الإفريقية وراء السياسة الفرنسية، لكن يبدو الآن و أكثر من أي وقت مضى، أن هذه السياسة بدأت في التراجع بعد تنامي العداء لفرنسا التي تستحوذ على الثروات الطبيعية لأربع دول إفريقية من ذهب والماس ومنغنيز ونفط.. فيورانيوم النيجر مثلا يوفر 20% لمفاعلات فرنسا النووية البالغ عددها 58 مفاعلا يعمل على توليد ما يقرب من 75% من الكهرباء لفرنسا كما أن عضوية فرنسا في مجلس إدارة البنك المركزي لدول غرب افريقيا تمكنها من بسط سيطرتها على أموال واقتصادات اقتصاديات 12 دولة من مستعمراتها السابقة، وتسعى جمهورية افريقيا الوسطى التخلص من الفرنك الإفريقي – الفرنسي ، وقد تتبعها دول اخرى تتعامل بهذه العملة التي يجري تداولها في 14 دولة إفريقية .
قبل سنوات صرح الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك قائلا: “دون افريقيا فرنسا ستنزلق الى مرتبه العالم الثالث” وقد سبقه سلفه فرانسوا ميتيران حيث قال نهاية الخمسينات قبل ان يتقلد منصب الرئاسة الفرنسية: “دون افريقيا فرنسا لن تمتلك اي تاريخ في القرن 21 !!
أنوار باريس وظلام إفريقيا!
والملاحظ أن جل دساتير المستعمرات الفرنسيه السابقه وضعت على المقاس الفرنسي، إذ توظف المؤسسة القضائية إبان فترات الإنتخابات لإبعاد المترشحين المعارضين لسياسة باريس، ويتم الدفع الى مراكز القرار بالموالين، وهكذا تمكنت فرنسا خلال السنوات الماضية أن تفرض هيمنتها على افريقيا في رسم معالم ونماذج الحكم في القارة الإفريقية والحفاظ على الوضع القائم، وتدعيم الأنظمة السلطوية بالبلدان الافريقيه.
وإذا كانت باريس عاصمة الأنوار، فان عددا من المدن الإفريقية ترزخ تحت ظلام دامس، ويعاني سكانها من الفقر المدقع (أقل من 3 دولارات للفرد الواحد يوميا) بنايات مهترئة وطرق تعلوها الاتربة_ لقطات مصورة تبثها القنوات التلفزيونية العالمية كل يوم _ في وقت تواصل فيه فرنسا استنزاف ثروات الافارقه فضلا على أنها تستثمر في قطاعات حيويه هامة، وتشغل الايدي العاملة بثمن بخس، بحكم ضعف القوانين المحلية وتواطؤ الزعماء ” المرتشين معها.
فهل آن الأوان لفرنسا لترفع راية الاستسلام للدب الروسي وللمنافسين الجدد في افريقيا؟ وهل سيصمت صياح الديك الفرنسي في القاره السمراء ولو إلى حين؟؟
Visited 6 times, 1 visit(s) today