هل كان زلزال الحوز فرصة للمصالحة وضاعت نهائيا؟
عبد السلام بنعيسي
يجد المرء صعوبة كبيرة في فهم الغضب الذي سيطر على بعض الدول التي أرادت تقديم مساعدات للدولة المغربية إثر زلزال الحوز، لكنه اعتذر عن عدم قبول هذه المساعدات ما دام قادرا على التغلب على مخلفات الزلزال بإمكانياته الذاتية. الاعتذار المغربي كان يفترض ألا يثير أي ردود أفعال غاضبة،
وكان يتعين أن يتم تفهُّمُ دواعيه واحترامها من جانب الجميع. نحن أمام قرارٍ سيادي لم تكن دولة معينة مقصودة به دون غيرها. لقد شمل الاعتذار دولا كثيرة لها أجود وأحسن العلاقات بالدولة المغربية، مثل
المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وروسيا. كان المغرب في ظرفٍ لا يعرف تفاصيله الميدانية إلا الدولة المغربية وأجهزتها الموجودة في عين المكان. فلقد قدّرت هذه الدولة الاستغناء عن المساعدات الأجنبية لاعتبارات تقنية، ولم يكن هناك ما يستوجب إثارة كل هذه الغضبة من طرف البعض ضدها.
الذي يقدم المساعدات، من منطلق تقديم الدعم للدولة التي تعرضت للنكبة، يكون متعاطفا في مبادرته هذه، مع وضعها الكارثي. وحين تعتذر الدولة عن عدم قبول مساعداته، فإنه ملزمٌ عاطفيا بتقبل التصرفات الصادرة عنها وقت الكارثة. وأن يجد هو لها الأعذار المناسبة عن عدم قبوله المساعدات التي عرضتها عليه، وأن يعرب لها عن استمراره في مواكبة الوضع عن كثب وإياها، وأنه رهن إشارتها إلى أن تمر الكارثة التي تعيشها بكل توابعها ولواحقها، وأنه جاهزٌ في كل لحظة وحين، لكي يتقدم بمدِّ يد العون إليها، فتقديم المساعدات ليس مرهونا بفترة زمنية محددة، ويمكن أن يظل ممتدا لأوقات وفترات طويلة، وبصيغ متعددة ومختلفة.
لا يجوز القول إن عدم قبول المساعدات، شكّل ضربةً لفرصة كان من المحتمل أن تأتي بالمصالحة بين المغرب والجزائر. هذا قول مجانب للصواب. حتى إذا افترضنا أن عدم اغتنام فرصة الزلزال لتحقيق المصالحة كان خطأ، فإن من يريد المصالحة حقا ويسعى إليها، فإنه لا يقف مكتوف الأيدي أمام ضياع هذه الفرصة، وإنما يعمل، بدأبٍ، من أجل خلق فرصٍ أخرى مواتية لهذه المصالحة. هنالك أساليب وطرق عديدة للوصول إلى المصالحة إذا كانت الرغبة في الوصول إليها حقيقية وصادقة.
يمكن قبول الوساطات والتفاوض خلف الأضواء وفي سرية تامة، لتذليل العقبات وإزالتها، ثم الشروع العلني في عقد اللقاءات الرسمية بين كبار الموظفين، إلى أن نصل إلى اللقاءات بين الوزراء، ثم اللقاء بين العاهل المغربي والرئيس الجزائري. قطع مسافة الألف ميل يبدأ بخطوة. إننا نسأل لماذا لا يعود السفيران المغربي ونظيره الجزائري لأداء مهامهما في عاصمتي البلدين؟ ما المانع في أن نبدأ بهذه الخطوة التي قد تعقبها خطوات متلاحقة؟
الذي يصرُّ على التأكيد بأن عدم قبول المساعدات أضاع فرصة المصالحة ويقدمها كمسلمة غير قابلة للنقاش، فإنه يعمل في الواقع على وأد كل إمكانية للمصالحة في المستقبل. إنه يجد لنفسه المبررات والمسوغات التي تجيز له الاستمرار في القطيعة. ولاشك في أن هناك تيارين في كل من المغرب والجزائر، يستفيدان من وجود هذه القطيعة ويغديانها، لأنها تتيح لهما الاستمرار في توظيفها، بما يؤدي إلى بقائهما مسيطرين على البلدين، ثروةً وإنسانا. هذه القطيعة باتت بقرة حلوبا تذر لبنا كثيرا، ليس على المستفيدين المحليين منها، مسؤولون جزائريون ومغاربة فحسب، ولكن لبنها بات يفيض أموالا طائلة على القوى العظمى التي تستثمر فيها لفائدة شركاتها ومصانعها وتجارتها، وكل ذلك على حساب شعوبالمنطقة المغاربية برمتها.
لا يمكن للمغربي أن يفهم سرَّ هذا الغضب الفرنسي على عدم اختيار فرنسا من ضمن الدول الأربع التي قبل المغرب الحصول على مساعدات منها. هل الغضب الفرنسي نابعٌ من منطلق الحرص على وصول مساعدات فرنسا إلى المغاربة المنكوبين بالزلزال في الحوز؟ هل باريس حريصة على مصالح المغاربة أكثر من الرباط؟ هل جفون ماكرون كانت لا ترى النوم لأنه كان يريد الاطمئنان على المغاربة الذين ضربهم الزلزال، ولذلك استشاط غضبا حين لم تصلهم مساعداته؟ الجواب على الأسئلة السالفة هو في كلمة واحدة: لا، كبيرة. غضبُ باريس مردُّه إلى كونها أرادت توظيف مساعداتها للمغرب في هذا الزلزال للدعاية لسياستها الفاشلة في المنطقة، وللتغطية على المشاكل العديدة التي لديها مع الرباط والقفز فوقها، بالظهور في صورة كأن الوضع طبيعي بين الدولتين، رغم أن الأزمة بينهما في أوجها. وكان من الطبيعي والمتوقع ألا يقبل المغرب مساعداتها. لأنها ليست مساعدات حقيقية، بقدر ما هي بهلوانيات سياسية.