بوصلة طلال سلمان

بوصلة طلال سلمان

علي مطر

   كان لطلال سلمان، بوصلة أولى ووحيدة، فلسطين. بالتأكيد ليس على غرار تجارها ومحتكري قضيتها، كان اسمها وحده يحرك في الرجل همة لا تقاس. تناديه فلسطين ويستجيب طيلة الوقت كعاشق.

 معرفتي فيه كانت أنيقة وخفرة، كلما أطل على القسم الثقافي في السفير تصافحنا وتبادلنا كلمات الود القليلة. دماثة الرجل كانت ملتصقة به لا تفارقه. 
في القسم نفسه الذي كنت زائرا دائما له، وكاتبا حرا، كنا نجلس ، عناية جابر (الصديقة الشاعرة الراحلة) عبيدو باشا، احمد بزون وانا، ونتابع أخبار حصار المقاطعة في رام الله، عام 2002 ، حين دخل عباس (بيضون) وكان مديرا لتحرير القسم الثقافي وبقي حتى توقف السفير، يحمل قصيدة القربان لمحمود درويش، كان متحمسا وقال: “محمود أرسل قصيدة”، وراح يقرأها علينا. وكعادتي، بفعل مخيلتي السينمائية، رحت أرى الفيلم، فيلم “القربان” وهو عنوان القصيدة . قلت في نفسي سأروي قصة هذه القصيدة بفيلم قصير. وما أن انتهى عباس ودفع بالأوراق إلى احمد بزون سكرتير التحرير كي يتابعها مع قسم الطباعة، شرعت بكتابة السيناريو، وخلال ساعة كان في يدي ورق الفيلم.
سيظل هذا الورق ورقا ما لم يحظ بإنتاج. السينما ليست مسؤولية شخصية كالقصيدة، السينما فريق ومسؤولية جماعية. 
بقي الورق في يدي ثلاثة أيام، مترددا أن اعرضه على الأستاذ طلال. خجلي وخوفي من التعرض لصد، منعاني، لكنني قررت وطلبت موعدا معه. قالت لي السكرتيرة يومها: علي، الأستاذ طلال بحبك.. وها انذا اقرع الباب وادخل حاملا الورق. شرحت لطلال الفكرة، تصفح هو الورق بصمت، ثم قال كم يكلفك تنفيذه؟. ذكرت رقما، ألف وخمسمائة دولار، سيكون تكلفة لاستئجار الكاميرا والإضاءة، فأنا أعرف سلفا أنني سأعمل مع فريق متطوع… يا الهي، كم كان الأمر سلسا وسهلا وأنا إذ كنت أتوقع السلبي، أطاحت إيجابية الرجل توقعاتي. 
بقيت أصور بالفيلم حوالي السنة أشهر، إذ العمل التطوعي، له ضريبته أيضا، فإذا كان مدير التصوير حاضرا غاب مهندس الصوت، أو إذا حضرا، غاب المشارك في العمل. كانت تجربة جميلة مارست فيها دور المخرج والعتال معا، وما كانت لتكون لولا طلال سلمان، الذي سيظهر في الفيلم كمحرك للقصة. حين شاهد طلال العرض الأول في مكتبه نظر في عيني وهنأني، لكنه سألني، الن يبدو وكأنه دعاية للسفير؟ أجبته، ابدا، إلا عند أصحاب النوايا السيئة،. أنا لم أفعل سوى أنني رويت ما جرى، رويت قصة قصيدة في رحلتها من بيت محمود إلى جريدة السفير إلى الشارع والمقهى والمسرح….
 أستاذ طلال سلمان، ألف تحية لروحك، لذكراك، مني ومن كل من شارك في هذا العمل متطوعا لتقديم تحية إلى الإنسان الفلسطيني، الذي يصفه محمود درويش بالقربان.
Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

علي مطر

شاعر وسينمائي