أزمات محرجة لــ “حزب الله”
حسين عطايا
يعيش حزب الله ومنذُ فترة ليست بقصيرة، خوفاً وريبة مما يتحضر في المنطقة من إعادة رسم سياسات دولية واقليمية لمنطقة الشرق الاوسط والتي حتماً ستطاول إيران وأذرعها ومن ضمنها حزب الله .
كما ان الحزب ومنذ ما يُقارب الثلاثة اشهر اقدم على إجراء عمل استقصائي استطلاعي وعبر شركة معروفة في المناطق اللبنانية كافة ومن ضمنها المناطق ذات الاغلبية الشيعية، وهنا كانت نتائج الاستطلاعات والاستقصاءات مُفاجئة بنتائجها وآراء الناس لا سيما الشيعة على وجه الخصوص، إذ كشف بوضوحٍ تام عن تغيُر بالمزاج الشعبي اللبناني لا سيما في المناطق ذات الغالبية من طوائف اخرى، كما ان المفاجأة الكبرة اتت عن تغيُر المزاج في الشارع الشيعي حتى في بعض المناطق اللبيئة اللصيقة بحزب الله.
لذلك فإن قيادة حزب الله بخطر داهم في حال نجحت مخططات إعادة رسم المنطقة، وفق المعلومات والتقديرات التي تعمل على اساسها الدول الكُبرى المهتمة بالشأن اللبناني، وبناءاً عليه تأخذ قيادة حزب الله الامور على محمل الجد كل المستجدات والمتغيرات التي يحملها معه المستقبل، خصوصاً فيما خص انتخابات رئاسة الجمهورية ومعضلتها الاساس، حيث لم يعُد حزب الله المقرر الوحيد والفاعل فيها كما كان من قبل، خصوصاً أن الازمات التي تعصف بلبنان بدأت تطاول بيئته وليس الامر لمجرد فترة وتمر، بل كلما مرت الأيام تزداد الصعوبات اكثر وتتراكم المشكلات، فيزداد الوضع سوءاً وتكبُر معاناة المواطنين ويكبُر الضغط على حزب الله تحديداً في المناطق الشيعية حيث معاقله الاساس .
وليس بالصدفة بل بالتزامن مع حادثتي عين ابل وكوع الكحالة ان تنفجر ازمات المياه والنفايات وغيرها في مناطق الجنوب والبقاع، ولم يكن صدفة اعتصام بلدة عين قانا في منطقة النبطية وتحميل المسؤولية لنواب الثنائي امل – حزب الله، والتبرؤ منهم على مرأى من الاعلام وبأنهم لا يُمثلونهم هي سهلة التعبير، بل انها تُعبر صراحة عن عمق الازمة التي يعيشها الثنائي في هذه المرحلة وعقم ممارساتهما على ارض الواقع، والصحيح ايضاً ان من عبر امام الاعلام عاد وتراجع ايضاً امام الاعلام .
لكن قيادة حزب الله تحديداً تعلم ان ما يصدر عن الناس هو القليل القليل من الذي تختزنه ذاكرة المواطنين والذي سيكون كبيراً ومؤذيا في كثير من الاحيان في حال اية تطورات ومتغيرات تحدث في المنطقة، وايضاً قيادته تعلم ان التراجع عما قيل وسيقال امام الاعلام ليس نتيجة قناعة، بل نتيجة ممارسات وضغوط وقمع يضطر المواطنون الى التراجع عن تصريحاتهم، إنما الحقيقة ان مايُقال قد تم نتيجة كسر الحواجز، وكسر الهالة والقدسية التي كانت تٌحيط بحزب الله والمقاومة فيما مضى خصوصاً في مناطق الجنوب وتحديداً مناطق النبطية واقليم التفاح .
لقد دق الناس ناقوس الخطر بالنسبة للحزب وما كان يُمثله في الذاكرة الجماعية للجنوبيين وتحديداً في البيئة الشيعية وسقطت مُحرمات كانت فيما مضى مقدسات، ويذكر ذلك بمرحلة مضت، حين بدأ اهل الجنوب يتمنون الاجتياح الاسرائيلي ليُخلصهم من هيمنة منظمة التحرير، واليوم يعود التاريخ ليُذكر الجنوبيين بما يعيشونه ويتمثلون بمرحلة ما قبل العام ١٩٨٢، وهذا الامر ليس سهلاً لحزب الله، بل يُشكل خطراً داهماً خصوصاً في الوقت التي تتغير فيها نظرات الاهتمام الدولية والاقليمية في إعادة ترتيب المنطقة والرؤية الجديدة للشرق الاوسط وما يدور في الكواليس وغرف المفاوضات من امور بعضها سري وبعضها الاخر علني يصل للإعلام وينتشر .
اليوم وبعد ان وصلت الحفارة “ترانس اوشن ” واستقرت في المكان المرسوم والمحدد لها في البلوك رقم ٩ المحاذي للحدود التي قد رُسمّت ما بين لبنان والكيان الاسرائيلي، والتي اصبحت اتفاقية دولية مسجلة في الامم المتحدة على الرغم من الكذب والتجاهل الذي تُمارسه اجهزة الدولة اللبنانية ومن خلفها حزب الله، فهذه الاتفاقية هي اعتراف لبناني مجاني في الكيان الاسرائيلي وقد اصبحت واقعاً على الحدود الاقتصادية البحرية هي دولة اسرائيل بينما الحدود البرية هي فلسطين المحتلة والخاضعة لاتفاقية الهدنة عام ١٩٤٩ .
وفي اي حال ستتفاقم اكثر ازمة حزب الله وسينكشف تورطه بالسلام والتطبيع مع اسرائيل في حال تم العمل على استكمال “ترسيم الحدود البرية” وهذا المصطلح خبيث ويرمي الى توريط الدولة اللبنانية ومعها حزب الله بالاعتراف والتطبيع في الحدود البرية وسيٌجبر حزب الله والدولة اللبنانية على التنازل عن النقطة B1 والتي تُشكل نقطة الفصل على الحدود البرية والمحاذية للحدود البحرية والتي وفقاً للترسيم البحري وموافقة لبنان على الخط البحري ٢٣ انطلاقاً من مسافة ٥٠٠ متر عن اخر نقطة على الحدود البرية والتي تُريد اسرائيل الاحتفاظ بهذه النقطة B1 والتي تكشف الساحل الشمالي لفلسطين المحتلة حتى حيفا ولن تقبل دولة العدو ان تنسحب منها وهنا ستكون نقطة الفصل في ازمة كُبرى لحزب الله ومن خلفه السلطات اللبنانية وهنا سيكون الثمن الباهظ الذي سيدفعه ثمناً للتسوية مع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل في حال كانت مصلحة ايران تستوجب بهذه التضحية، وهنا سيتم نسف كل الادبيات السياسية والخطابات التي بنى عليها حزب الله بنود مقاومته وتُصبح هباءاً منثورَ وبالتالي ستُصلت الضوء اكثر على مدى انغماسهِ في التطبيع مع كيان العدو واستتباعه واستزلامه لايران وبالتالي ستكون الشعرة التي قصمت ضهر البعير امام مواطنيه وبيئته وتكون كل التضحيات التي قدمها ابناء الطائفة الشيعية وعلى مدى عقود ذهبت سُداً كرمى لعيون إيران وبالتالي سيترحم اللبنانييون على اتفاق ١٧ ايار الذي لم يتنازل عن الحدود البرية وإن تنازل عن وجود قوي وفاعل للجيش اللبناني وحدد عتيده وعتاده فيما مضى جنوب خط الليطاني .
إذن ، مع صبيحة كل يوم يزداد مأزق حزب الله اكثر فأكثر وما هذا التخبط في القرارات والاعمال التي تصدر عن حزب الله واعلامه سوى مسرحية يٌريد من خلالها إلهاء اللبنانيين وبيئته معهم سوى مسرحية تقطيع للوقت لتُحين موعد المفاوضات مع الامريكيين ليُقدم التنازلات في الموضوع الرئاسي، خصوصاً بعدما فشلت المبادرة الفرنسية والتي قادها الوفد الفرنسي المفاوض فترةً من الزمن الى ان حصل اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة اخيراً ووضع حداً لها، كان القرار بالتشدد اكثر فاكثر مع حزب الله في الموضوع الرئاسي، ورغم كل مايٌشاع من مناورات من اعلام حزب الله وادواته على بقية المحطات، لن يكون لبنان جائزة ترضية لايران او سوريا او حزب الله، بل ستكون تسوية قابلة للحياة، يكون فيها دور لحزب الله، لكن ليس كما كان في الفترة الماضية دوراً تقريرياً اوحداً، بل ستؤخذ تطورات المنطقة بعين الاعتبار خصوصاً نتيجة اضطرار ايران لتقديندم تنازلات في الاقليم وتحدياً في اليمن وسوريا ولبنان، بما يترافق ذلك بحشدٍ للقوة تقوم به الادارة الامريكية في الشرق الشمالي السوري وما الاتفاق وترتيب الاوضاع ما بين قوات قسد من جهة والعشائر العربية في منطقة الحدود العراقية السورية والسعي لقطع التواصل للطريق البرية بين ايران وسوريا ولبنان في معبر البوكمال على وجه الخصوص سوى معركة ستكون مقدمة لتزايد نسبة الضغط على ايران ومن خلفها على اذرعها في المنطقة، ما سيفاقم ازمات حزب الله في كل من سوريا ولبنان ويضطره لتقديم التنازلات للراعي الامريكي كما حصل في ترسيم الحدود البحرية وتخليه عن الخط ٢٩ وقبوله بالخط ٢٣ وشراكة اسرائيل في النفط والغاز في مكمن قانا وبالتي يُعبر هذا الوضع عن اعتراف وتطبيع مع الكيان الصهيوني وحتماُ ووفقاً لكل المتغيرات والمعطيات ستضطر حزب الله للتنازل في موضوع الحدود البرية والتي تحفظ لبنان فيها على نقاط مُحددة ومنها النقطة B1 على الحدود الغربية الجنوبية في منطقة رأس الناقورة .
وهذا إن حصل سيُعري حزب الله ويُسقط عنه شرعية المقاومة وسلاحها وستكون نقطة البداية ليُصبح سلاحهم دون عمل ودون غطاء شرعي وطني وخصوصاً من البيئة الحاضنة لحزب الله في الجنوب .