عن الكتاب وتاريخِه وأخبَارِه وطرَائفِه وحرَائقِه

عن الكتاب وتاريخِه وأخبَارِه وطرَائفِه وحرَائقِه

 د. محمّد محمّد خطّابي 

الكِتاب” هذا الجليس، الأنيس، المعلّم، الناطق، الصّادق الذي رافق الإنسانَ منذ أقدم العصور وما زال يلازمه، ويصاحبه، ويرافقه، ويؤنسه ، ويجالسه إلى يومنا هذا، حتّى في زخم وخضمّ عصر التطوّر (التكنولوجي) الهائل، والمُذهل، وفي عالم الإعلاميات، والاتصالات، وما تطلع به علينا كل يوم من اختراعات، واستنباطات متطوّرة في عالم الحواسيب، والعقول الإلكترونية واستعمالاتها المتعدّدة والمحيّرة من الجديد المتواتر المُبتكَر الذي ما انفكّ يفاجئنا به هذا العصر العجيب، مع ذلك ما زال الكتاب قائماً،  ملازماً ،موجودًا، ومحبوبًا، ومطلوبًا، وحاضرًا بقوّة بيننا، بل إنه ما انفكّ يحتلّ مكانَ الصّدارة بين ظهرانينا وَرَقيًّا وإلكترونيًّا وتُقام له قببٌ من أدم ومهرجانات دولية في عالمنا العربيّ وفى مختلف أرجاء المعمور.

الكتاب…أيّ سرٍّ أو سحرٍ يكمنان بين دفّتي هذا الخِلّ الوفيّ، والصّديق الأمين، والجليس الأنيس، والسّاهر السّامر..؟ ما أصله..؟ ما قصّته وتاريخه وتطوّره..؟ ما هي معاناته..؟ ما هي المخاطر التي تحدّق به والتهديدات التي تلاحقه..؟ وما نوعيّة الجرائم والفظائع التي ارتكبت وما زالت تُرتكب في حقّه..؟ ما هي مآسيه ومحنه، واغترابه واستلابه؟ ماهي أخباره وحكاياته وطرائفه ومكانته عند الناس والخلفاء والأدباء والشّعراء في مختلف الدهور والعصور ..؟

ظهور الكتابة والكتاب

 من المعروف ان الكتابة بدأت في  الظهور في العهود الغابرة السحيقة من الأزمان في شكل صُورٍ ورسومات تدلّ على معاني ومدلولات ملموسة في الحياة اليومية للإنسان القديم، وقد تمّ العثور علي الكثير من النقوش والصّور والخطوط والرموز التي تدلّ على معاني ومفاهيم معيّنة في منطقة الهلال الخصيب، خاصّة في الحضارة السومرية قبل حوالي ستّة آلاف سنة، وقد عرفت الكتابة عندهم بالمسمارية أو الإسفينية، كما تمّ العثور في مناطق أخرى من العالم على بعض الرسوم والصّور مثل تلك التي عثر عليها في كهوف “ألتاميرا ” ( Altamira ) في إسبانيا، و في مغارة “لاسكو” ( Lascaux ) في فرنسا، أو خطوط “ناسكا“( Las líneas de Nazca )  فى البيرو عند شعوب الأنكا والموشيك وسواها من المناطق الأخرى من العالم. وفي مرحلة متقدمة من التاريخ البشري جاء الفينيقيون وابتكروا الكتابة مستعينين بالسومرية والمصرية القديمة، ثم جاء الإغريق وطوّروا أبجديتهم نقلاً عن الفينيقيين، ثم أصبحت عندهم أبجدية خاصّة بهم  ، ثم جاء الرّومان وأخذوا الأبجدية الإغريقية، وقد سادت اللغة الرومانية واللاّتينية في مختلف الأصقاع الأوروبية بعد سيطرة الإمبراطورية الرومانية على بلاد الغرب. وجاءت الكتابة العربية متأخرة، “إذ يُرجّح المؤرخون أنّ تاريخ  ظهورها يعود إلى حوالى 600 ق م ، والأبجدية العربية مشتقة من الكتابة السّامية، جاءت من رحم اللغة الآرامية السّريانية بنت الكنعانية وربيبتها”، وبدأت الكتابة العربية تنتشر في الأصقاع بعد أن قرّر الخلفاء الراشدون تدوين القرآن الكريم على عهد الخليفة عثمان بن عفّان، ثم انتشرت الكتابة العربية انتشارًا واسعًا مع انتشار الدين الإسلامي الحنيف. والأبجدية العربية مشتقة من الكتابة السامية التي اشتقت بدورها من الأبجدية الفينيقية والتي وصلت العرب عن طريق الأنباط الذين تأثّروا بحضارة الآراميين وطريقة الكتابة عندهم. وفي القرن الثامن للميلاد شرع العرب في استخدام الورق الذي ابتكره الصينيّون بدلاً من الرقّ أو الجلود، بعد ذلك أسّس العرب مصانعَ للورق،والقراطيس وعنهم أخذته البلدان الأوروبية في القرن الثاني عشر. وقد أنشئ أوّل مصنع للورق في إنجلترّا في القرن الخامس عشر. وفي عام 1436 اخترع “غوتينبرغ” الطباعة فكان ذلك الاختراع طفرة عظيمة، وفتحًا مبينًا في تاريخ الكتابة ثمّ  جاء الكتاب الذي تمّ نقله من طور القرطاس والقلم، والمخطوط الغميس، إلى المكتوب أو المطبوع الصقيل.

الباحث في التاريخ القديم الأستاذ “إلياس غندور أيوب عطا الله”  يؤكّد في كتابه (الكون والإنسان بين التطوّر والعلم والتاريخ): “أنّ الكتابة الأبجدية الكنعانية (الكنعانيون وهم من زمن 4000  ق م) ابتكرها تاووتس الكنعاني ابن ميسور، أو ميزور، ابن اميتس ابن كنعان ابن حام، بحوالي 500 سنة قبل ان يولد الفينيقيون في التاريخ، علمًا أن الفينيقيين هم أحفاد الكنعانيين، وأنّ قدموس الكنعاني شقيق فينيقس وكيليكس وأوروبا، جميعهم أولاد أجينور أو أشنار ملك صور اللبنانية في القرن 13 ق م هو الذي حمل الأبجدية الكنعانية، وليس الفينيقية، إلى بلاد الإغريق حوالى 1250 ق م. ولقد عثر علماء اليونان/الإغريق على عملات معدنية من العصر الكنعاني عليها صورة قدموس يعلّم الناسَ هناك الكتابة الكنعانية». ويرى الأستاذ غندور: «أنّ اللغة اللّاتينية التي اشتقت منها معظم اللغات الأوروبية هي بنت اللغة الكنعانية، منها اشتقت، وتحمل ملامحها في جميع صورها ومعانيها. وبعد الكنعانيين طوّر الفينيقيّون الكتابة ببراعتهم مستعينين بالإرث الكنعاني ثم بالسّومرية، والمصرية القديمة“.

ويؤكد الباحث في اللغة الأمازيغية من جهةٍ أخرى الأستاذ محمد حمزة من جهة أخرى: «أنّ الدراسات الحديثة أثبتت أن التيفيناغ  هو سابق للأبجدية الفينيقية بقرون. وهي من الكتابات القديمة التي يُقال أنها كانت موجودة في وقت الكتابة الأولى التي عرفت في منطقة سومر ببلاد الرافدين»، ويوجد مِن المختصّين مَنْ يؤكد أنّها عاصرت الكتابات المسمارية القديمة، كما تشير عدّة نظريات إلى أنّ كتابة التيفيناغ هي إنتاج محلي للأمازيغ في شمال إفريقيا. وترجع بعض الدراسات التيفيناغ إلى الكتابة الليبية القديمة التي تعود إلى آلاف السنين والمدوّنة في الرّسومات الحجرية، حيث جرى تحوّل من الرّسومات التي تجسّد كلَّ شيء إلى ما يُسمى التجريد إلى أشكال هندسية، وهذا ما يؤكد أن الإنسان في شمال إفريقيا انتقل من الرّسم إلى الكتابة وعلى سبيل المثال انتقل من رسم المرأة إلى الترميز لها من خلال شكل المثلث الموجود في الكتابات والرسوم،  وهو حرف (ت) (T ) اللاتيني.

متابعة الكتب وحرائقها

 غير خافٍ على أيّ باحث أو دارس  أن الكتب والمخطوطات قد تعرّضت منذ أقدم العهود الغابرة إلى المتابعة، والمصادرة، والرقابة ،والمتابعة،والتضييق،  والدمار، والإتلاف،والحرق… فقد كان الكتاب منذ القدم هو الوسيلة التي تنقل بواسطته العلوم والمعارف وأسرار الدول والامبراطوريات والحروب وخطط الدفاع والهجوم، وفيها كانت تُسجّل الاختراعات وأسرارالصنائع، والمُبتكرات، بل كان الكتاب هو السّلاح الأفتك، والأنجع للتنوير والتعليم وتثقيف العقول وتهذيب النفوس وتغذية القلوب وملئها بنور الإيمان والهداية. فقد كان أوّل ما نزل من القرآن الكريم( اقرأ)، وفي سورة البقرة يرد اسم الكتاب، كتاب الله فيقول جلّ جلاله: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين).

 وفي الأندلس كانت كتب العلماء تثير الرعبَ والهلعَ في قلوب الإسبان المتزمّتين ، في حين كان يحتفي ويُعنىَ بها آخرون، فهذا الكاردينال سيسنيروس( El Cardenal Cisneros ) أمر في عام 1501م بإحراق مكتبة “مدينة الزّهراء” التي كان بها ما ينيف على 600.000 مخطوط في مكان بمدينة غرناطة  يسمّى “باب الرملة” وهي ساحة كبرى معروفة ما زالت موجودة بها وهي ما فتئت تحمل نفس هذا الاسم العربي القديم حتى يومنا هذا المشهود، وما زال يؤمّها السيّاح من مختلف أنحاء العالم، وهم يشرئبّون بأعناقهم لمشاهدة اللوحة الرّخامية التي كتب عليها هذا الاسم العربي الذي أصبح لصيقًا ومقرونًا باسم هذا الكاردينال ولكنهم لا يعرفون شيئًا عن فعلته الشنعاء، وجريمته النكراء التي دمّرت واختفت على إثرها العديد من المخطوطات وأمّهات الكتب النفيسة التي أبدعها علماء أجلاء في مختلف حقول العلم، وفروع المعارف بالأندلس، وتحكي لنا كتب التاريخ الاندلسي  إنّ الجنود الذين كلّفوا بالقيام بهذه المهمّة كانوا يخفون بعضَ هذه الكتب أثناء إضرامهم النارَ فيها في أرديتهم لفرط جمالها وروعتها إذ كان معظمها مكتوبًا بماء الذهب ، ولقد ظلّت هذه الفعلة الهوجاء وصمة عار في التاريخ الأسود لإسبانيا المتزمّتة إبّان محاكم التفتيش التي عُرفت بمدى قساوتها وتعذيبها للمسلمين في آخر أيامهم ببلاد الأندلس.

إتلاف الكتب فى الاندلس والعالم الجديد

غداة غزو أو إكتشاف إسبانيا لما أطلق عليه فيما بعد العالم الجديد  أعاد التاريخُ نفسه في  مختلف بلدان أمريكا اللاتينية حيث قام الاسبان بحرق العديد من المخطوطات والكتب القديمة التي تعود لشعوب المايا، والأزتيك في المكسيك، ولشعوب الإنكا، والموشيك في البيرو، وقد تمّ ذلك أمام أعين أربابها وأصحابها من السكّان الأصلييّن في هاذين البلدين وفي سواهما من بلدان أمريكا اللاتينية ومن أشهر من قام بهذه الفعلة الشنعاء في المكسيك على وجه التحديد المكتشف الاسباني هيرنان كورتيس .

وجريمة حرقُ الكتب أيّ إتلافها وتدميرها بالنار تجري في بعض الأحيان لأسبابٍ أخلاقية، أو سياسية ،أو دينية، أو انتقامية. وقد يتمّ التخلّص من الكتب سريّاً كما حدث لملايين الكتب التي تمّ إحراقها في الكتلة الشيوعية الشرقية قبل سقوط حائط برلين .ويذكر لنا التاريخ العديد من الأمثلة لهذه الجرائم التي لا تغتفر. فبالإضافة الى حرق كتب المسلمين في الأندلس، وكتب المايا والإنكا في المكسيك والبيرو نذكر حرق الكتب على عهد أسرة تشين الصينية، وحرق النازيّين لكتب خصومهم في أوربا. وتعتبر عمليات حرق الكتب جرائم في حقّ العلم، والفكر، والإنسانية، والتاريخ .

وقد وصف لنا العديد من شعراء الأندلس بحسرة ما بعدها حسرة في هذا السياق كيف أنّ الإسبان بعد حروب الاسترداد كانوا يحرقون كتبهم ومخطوطاتهم ومصاحفهم ويلطّخونها على مرأى من المسلمين، وفي ذلك أشعار كثيرة مؤلمة ومؤثّرة منها هذه الأبيات التي يخبرنا فيها شاعر أندلسي متحسّرًا أنّ “سلطان الإسبان وكبيرهم” قد فعل بهم من الفظائع والأهوال، إلى أن يقول:

وأحرقَ ما كانت لنا من مصاحفٍ  / وخلّطها  بالزّبلِ  أو  النجاســةِ   

وكلُّ  كـتـابٍ  كان  في  أمـــرِ  ديـنـنا/   ففي النّار ألقوْه بهزءةٍ وحقرةِ

ولـم  يتركــوا  فـيـهـا  كتابًا  لمـسـلـمٍ /  ولا  مُصحفًا  يُخلىَ به للقراءةِ

مخطوطات عربية بالديار الاسبانية

يعتقد البعض أنّ المخطوطات التاريخية الثمينة الموجودة بدير الإسكوريال القريب من العاصمة الإسبانية مدريد هي من مخلفات العرب في إسبانيا، والحقيقة أنّ محاكم التفتيش الكاثوليكية – كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل – كانت أحرقت كلّ الكتب العربية أينما وُجدت، ولم يبق بعد خروج المسلمين من شبه الجزيرة الإيبيرية كتب عربية تستحقّ الذكر. وفي أيّام الدولة السعدية بالمغرب كان المنصور الذهبي مولعًا باقتناء الكتب وجمَع منها خزانة عظيمة، وسار خلفه ابنه زيدان على سنته في الاهتمام بالكتب، فنمّى الخزانة التي كانت عند والده. ولمّا قام عليه أحد أقاربه واضطرّ للفرار كان أوّل ما فكر فيه خزانة كتبه فوضعها في صناديق ووجّهها إلى مدينة آسفي لتشحن في سفينة كانت هناك لأحد الفرنسيين (كاستلان) لينقلها إلى أحد مراسي سوس. فلمّا وصلت السفينة انتظر رئيسها مدّة أن يدفع له أجرة عمله، ولما طال عليه الأمر هرب بمركبه وشحنته الثمينة، فتعرّض له في عرض البحر  قبالة مدينة سلا المغربية قرصان إسباني (فاخاردو)  وطارده حتّى استولى على المركب الفرنسي وأخذ الصناديق، فلمّا فتحوها ولم يجدوا بها إلاّ الكتب، فكروا، من حسن الحظ أن يقدّموها هدية لملكهم. ولما وصلت هذه الكتب الى الملك فيليبي الثاني، الذي كان منهمكًا في بناء الدير الفخم للقدّيس “لورينثو” بالمحلّ المُسمّى بالإسكوريال أوقفها على هذا الدّير، وهي التي لا تزال إلى اليوم موجودة به، ويقصدها العلماءُ من كلّ أنحاء العالم  للاستفادة من ذخائرها ونفائسها الثمينة.

حبّ الكتب وطرائفها

كان الكتاب يحظى بعناية خاصّة عند العرب، وقد جمع الخلفاء في مشارق الأرض ومغاربها الآلاف من أمّهات الكتب والمخطوطات،  ومعروف أنّ مدينة قرطبة كانت تحفل بالمكتبات وأروقة العلم وبيوت الحكمة، كانت تزيّن خزانة “الحَكم المستنصر” بها (861-976 م) أزيد من أربعمائة ألف مخطوط، هذا الرجل الذي قال عنه “بول لين” إنّه دودة كتب، والذي عنه يقول ابن خلدون : «إنه جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله». كما اعتنى هارون الرشيد في المشرق بجلب العديد من الكتب والمخطوطات من الديّار التي فتحها. وقد بلغ نشاط بيت الحكمة ببغداد ذروته على عهد الخليفة المأمون الذي أولاه عناية خاصّة ووهبه كثيرًا من ماله ووقته. وأهمّ ما ميّز بيت الحكمة الخزانة العظمى التي كانت بها، وقد تمّ تدمير العديد من نفائسها على يد المغول عام 1258م. كان علماء المسلمين يحبّون الكتبَ حبًّا جمًّا، وقد شُغفوا بها شغفًا كبيرًا. صاحب كتاب البخلاء ابن عثمان الجاحظ مات تحت أكوام كتبه، وكانوا يتحمّلون المشاق وعناء ووعثاء السفر لطبع كتبهم أو إقتنائها أو بيعها،وفى الأندلس، ونظراً لاشتهار غرناطة بالعلوم والفنون الموسيقية والغناء مثلما اشتهرت قرطبه بالعلم والتأليف كان ُيقال على سبيل الدعابة والمزاح الممزوجيْن بغيرِ قليلٍ من الجدّ  : إذا أفلس عالم في غرناطة باع كتبه في قرطبة، وإذا أفلس موسيقيّ في قرطبة باع أدواته الموسيقية في غرناطة. ! وكانت إعارة الكتب شيئًا ممقوتًا عندهم، وكان شاعرهم يقول في ذلك  في بيتيْن جميليْن :

ألا يَـا مُـسْـتَـعـيـرَ الــكُـتْـبِ دعْــنِــي/فَـــإنَّ  إعَـــارتــي  لـلـــكُــــتْـــبِ  عَـــارُ

ومَــحْـــبُـوبـي  مــنَ  الـدنْــيَــا كِـتـابٌ/ وهَـلْ  أبْـصَــرتَ  مـحـبـُـوبــًا  يُــعَـــارُ..؟

  وقال شاعر آخر :

أجودُ بِجُلِّ مالي لا أُبالي/ وَأبْخلُ عندَ مسألةِ الكِتابِ

وذلكَ أنني أفْنيْتُ فيه/عزيزَ العُمرِ أيَّامَ الشبابِ

وكان أمير الشعراء أحمد شوقي يقول:

أنا  من  بدّل  بالكتب  الصّحابَا/لم  أجد  لي  وفيّاً  إلاّ الكتابَا

ويقول أحمد أبو الطيّب المتنبّي في بيته المشهور:

أعزُّ  مكانٍ  في  الدّنى سرجُ  سابحٍ / وخيرُ  جليسٍ  في  الزّمان  كتاب

وكانوا يقولون إنّ الكتاب الذي يعار قد لا يردّ إلى صاحبه، وهم محقّون في ذلك، إذ يحكىَ أنّ الكاتب الفرنسي “إميل زولا” زاره ذات مرّة أحدُ أصدقائه في بيته، وعندما بدأ الصديق يطّلع ويتفقّد مكتبة “زولا” الكبيرة، فيأخذ كتابًا يتمعّنه ثم يردّه إلى مكانه في رفوف المكتبة، وفجأة وقع نظره على كتابٍ كان يبحث عنه منذ مدّة، فقال لصديقه زولا: هل لك أن تعيرني هذا الكتاب..؟ فقال زولا له على الفور: لا، لا أستطيع أن أعيرك إيّاه، فالكتاب الذي يعُار لا يُردّ إلى صاحبه أبدًا، والدّليل على ذلك أنّ مُعظم الكتب التي ترى في هذه المكتبة مُعارة.

وكان الكاتب الأيرلندي السّاخر جورج برنارد شوّ يتجوّل ذات مرّة بسوق الكتب القديمة بلندن، وفجأةً وقع نظره على كتابٍ له كان قد صدر مؤخرًا، وكان قد أهداه لأحد زملائه الأدباء، فباعه هذا الأخير دون أن يفتح أوراقه التي كانت لا تزال لصيقةً ببعضها كما كانت تصدر الكتب في ذلك الوقت، فاشترىَ شوّ الكتابَ، وكتب تحت الإهداء القديم ما يلي: برنارد شو يُجدّد تحيّاته، ثمّ بحث عن صديقه وسلّمه الكتابَ من جديد .**

حرر في 18 نوفمبر 2023  برج الطواحين Torre Molinos ــــ اسبا

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. محمد محمد الخطابي

كاتب، وباحث، ومترجم من المغرب عضو الأكاديمية الاسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا