أفق: محمد زنيبر النشيد الأخير                                    

 أفق: محمد زنيبر النشيد الأخير                                    

 صدوق نورالدين  

      لا أعرف كيف سهوت عن الكتابة. وذلك، بخصوص صدور الأعمال الأدبية الكاملة للمبدع ورجل التاريخ الراحل محمد زنيبر (1923/1993). وكنت بالصدفة عثرت على نسخة في إحدى مكتبات وسط المدينة بالدار البيضاء، حيث حال ظرف الوباء دون التردد على العاصمة الاقتصادية. وإذ، تتأتى الفرصة، أشيد بالجهد الذي بدله وأقدم عليه أستاذ الفلسفة ورجل المسرح محمد مصطفى القباج(1940) الذي تولى جمع الأعمال الأدبية الكاملة و التقديم لها (2018/ دار أبي رقراق) بدعم من وزارة الثقافة. وكانت الأخيرة تكفلت من قبل بمهمة إصدار الأعمال الكاملة لأدباء وكتاب مغاربة يعتبرون من جيل التأسيس للثقافة المغربية الحديثة (محمد زفزاف، عبد الكريم غلاب، محمد عز الدين التازي، أحمد المديني وغيرهم…). يقول الأستاذ القباج:

   “إن نشر الأعمال الأدبية الكاملة لمحمد زنيبر(1923/1993) جاء في إبانه، فهو يمثل طبقة من المفكرين والمبدعين الأصلاء الذين شغلتهم هموم الإنسان المغربي وتطلعاته، موفقا في ذلك بين المعرفة العلمية التاريخية وبين العطاء الأدبي، صلة العقل بالوجدان عبر تفعيل القوة المخيلة.” (ص/ 5)

   ويذكر القارئ النبيه، أن الراحل محمد زنيبر وازى مبكرا بين الكتابة الإبداعية والتاريخية. إذ تعد مجموعته البكر “الهواء الجديد” (1971)، من المجاميع التي أسهمت في إنتاج وعي بالواقع الاجتماعي في صراعاته وانكساراته، وبالاعتماد على صوغ فني جمالي حداثي يعكس مرجعية أدبية ثقافية تجلو سعة اضطلاع بمسار القصة عالميا وعربيا، وهو ما يتضح – وبقوة _ في المقدمة التي مهد بها لهذه المجموعة التي تزامن ظهورها في هذا التاريخ بالضبط، وتجارب مغربية انخرطت في بناء الكتابة السردية القصصية والروائية بالمغرب. يقول:

   “لكن لا ننس أن القصة هي بصورة أو أخرى، تعبير عن مجتمع وعن حضارة، ورسم لإنسانية مجسمة في شخوصها التاريخية والجغرافية.” ( الأعمال الكاملة/ ص:15)

   وتحق الإضافة هنا، إلى كون هذه المجموعة حظيت بنقد أدبي موسع، إذا ما ألمحت لكون الأطاريح

   الجامعية الأولى، أولت عنايتها واهتمامها لجنس القصة القصيرة بداية من الأستاذ أحمد اليابوري، أحمد المديني، نجيب العوفي والراحل عبد الرحيم المودن.

   على أن الراحل محمد زنيبر في منجزه الأدبي الإبداعي، لم يتوقف بالتحديد عند الكتابة في جنس القصة القصيرة، وإنما أبدع في الكتابة المسرحية والروائية. وبذلك اتسم مساره الأدبي بالتنوع، وهو ما أشار إليه الأستاذ القباج، وعلى السواء ما طبع الكتابات الأدبية لمعاصريه : عبد الله العروي، محمد زفزاف وعبد الكبير الخطيبي. من ثم جاءت مسرحيته “الشابل” (1975) التي استهلها بتقديم جاء فيه:

   “كنت أحلم دائما أن يستطيع الفنان والمؤلف المسرحي والقصصي أن يطل من نافذة خفية على أسرة تعيش حياتها اليومية وتجابه مشاكلها الصغيرة والكبيرة وتفرح وتتألم وتعبر عما تشعر به في حوارها البسيط التلقائي، فيسجل تلك الصور والتعابير في طراوتها وحرارة ميلادها.” (ص/ 215)

   جاءت الأعمال الأدبية الكاملة في جزءين، حيث ضم الأول حسب تواريخ الصدور:

_ الهواء الجديد (قصص) / 1971

_ الشابل (مسرحية)/ 1975

_ خطوات في التيه (قصص)/ 1986

   وأما الثاني فشمل:

_ عروس أغمات (مسرحية)/ 1991

_ بين صوتين (رواية) / 1993.

   وتعد الرواية آخر أعماله الإبداعية، ومهد لها الشاعر والروائي محمد الأشعري بكلمة وسمها بـ:  “النشيد الأخير”، وهو العنوان الذي اعتمدته.  

   ختاما ومجددا أشيد بهذا الجهد الكبير، وآمل من الأستاذ محمد مصطفى القباج استكمال المسار بإصدار الأعمال الفكرية الكاملة، لتكتمل الصورة عن تجربة أستاذ مثقف ومبدع ملتزم.

Visited 36 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي