خطاب نصر الله من “لو كنت أعلم” إلى “لم أكن أعلم” .. وغموض عدة الشغل

خطاب نصر الله من “لو كنت أعلم” إلى “لم أكن أعلم” .. وغموض عدة الشغل
حسين قاسم
على امتداد الفترة التي تلت حرب تموز الإلهية في عام ٢٠٠٦، لم يبقَ في ذاكرة المؤيدين والمعارضين لحزب الله سوى التهديد للكيان الغاصب بوجوده. وقد اتقن نصر الله إخراج هذا الشعار بأشكالٍ وصورٍ وفنونٍ مختلفة ومُبهِرة، وهذا ما كان يخشاه الأعداء وينتظره الأصدقاء يوم الجمعة في الرابع من نوفمبر، لا سيما المنتظر الأكبر، شعب غزة ومقاومته. وهذا لم يحصل، فانتهى الخطاب منذ اللحظة الأولى التي لم يرفع أصبعه ملوحًا آمرًا لصواريخه بالاندفاع نحو مواقع العدو الممتدة من سعسع إلى عسقلان.
بيد أنه بعد طول انتظار تجرَّع السيد نصر الله السُّم الذي تجرَّعه قبله مُلهمه الإمام الخميني عندما وقع قرار انهاء الحرب مع الرئيس العراقي صدام حسين، متخليًا عن الشعارات التي لازمت خُطبه السابقة كلها، عن الصواريخ التي ستصل لبعد حيفا ثم إلى ما بعد بعد حيفا، وإلى مفاعل ديمونة، ثم إلى الصلاة في القدس، وإلى شعار وحدة الساحات التي لم يذكر منها سوى تلك التي حيَّاها في العراق واليمن. ولم ينبس ببنت شفة عن الساحة الأقرب إلى فلسطين والتي أشار بها إلى سوريا،
ناهيك عن ما يمتلكه هو وإيران من تأثير مباشر في مختلف المجالات السورية، وذلك يعكس تناقضًا بارزًا مع النظام السوري من حرب غزة، فالنظام في دمشق تجاهل كل ما تعلق بطوفان الأقصى ولم يحرِّك ساكنًا ليس فقط عسكريًا وإنما شعبيًا وسياسيًا.
أما النقطة الجوهرية والأكثر وضوحًا، وهي المسألة المركزية في طلة نصر الله، هي إشاراته المتكررة عن أنه لم يتبلغ مسبقًا من حماس بموعد العملية ولا عن التحضير لها، لا هو وحزبه ولا أي من فصائل المقاومة ولا المعنيين في إيران أيضًا. وبقوله أن ذلك فيه إفادة للعملية وسريتها مما ساهم بنجاحها، لكنه بنفس الوقت هو اعتراف من أعلى مرجع في محور المقاومة بالقلق من تسرب المعلومات للعدو، علمًا أن الخبرة العسكرية عندهم تجعلهم قادرون على تخطي تلك المسألة. ولكن السيد نصر الله قصد شيئًا آخر وهو أن الاستعداد لمثل هذه العملية يتطلب عدة أشهر، وهو يحتاج لمدة طويلة للاستعداد للتداعيات المفترض أخذها بالاعتبار أيضًا. ثم كان استطراده البالغ الأهمية في السياق السياسي الجاري حاليًا لطوفان الأقصى، وهو استخدامه عدم التبليغ المسبق أو بمعنى آخر التنسيق المسبق الذي يقتضيه عمل وحدة ساحات المقاومة. والاستطراد هو تأكيده على فلسطينية الحرب التي تدور رحاها في غزة حاليًا، وبالتالي فإنه يحمِّل الجانب الفلسطيني المسؤولية سواء في المواجهة الجارية
 حالياً أو في مجرياتها ونهاياتها. إذًا، فالجانب الفلسطيني اختار هذه الطريقة، عليه تحمل مسؤولية مراحلها كافة. وعلى الجانب الفلسطيني أيضًا أن يتحمل مسؤولية القيادة والتنظيم والتنفيذ في هذه المواجهة.
ثم المسألة التي تبرز للمرة الأولى في خُطب أمين عام حزب الله هي اعترافه بالمسؤولية عن الهجمات على الأميركيين. وما هو أهم هو نقل هدف حزبه من تدمير الكيان الغاصب إلى مواجهة الأساطيل الأميركية والغربية المحتشدة في بحار الإقليم،
بذلك لا يُريد اختراع شعار جديد للتعبئة فحسب وانما توجيه رسالة الى الاميركيين من ان اي ضربة لايران فسيكون ردنا على بوارجهم واساطيلهم.وهذا ما يؤكد الى ان دوره ووجوده هو استثمار ايراني لليوم الاسود للجمهورية الاسلامية كما اشرنا في مقالات سابقة، اي ان ترسانته ليست لتحرير فلسطين والقدس بل نصرةً لايران ودفاعاً عنها.
اما عن الغموض الذي اشار اليه نصرالله مراراً، هو من عدة الشغل والتعبئة في آن، وغطاء واسع يستظل المهمات والاهداف والشعارات.
هذا ناهيك عن الارتباك والوهن الظاهر على شكله الخارجي، فالمرة الاولى كان مختلفاً عن نمطيته السائدة في إطلالاته كلها.
Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين قاسم

ناشط وكاتب سياسي لبناني