إدريس بويِسِّف الرَّكَّاب لوكي يُعيد “باكِيتا “إلى بلاد “الإيبيريين”

عبد العزيز الطريبق
في مؤلفه “باكيتا في بلاد الموروس” (بالإسبانية «Paquita en tierra de moro »)، عاد بنا ادريس بويسف-الركاب لفترات من حياته خلال طفولته وبلوغه، لكن من خلال شخصية أمه الإسبانية باكيتا، وذلك باستحضاره لحوارات سبق له أن أجراها معها بداية سنة 1981، خلال تواجده بالسجن المركزي للقنيطرة كمعتقل سياسي، وامتدت لسنوات طويلة حتى بعد استعادته لحريته. ادريس عاد مؤخراً من إسبانيا حيث اصطحب معه باكيتا في جولة لتقديم النسخة الإسبانية من مؤلفه أمام جموع المهتمين..
وأنا أقرأ النسخة الإسبانية من الكتاب أسرني حكْيُه لعدة أسباب، منها الذاتي ومنها الموضوعي. باكيتا هي إحدى أمهاتنا المكافحات اللواتي قاومن من أجلنا طيلة سنوات الاعتقال واللواتي كان لهن دور مهم في مؤازرتنا لاجتياز تلك المحنة. ثم إن باكيتا كانت زوجة محمد “المعيدني” (نسبة لبني معدان القبيلة المتواجدة قبالة تطوان على طريق أزلا)، وقد كان صديقاً للمرحومين والدي وعمي، وعنهما سمعت الكثير عنه خلال فترة طفولتي، منه أنه كان لاعباً مرموقاً في كرة القدم خلال الثلاثينات من القرن الماضي. دون إغفال كون باكيتا كانت أم سَلاَّم، صغير العائلة، وقد كان زميلي في الستينات بإعدادية الشريف الإدريسي (قبل تعرُّفي على إدريس).
كما أنّ باكيتا تُمثِّل حالةً خاصة لسيدة إسبانية تزوجت مغربيا خلال فترة الحماية، وهو نوع من الزواج المختلط لم يكن شائعاً وقتَها في حي سانية الرمل حيث رأيت النور، كانت توجد بيننا أرملة إسبانية وابنتها الفاتنة التي كانت موضع أحلام المراهقين ومَن هم أكبر منهم سناً (وكانت أحلاماً “أفلاطونية” طبعاً حسب معايير تلك الفترة). ثم كانت هناك زيجة أخرى أعطت “دريسيتو” الممرض وحارس مرمى فريق حي شباب الأزهر وأخاه رشدي الذي سيصير فناناً موسيقياً فيما بعد. كان هناك إسبان آخرون يبدون للعيان، لكنهم “مجهولين” يعيشون في عالمهم الخاص، حتى ولو كان منهم من يمتلك محلاً تجارياً مفتوحاً في وجه أي “مورو” يرغب في اقتناء “مشروب أحمر” قانٍ أو قطع “تشوريصو” أو “بويو بالتون”. باستثناء باكو العجيب الذي كان يملك محل عقاقير ويتعامل بالابتسامة مع الجميع، ويًقدّم كل التسهيلات لزبنائه “الموروس”. وقد مكث باكو بتطوان بعد استقلال المغرب طيلة حياته. ولم تكن الوضعية مختلفة في باقي أحياء المدينة الجديدة، فلقد كان التوجس والحذر يسودان بين المجموعتين البشريتين، حيث تعيش كل منهما في عالمها الخاص.
مع مرور الزمن صرت أتساءل عن نوعية “التعايش” اليومي الذي ساد بين “الموروس” والإسبان خلال الحماية… لم أجد شيئاً دقيقاً في مئات الصحف التي اطلعت عليها ضمن بحثي ولا في قراءات أخرى… وحتى الرواية الإسبانية الشهيرة، “سيدة الفساتين”، لم تفعل سوى المُرور مَرَّ الكرام عن تطوان “الموروس”، رغم أن القصة تدور في تطوان لسنوات طويلة… ليس هناك ما يفيد في التعرُّف على هذا “التعايش” اليومي! وكانت الصحف الإسبانية، خلال الحماية، تسهب في الحديث عما يتعلق بحياة الإسبان اليومية، بينما يقتصر اهتمام الصحافة الوطنية الغالب على السياسة والثقافة…
“باكيتا في بلاد الموروس”، وهي قصة حقيقية، أعطتني تصوراً عمّا كان عليه الحال، في انتظار كتابات أخرى، من الضفتين، لسد النقص الحاصل على هذا المستوى.
ادريس بويسف-الركاب لوكي، “المورو الشيخ”، هو الراوي لهذا التاريخ انطلاقاً من ذكرياته ومن حواراته المطوَّلة مع أمه، ويتعلق الأمر هنا بصيغة فريدة من نوعها في المغرب. وتدور الحكاية على مستويين، يتداخلان مراراً، لكنّ الشخصية المحورية هي باكيتا. الصيغة الإسبانية للكتاب التي اطلعت عليها تتميز بأسلوب أخّاذ تتخلّلُه سخرية دقيقة…
وللناس فيما يعشقون مذاهب…
نحن هنا أمام قصة حب قوية وحقيقية، على الطريقة القديمة، قصة تتجاوز الانغلاق “الطائفي”، والأفكار المُسبقة والتقاليد الجامدة… باكيتا، سيدة إسبانية، من جهة، إنسانة ذات تربية جيدة حسب المقاييس الإسبانية لتلك الحِقبة، وقد سبق لأمها، خوصيفا، أن منَعتها من ممارسة هواياتها الفنية في التمثيل، بل أخرجتها مبكِّراً من المدرسة تَفادياً لولوجها عالم الفن.
ومحمد، رجل مغربي خارج النمط السائد آنذاك، والذي كان قد غادر قريته ببني معدان في سن مبكرة (16 سنة) لكي يحلق في سماء الحياة المدينية بحرية. وكان يبدو على محمد آنذاك أنه قد نجح في مسعاه، إذ كان إلى جانب وسامته الطبيعية، أنيق الملبس ويتقن الإسبانية التي تعلمها بشكل عصامي، كما كان حسن السلوك والمعاملة. وقد سبق لمحمد أن لعب كرة القدم ضِمن عدة فرق محلية، منها فريق المغرب التطواني، الذي كان يسمى بنفس الاسم وقتها، ثم الفريق الإسباني نادي أتلتيكو تطوان (كما يقول الراوي ادريس). وسبق لمحمد أن شارك في الحرب الأهلية الإسبانية كالعديد من المغاربة، ضمن صفوف قوات فرانكو، بل كان ينتمي كذلك لحزب “الفلانخي” الفرنكاوي بتطوان. وبالموازاة مع عمل باكيتا في محلٍّ لبيع الأحذية (إلى غاية زواجها) كان محمد يشتغل كمترجم لدى الإدارة الإسبانية.
تم اللقاء صدفة بين الاثنين حين توقف محمد لتحية صديقه الحميم سلاّم وزوجته الإسبانية وهم جلوس، رفقة باكيتا، على مقعد من مقاعد ساحة الفدان. التقت أعين الاثنين وتبادلا حديثا قصيراً، فرماهما “ملاك الحب” بسهامه… لم تكن باكيتا تعاشر “الموروس” (خارج سلاّم زوج صديقتها) ولم يسبق لها أن عثرت على رجل يستحق في نظرها الارتباط به، وكانت دائما تتهرب من بعض أصحاب الطباع الفظة الذين يقاربونها… أما محمد فلقد كان في سن يتطلب الاستقرار العاجل…
غير أن “تسليم” فتاة إسبانية لـ”الموروس”، وقد جاء الإسبان لـ”إدخالهم” للحضارة، كان من شبه المستحيل في تلك الحقبة! وهكذا عارضت خوصيفا، أُمُّ باكيتا، هذا الزواج بشكل تام، بينما كان أبوها أكثر “اعتدالاً” في التعامل مع الموقف. بل حَشَر الإسبان من جيران باكيتا في الحي أنوفَهم في الموضوع بتعاليقهم السامة الرافضة لزواج امرأة إسبانية جميلة بـ “مورو” لا شك في كونه “مخادع”… لكن باكيتا كانت قد اتخذت قرارها الحاسم تجاوباً مع ما أملاه عليها قلبها وللقلب “منطقه” الخاص.
في ظل هذا الوضع اضطر الزوجان للاحتفال بزفافهما في دائرة مصغرة من الأصدقاء والأقارب (خارج عائلة باكيتا)، وأمام رفض راهب الكنيسة مباركة زواج رجل غير مسيحي بمسيحية، عَقد الاثنان قرانهما على الطريقة الشرعية الإسلامية. هكذا تحولت باكيتا إلى “أمينة الإسلامية”، على الورق، يقول لنا إدريس، لأن باكيتا كانت شديدة الإيمان بالله، لكن ليس بإله الديانات… كانت لباكيتا الشجاعة لكي تقطن مع زوجها وسط المدينة القديمة، وكانت وقتها محصورة في سكانها المغاربة، عكس وسط المدينة الأوروبية، شانتي” (كما تُنطق في تطوان) وبعض الأحياء الجديدة خارج الأسوار. تحمّلت باكيتا تواجدَها في بيئة “مختلفة”، مع ما كان يصحب ذلك أحياناً من “ملاحظات” إذ حافظت على لباسها الأوروبي (يتعلق الأمر هنا بالأربعينيات من القرن الماضي وبالسكن وسط المدينة القديمة)، وكذلك من صعوبات في التواصل على مستوى اللغة… كما قبِلت بصبر تخلَّيها عن عملها، كما طلب منها محمد ذلك، والتفرّغ لأسرتها الصغيرة التي كانت مضطردة النمو. أما من ناحية عائلة محمد، فلقد مرّت الأمور بسلاسة، على العموم، فاجأت باكيتا.
لكن حياة محمد لم تكن بالأمر الهيِّن، لقد كان رجلاً مُحبّاً لزوجته وهادئاً عادةً، لكن “شيطاناً” ما كان يتملكه في بعض اللحظات ويُدخله في موجة غضب جارف. وحدث ذات مرة أن انتفض في وجه رئيسه الإسباني وكال له ما لذَّ وطاب من أشكال السبّ. وكانت غضبةً خارج السياق، كان بالإمكان أن تقذف به لعمق السجن لو لم يشفع له، ربما، انتماؤُه لحزب “الفلانخي”. لكن الإدارة الإسبانية طردته بدون رجعة من صفوفها، فإذا به في وضعية بطالة وهو رب أسرة من 4 أو 5 أطفال، ومُعيلَها الوحيد.
محمد لم يعبأ لهذا بداية، فلقد كان يمتلك قطعة أرضية بنواحي بني معدان قصدها لكي يستقر هناك داخل “نوالة” مع أسرته الصغيرة، ولكي يعيش من تربية الماعز وبيع منتوجها من حليب في تطوان. باكيتا صاحبت زوجها للبادية، طبعاً وبدون أدنى تردد، فحياتها كانت تدور حول محمد وأبنائها. لكن محمد كَفَّ عن الاهتمام بالماعز بسرعة تاركاً أمْرَ الاعتناء بالقطيع للصغيرين إدريس ومحمد الابن (6 و5 سنوات)، مما جعل القطيع يتناقص باستمرار. كان محمد الأب قد تحول إلى شخص “مديني” يقصد تطوان يومياً للاجتماع بأصدقائه حول كأس قهوة أو لعبة من اللعب الشائعة وقتها في المقاهي… حدث ما كان متوقعاً: السقوط في وضعية الفقر المطلق! حملت باكيتا على أكتافها ثِقل أسرتها الصغيرة، وقامت بكل ما يمكن القيام به وأكثر لإنقاذ ذويها (كانت تُحضِّر ما تَيسَّر من أكل وتخييط الملابس وتتولى زرع بذور بعض الخضر وتعمل على إتقان تربية وتوجيه بناتها وأبنائها…)، وتحملت خلال كل هذا بعض نوبات غضب زوجها محمد الذي تجاوزته الأحداث. لكن باكيتا قاومت كل هذا بشجاعة ولم تيأس. وذات يوم اتخذت قرار جريئا وخطيرا، إذ اعترضت، مصحوبة بطفلها ادريس، سيارة المقيم العام الإسباني الذي يتحرك ضمن موكب يحرسه العديد من الدراجين، وقد تمكنت من تسليم أحدهم رسالة استعطاف لصالح زوجها.
هذه المغامرة أثمرت جزئياً. تمّ السماح لمحمد بالعودة للإدارة الإسبانية، لكنه عُين في مركز الجبهة البعيد (وكان يسمى آنذاك Puerto Capaz)، والذي كان الوصول إليه بمثابة جحيم حقيقي لصعوبة الطرق وخطورتها. لكن هذا المستجد والدخل المادي الذي نتج عنه جعل باكيتا، التي بقيت في بني معدان مع صغارها، تسرع في تسجيل “رعاتها” الصغار بإحدى مدارس تطوان العتيقة، حيث سينطلقون في مسار دراسي ناجح سيحولهم فيما بعد لأساتذة جامعيين…
اختيار مصيري
هموم باكيتا لم تكن لتنتهي بعد. فمحمد “المنفي”، تقريباً، ما فتئ أن تزوج ثانية بممرضة تعمل بالجبهة، مما فرض على باكيتا القيام بسفر متعب وشاق إلى الجبهة لإجبار زوجها على الطلاق من الثانية حفاظاً على أسرتها الصغيرة… بعد ذلك، ومع نهاية فترة الحماية، تم تنقيل محمد إلى قرية بو حمد مما قلص بعض المسافة مع تطوان، لكن مع نفس المشكل المتمثل في الطريق الوعرة. بو حمد بدورها لم تَخْل من خطورة زواج آخر لمحمد بسبب البعد والعزلة، خصوصاً وقد بلغ لمسامع باكيتا برغبة بعض السكان في أن يتزوج محمد من إحدى فتياتهم.
هنا ستضطر باكيتا لاتخاذ قرار غاية في الصعوبة حيث سيتعين عليها الاختيار ما بين حبها وما بين أطفالها، وستختار الالتحاق بزوجها بقرية بو حمد تاركةً صغارها في منزل “الباريو” تحت رعاية أكبرهم سناً وقتها (13 سنة) لمدة ثلاث سنوات تخللتها زيارتها لهم على فترات غير متباعدة كثيراً. وكانت العائلة قبل ذلك قد غادرت “نوالة” بني معدان للاستقرار بمنزل الجدة خوصيفا “بباريو مالقا” (التي غادرت الجدة المغرب نحو إسبانيا بعيد انتهاء الحماية).
وستفسر باكيتا اختيارها الخطير هذا لإدريس بطريقة بسيطة ومُقنعة لاحقا خلال حواراتهما اللاحقة والتي شكّلت أساس هذا الكتاب. فلقد التحقت باكيتا ببو حمد من جهة لإنقاذ حبها، ومن جهة أخرى لإنقاذ أسرتها الصغيرة وضمان مستقبل لأولادها وبالأخص متابعة دراستهم التي كانوا يتقدمون فيها بثبات.
والجدير بالذكر أن فتيات الأسرة وقد تربين على يد باكيتا، على الرغم من سنيهما المبكر، فلقد قامتا بكل ما يتطلبه الأمر لتسهيل حياة إخوانهم الذكور. أما هؤلاء، فلقد كانت باكيتا تعلم أنه سبق لهم تدبير حياتهم كرعاة صغار ثم كتلاميذ في مدرسة بعيدة عن بيتهم بنواحي بني معدان. ثم إن ادريس يُقِر بأهمية نصائح أمه باكيتا في التأثير إيجابياً على سلوكه. وعموماً، في حي صعب ك”باريو مالقا” لا أحد كان بإمكانه التحكُّم التام في مسار أطفال يقضون أغلب وقتهم خارج المنزل مع أقرانهم.
في حي الباريو، كان على الأطفال الذكور أن يواجهوا نتائج الزواج المختلط. كان العديد من الإسبان مازالوا يقطنون الحي في نفس المجموعة السكنية، “كاصا باراطا”، لكن وخارج استثناءات قليلة فلم يكن ادريس وإخوانه مقبولين بين أقرانهم لكونهم “أبناء المورو”. ولم تُغيِّر في الأمر شيئاً بشرتهم البيضاء ولا وسامتهم ولا حتى حديثهم الطلق بالإسبانية!
من ناحية أخرى كان إدريس وأخوه محمد يعشقان لعب الكرة مع أقرانهم المغاربة في حي جامع مزواق، غير بعيد عن سكناهم، لكنهم لم يصرحوا لأصدقائهم أبدا بكونهم أبناء سيدة إسبانية، “نصرانية”… هل كان الأمر يتعلق بخوف طفولي افتراضي أو واقعي، لا يمكن الجزم بذلك، وعلى كل حال استطاع الطفلان تدبير أمرهما حسب طاقاتهما آنذاك.
وفي الوقع، فلقد نجح أطفال باكيتا في اجتياز كل تلك المراحل الصعبة. الفتيات تزوجن وأسسن أسراً يعيش أفرادها حاليا في مختلف البلدان الأوروبية، بينما أعطى الذكور أستاذين جامعيين وطبيب اختصاصي في مجال التخدير وإطار عال في القطاع الخاص.
من جهة أخرى، أدرج إدريس اسم والدته باكيتا في سجل الصفحات “الخاصة” من تاريخ البلاد السياسي الحديث، صفحة “حركة العائلات” التي ساندت أبنائها المعتقلين ضمن “الحركة الماركسية-اللينينية” المغربية خلال السبعينات من القرن الماضي. لم يكن هذا الأمر إلا مسألة طبيعية باعتبار أن تلك السيدة الودودة والشجاعة، عاركت الكثير من الشدائد من قبل حفاظا على حبها وأسرتها. وككل تلك الأمهات المكافحات لم تتردد باكيتا في التظاهر للمطالبة بحرية ابنها ادريس!
لكن لم يكن بمقدور باكيتا أن تَحُول دون تعرُّض إدريس لمواقف عنصرية بكطالونيا في بداية التسعينات من القرن الماضي. إذ أنه بعد استعادته حريته سنة 1989، اشتغل إدريس كصحافي بجريدة “ليبراسيون” التابعة للاتحاد الاشتراكي، كما ساهم ببعض المقالات في جريدة “إلبايس” الإسبانية، التي بسبب بعض كتاباته المنشورة بها استدعي لوزارة الإعلام (وكانت ملحقة وقتها بوزارة الداخلية). ومع تشبث إدريس بحريته في التعبير عن آرائه، فلقد غادر اللقاء على وقع تهديد شبه صريح جعله يتخذ قرارا مصيريا بمغادرة المغرب نحو إسبانيا رفقة زوجته ورضيعتهما…
في كطالونيا حيث توجهت الأسرة الصغيرة واستطاعت الانطلاق بمساعدة بعض الأصدقاء الإسبان، عانى إدريس العديد من المواقف العنصرية خلال بحثه عن العمل. فعلى الرغم من نجاحه في المقابلات الأولية لنيل المنصب المقترح، وعلى الرغم من لغته الإسبانية السلسة، فلقد كان ترشيحه يُرفض بمجرد النطق باسمه “المورو”… وقد دفع هذا بإدريس للعودة للمغرب بعد عشر سنوات، هناك حيث لن يرفضه أحد من باب الجهل أو العنصرية أو بسبب اسمه…
رَحَلت باكيتا بهدوء وهي بين أحضان أبنائها، غيبتها الموت عن الحضور في آخر مشهد عبثي لزواج مختلط. فاسمها كان يمنع من دفنها في مقابر المسلمين رغم كونها قضت كل حياتها بالمغرب في خدمة زوجها (الذي توفي سنة 1971) وأبنائها وأحفادها… لحسن الحظ أن كان أحد أفراد العائلة مازال يتوفر على نسخة من عقد الزواج لباكيتا ومحمد حيث تحول اسمها لـ”أمينة الإسلامية”!
تطوان في 24 مارس 2025