علال الفاسي.. الوصايا الأخيرة والموت في مكتب تشاوشيسكو (4 – 4)

علال الفاسي.. الوصايا الأخيرة والموت في مكتب تشاوشيسكو (4 – 4)

جورج الراسي

     علال الفاسي المولود عام 1910 في فاس ينتمي إلى عائلة “الفاسي الفهري” التي اشتهرت بعلمائها ومثقفيها على مدى أجيال متعاقبة، وأتم هو بدوره دراسات عليا في جامعة القرويين. وظهرت عليه وهو في سن الخامسة عشرة  مواهب ادبية وميول شعرية واعدة.

رافق نمو الحركة الوطنية المغربية في عشرينيات وثلاثينيات القرن المنصرم، وكان متكلما مرموقا في مجلس الفقيه العربي العلوي في فاس داعيا للدين الصحيح المعادي للاستعمار، المتجاوب مع مقتضيات العصر،  محاربا صورة الإسلام المنغلق، اسلام الدراويش.

حارب “الظهير البربري” واسقطه، وأمضى ثماني سنوات في المنفى في الغابون، وتأسس حزب الإستقلال في غيابه. وعندما عاد استقبله الشعب بصفته “رمزا وطنيا”، رغم انه فضل العودة بعد عودة السلطان واعلان الإستقلال ببضعة أشهر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1955.

ملك فاس

    وفاء علال للعرش كلفه غاليا. فقد بقي خارج السلطة طوال المرحلة التي اعقبت الاستقلال .وكان أهل فاس قد عرضوا عليه عام 1934 أن يكون ملكا عليهم في مواجهة السلطان محمد بن يوسف، ولكنه رفض.

وعندما أعاده الفرنسيون إلى المغرب فاوضوه على منحه مركزا كبيرا في الدولة لكنه اعتذر مرة أخرى. وكان منتهى رجائه قيام مملكة دستورية  يبقى فيها العرش من حصة السلطان ويؤول الحكم إليه وإلى حزبه، لكن وجود رأسين في السلطة لم يكن ممكنا فتنازل علال لمصلحة السلطان وبدا أن بعض حساباته كانت خاطئة.

تبين لاحقا أن أفكاره السلفية السابقة على “وطنيتها” لم تعد صالحة، فقد كانت “تقدمية” في الثلاثينيات والأربعينيات، وفي مرحلة النضال ضد الاحتلال الفرنسي، لكنها لم تعد كذلك بعد الحصول على الاستقلال، وتطور التعليم العصري، وانتشار المفاهيم والأفكار الجديدة، وبروز جيل حزبي جديد متفاعل مع أحداث وتطورات العصر.

من ناحية  أخرى، حرص العرش على إبقاء علال بعيدا عن السلطة، وكانت الفترة الوحيدة التي دعاه فيها للحكم بين عامي 1961 و1963.

ففي 2  حزيران/ يونيو1961 سماه الملك الحسن الثاني وزيرا للشؤون الإسلامية، وكأني به يريد أن يبقيه في قوقعته الضيقة فلا يخرج منها، وفي عام 1962 خاض باسم حزب الاستقلال حملة من أجل انتصار “النعم” لمصلحة إعلان اول دستور. وفي عام 1963 تم انتخابه نائبا في أول برلمان مغربي.

والشأن “السياسي” الوحيد الذي ركز جهده عليه هو مستقبل الصحراء المغربية (الإسبانية حينها).

 حركة  25  يناير 1959:  الانشقاق الكبير

    لقد كان عام 1958 عاما مفصليا في حياة علال وفي حياة حزب الاستقلال لا بل في حياة العرب أجمعين. ففي شباط / فبراير من تلك السنة قامت الجمهورية العربية المتحدة، وفي تموز/يوليو سقطت الملكية في العراق، ووصلت تلك النفحات إلى المغرب العربي، فانعقد مؤتمر طنجة الشهير بحضور كل الأحزاب المغربية في شهر نيسان/ أبريل  1958، أي بعد شهرين من وحدة سورية ومصر، بغية دعم الثورة الجزائرية المشتعلة، وإرساء الدعائم الأولى لقيام مغرب عربي كبير وموحد، وكان علال أبرز وجوه ذلك المؤتمر.

لكن تلك السنة كانت أيضا نذير شؤم لحزب الاستقلال، إذ بدأت الشقوق تظهر فيه، و تزايدت علامات التصدع. بدأ “تسرب” بعض الأوزان الثقيلة، أمثال الفقيه محمد البصري وعبد الرحمن اليوسفي والمهدي بن بركة.

وما لبث هذا الأخير أن قاد ما عرف بحركة 25 يناير/ كانون الثاني 1959، وكانت بصريح العبارة حركة انقلابية داخل حزب الاستقلال،  تمكنت من اجتذاب قسم من الشباب، دون أن تتمكن من الاستيلاء على جهاز الحزب، مما اضطر المهدي إلى التخلي عن تلك المحاولة التي استمرت ثمانية أشهر تحت لافتة “الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال”، وشكل في 9 أيلول/ سبتمبر 1959، “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” من عناصر تنتمي إلى حزب الاستقلال وبعض الجماعات الصغيرة، كحزب الشورى وبعض الأحرار المستقلين وبعض اللاحزبيين.

وأصبح الرأي الوطني حينها موضع نزاع وتنافس بين حزب الاستقلال وما أصبح يعرف “بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية”. وفي تموز/ يوليو  1970 كان علال احد الأقطاب المؤسسين لما عرف “بالكتلة الوطنية”  التي أعادت جمع حزب الاستقلال و”الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” حول برنامج سياسي واحد.

في 30/7/1972 حدث انشقاق جديد في حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، بين تيار عبدالله ابراهيم والزعيم النقابي المحجوب بن الصديق، وبين تيار عبد الرحيم بوعبيد  ومحمد  اليازغي وعبد الرحمن اليوسفي.

وفي10/1/1975 تم الإعلان عن تأسيس “حزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية”، في حين أسس محمد البصري في الخارج “حركة الاختبار الثوري” الراديكالية،

 “الوصايا الأربع” والموت في مكتب تشاوشيسكو

   لقد ظل علال الفاسي حتى الرمق الأخير وفيا لمسيرته النضالية، وفي الأسابيع التي سبقت وفاته في 13 أيار/مايو 1974 أعاد التذكير بعصارة تجربته لمن كانوا حوله، واختصرها بأربع نقاط:

ــــ الوصية الأولى تعود إلى21/4/1974 ، أي قبل 20 يوما من رحيله، ومفادها ضرورة الجمع بين الأخلاق الإسلامية وعلوم العصر، فهو يرى أن الإسلام يشتمل على التقدمية ويمكن أن نستمد منه متطلبات العصر.

ــــ الوصية الثانية أفصح عنها في اليوم التالي 22/4/1974، وتقضي بإعطاء الأولوية للتكوين السياسي للشباب والطلبة، وكان منشغلا بالبحث عن مقر للحزب في فاس الجديدة، وعن مقر للاتحاد العام لطلبة المغرب .

ـــ أما الوصية الثالثة فكانت ضرورة العناية باللغة العربية وتطويرها لأنها في رأيه أساس الدين.

وقبل أسبوع من وفاته توجه إلى إيران للمشاركة في ملتقى نظمته جامعة شيراز من 27/4 الى 2/5 – 1974، إحياء للذكرى 1200 لسيبويه تحت عنوان “سيبويه والمدرسة الأندلسية ــــ المغربية في النحو”، بهدف إصلاح النحو العربي، وتسهيل تعليم اللغة العربية.

ــــ أما الوصية الرابعة التي تحمل بعدا سياسيا، فهي ضرورة تشكيل تكتل وطني مع الملك وبقية الأحزاب الديموقراطية لإنقاذ البلاد.

إياكم والانقلاب العسكري

   في 13/5/1974 قبل ساعات من وفاته كان برفقة محمد بوستة (الذي أصبح فيما بعد وزيرا للخارجية)، والمناضل عبد الحفيظ القادري، في زيارة رسمية لرومانيا بدعوة من الحزب الشيوعي الروماني، حاملا لواء الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب وعن القضية الفلسطينية.

وتفاجأ رفيقاه بأن يطرح أمامهم في تلك الظروف بالذات، وكأنه يريد أن يسابق قدره، فكرة التحالف مع القصر الملكي ومع “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” لمواجهة المخاطر المحيطة بالمغرب و”حاشية السوء”، وقال لهم على شكل وصية قبل ساعات من رحيله، إن القطيعة مع الملك الحسن الثاني لا فائدة منها، مشيرا إلى أنه سيسعى ليكون دائما إلى جانب الملك، مضيفا: “تصوروا الخطر الكبير الذي كان سيحيق بالمغرب لو نجحت محاولات الانقلاب”.

صارع وناقش ونصح حتى الرمق الأخير وفي مكتب تشاوشيسكو أغمض عينيه.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جورج الراسي

صحفي وكاتب لبناني