ماذا وراء إخطار السفارات لرعاياها في لبنان؟
حسين عطايا
انشغل الرأي العام اللبناني وحتى السياسي منه، بما اقدمت عليه بعض السفارات من توجيه تحذير لرعاياها من الاقتراب من مناطق النزاع، وبعضهم طلب من مواطنيهم المغادرة على وجه السرعة.
لم يكن هذا الامر من خارج النطاق الرسمي لعمل السفارات والبعثات الدبلوماسية، بل يُعتبر من أساس عملها، كونها ومن خلال معطيات تمتلكها تُعطي النصح والارشاد لمواطنيها لكي يكونوا بمأمن من المستجدات والاحداث التي تدور.
من هنا كانت إنذارات السفارات هي من صلب عمل تلك البعثات العاملة في لبنان، ولكن بما أن الساحة اللبنانية متحركة دوماُ وفيها عوامل عديدة، حيث لاتوجد إدارة مركزية وحدها تُسيطر على الاوضاع بل دويلة من ضمن الدولة وبعض البؤر الامنية الخارجة عن نطاق عمل الدولة، خصوصاً في هذا الظروف الصعبة، فكانت السفارة السعودية اولى السفارات التي ذكرت رعاياها باستمرار قرار منع السفر إلى لبنان والطلب من مواطنيها إلى المغادرة سريعاً، كما لحقت بها سفارة الامارات العربية المتحدة، ثم البحرين والكويت من دول الخليج العربي، ومن ثم لحقت بها بعض السفارات الغربية والتي اقتصرت رسائل سفاراتها على توخي الحيطة والحذر.
قد يكون الامر عادياً وامراً روتينياً لولا ما ترافق ذلك الامر مع حِراكاً سياسياً وحتى عسكرياً يشهدها الاقليم من بحر العرب مروراُ بسوريا وصولاُ الى الحدود اللبنانية الجنوبية، يُضاف اليها بالطبع مايدور على الاراضي اللبنانية من حراك عسكري وأمني تشهده أكثر من منطقة وخصوصاً مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة صيدا.
هذا الحراك، تمظهر منذ فترة أسبوعين سبقت حين فشلت المفاوضا التي تدور في مسقط – عُمان، بين الايرانيين والامريكيين بعد أن كانا على وشك التوصل الى مشروع اتفاق نووي شفهي يُعطي ايران بعض الارباح وتأخذ إدارة الرئيس بايدن بعض النجاحات التي قد تُدعم مشروع ترشيحه لولاية ثانية في انتخابات العام 2024، لولا تراجع الطرفين نتيجة ظروف داخلية أوقفت العمل في الإعلان عن التوصل الى ذلك التفاهم، ولظروف وتقديرات كل طرف وفق معطيات داخلية.
هذا ما انعكس سلباً خصوصاً مع ترافق بعض الاعمال البهلوانية التي قامت بها البحرية الايرانية في بحر العرب وعلى مشارف مضيق باب المندب، يُضاف اليها مُطالبة ايران لحقوقٍ تدعي بأنها لها في حقل الدرة الكويتي – السعودي للغاز الطبيعي في المياه الاقليمية للدولتين الشقيقتين في بحر العرب.
وإذا اضفنا العامل الفلسطيني جنوباً ومايدور منذ فترة من تصرفات حزب الله واستنفاره وبعض تحركاته التي تُثير الريبة جنوباً وفي هذا التوقيت، مع ما يترافق من تصعيد باللهجة الامريكية في شمال سوريا ونيتها في اقفال المعابر الحدودية بين العراق وسوريا عبر معبر البوكمال وغيره من معابر والحشود التي تُرافق من قِبل الجانبين الامركي والمليشيات التي تدعمها، ومن الجانب الايراني – السوري والمليشيات التي تدعمها وتحشدها يُضاف اليها تصريحا قادة النظام السوري وبعض المليشيا الايرانيه الداعمة والتي تُطالب بانسحاب أمريكي، أي ما يُعرف بالتحضير لمعركة ادلب والشمال السوري الذي لايزال خارج عن نظام دمشق والمليشيا الايرانية بما فيها مليشيا حزب الله اللبناني.
كل هذه الأمور مٌجتمعة مع تطورات مايجري في بحر العرب من حشود أمريكية وقرار مرافقة قوات من المارينز الأمريكية للسفن التجارية العابرة لمضيق باب المندب لحمايتها من عربدات مليشيا الحرس الثوري الايراني، اجتمعت لتزيد وتيرة التوتر في منطقة الشرق الاوسط خصوصاً إذا ما أضفنا إليها تهديدات وزراء والقادة العسكريين الاسرائيليين والذي تُحذر لبنان وحزب الله بحربٍ قاسية قد تُعيد لبنان إلى العصر الحجري.
هذه الأمور اجتمعت لتزيد حجم التوتر على الساحة اللبنانية، مع ما يتظهر كل يوم عن فشل وترنح الاتفاق السعودي الايراني، نتيجة عدم التزام ايران بتفاصيل الاتفاق والبطء الشديد الذي يسير به، خصوصاُ انه لغاية اليوم تُحجم السلطات السعودية عن إعادة فتح السفارة والقنصليتين في كل من طهران ومشهد وتأجيل الموضوع الى وقت لاحق مما يُظهر بأن الاتفاق المذكور قد يصل في الأسابيع والأشهر القادمة إلى السقوط، إذا ما تحرك الراعي والضامن الصيني وفرض على ايران ضرورة الالتزام ببنود ومواد الاتفاق.
هذه الاوضاع المتوترة والمتحركة والمتسارعة قد يكون السبب الأساسي خلف دعوة السفارات الى تبليغ رعاياها بمغادرة الأراضي اللبنانية أو توخي الحذر، خصوصاً أن قرار منع السفر لازال ساري المفعول من قِبل السلطات السعودية والاماراتية والبحرينية منذُ قرار مقاطعة لبنان ومنع استيراد منتوجاته منذ ما يزيد عن السنة تقريباً.
فإذا، ولاننا نعيش في لبنان ظروف تختلف عن كل ما تعيشه الدول من استقرار سياسي وأمني يُتوقع أن تزداد الامور أكثر صعوبة خصوصاً إذا ما اقدم طرفي الصراع على الحدود الجنوبية اي حزب الله – واسرائيل على مغامرة ما للهروب من المأزق الذي يعيشه طرفي النزاع داخلياُ مما قد يؤدي الى تدهور الأوضاع على جانبي الحدود وتأخذ الامور تصعيدا دراماتيكياً يزيد التأزم ويدفع إلى حرب يدفع ثمنها على الأغلب المواطن اللبناني وما تبقى من مقومات دولة وصمود.
Visited 6 times, 1 visit(s) today