غزوة النازحين السوريين .. أسباب ونتائج
حسين عطايا
يعيش لبنان أزمات مصيرية تهدد وجوده، ويُشكل الغزو السوري الجديد الذي شهدناه خلال الأسابيع الماضية أحد أشكاله التي تشكل خطرا حقيقيا، وقد اسميناه غزو لأنه ليس نزوحا من مناطق تتعرض للحرب مثلا او القصف، فهو شبه مُنظف من الناحية السورية، لا بل أحيانا يسير وفقاً لمخطط يجري تنفيذه وكأنه مرسوم لهذا الوطن الصغير ان يسير على درب الجلجلة وهو يتلقى السياط ونكز الرماح وجراح السيوف من أقرب المقربين، في سبيل أن يدفع لبنان ثمن أزمات المنطقة بكاملها، فالجميع يُريد حل أزماته في المنطقة على حساب لبنان .
نعم النزوح السوري الحالي هو أكبر من نزوح يُشبِهُ الغزو المنظم بالنظر لمحاولات النظام السوري المربك والمأزوم وغير القادر على حل أزماته يريد ان يحل مشكلاته عن طريق لبنان، من خلال دفع الوضع في داخله الى التأزم اكثر فأكثر، وإغراقه بموجات نزوح كبيرة وجديدة عل هذه الخطة تنجح في دفع دول الاقليم والغرب القادرة على مساعدة لبنان والرافضة إسقاطه ان تهب لمساعدته، وبالتالي تضطر لرفع العقوبات على النظام السوري وهذا ما يحلم به بشار الاسد اي ضخ المليارات الى نظامه تحت عنوان إعادة إعمار سورية، في إطار سعي الدول لحل مسألة النزوح الجديد وإعادة اللاجئين إلى المناطق التي هجروا منها او أُجبروا على النزوح منها، ًفالنظام يعتقد أن تلك المليارات ورفع العقوبات ستعوم بشار الاسد وتنسي العالم إجرامه بحق شعبه .
إذن، السبب السوري الذي يقف خلف تنظيم الغزو السوري الجديد بات معروفا، ويمكن إضافة سبب آخر، فقد يكون بند القبول العربي بعودة النظام الى الجامعة العربية ومشاركة رئيسه بشار مؤتمر القمة الاخير، مقابل العمل على إخراج الميليشيات المسلحة الايرانية من سوريا مرفوض، فالنظام يعمل على تنظيم وتسهيل قدوم النازحين إلى لبنان خصوصاً ان اكثرهم من المناطق الشرقية والشمالية، وهي مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة، وبذلك يكون تسهيل النظام للعبور من خلال مناطقه مستهجن مما يدفع للشك بنوايا النظام .
لكن بهذه الخطة يكون النظام السوري قد ضرب عصفورين بحجرٍ واحد، فهو يسهم بتأزيم الوضع اللبناني طمعاً بالعمل على حل الازمة اللبنانية على طريقته، وبالتالي يحشر حزب الله بأعداد النازحين من مناطق تنتمي للأكثرية السنية والتي تخلق تخوفاً لدى حزب الله او خشية خصوصاً ان أكثرية النازحين من الشباب ما دون الثلاثين سنة وبالتالي هم أكثريتهم من المُدربين على استعمال السلاح وقد يخلق وجودهم في حال لم تنجح محاولاتهم في الخروج من لبنان باتجاه الدول الغربية ضغطاً على حزب الله، فيضطر إلى سحب قواته من مناطق سيطرته في سوريا وإعادة نشرها على الحدود اللبنانية – السورية لمنع قوافل النزوح واقفال المعابر عبر مساعدته لقوات الجيش اللبناني المنتشرة على الحدود الشرقية والشمالية، وسد ثغرات يستطيع السوريون الدخول منها بواسطة المافيات المُنظمة من تلك المناطق لبنانياً وسورياً والتي تنشط في أعمال التهريب والاتجار بالبشر .
بعد وضوح الرؤية في اهداف النظام السوري، نتيجة عدم قيام قواته واجهزته بأخذ دورها في ضبط حدودها ومساهمتها في تنشيط تلك الحركة وتنظيمها للاهداف المعروفة، من المستغرب الصمت الحكومي اللبناني وبعض القيادات اللبنانية عن ذلك، لا بل نستطيع القول وكأن في الصمت شبه موافقة من خلال عدم توفير الامكانيات للجيش والاجهزة الامنية، للقيام باعمالها .
لا بل ان الهجوم المنظم من بعض القوى السياسية على الجيش وقيادته أصبح مكشوفاً لا بل مفضوحاً ويؤشر إلى عن تآمر ضمني عبر الموافقة على هذا الغزو استعداداً لما ينتظرونه من عائدات المساعدات التي ستأتي للنازحين وتاريخ تلك القوى معروف وشبه مؤكد عن الاستفادة من بعض البرامج الماضية والحالية، وما تفريخ الجمعيات والمنظمات المدنية والتي تعمل في عمليات مساعدة النازحين وبأكثريتها شبه وهمية الهدف منها جني الارباح المالية على حساب الوطن والنازحين .
لبنان مأزوم في قيادته وكثير من زعاماته، التي تبيع وتشتري بالوطن واهله، وتترك لبنان لقدره، فهذه المنظومة لا تقوم بأبسط ما يتطلبه عملها في مواجهة الأزمات حتى يبقى الوطن.