مظاهرات الأساتذة بالرباط تهز أركان الحكومة

مظاهرات الأساتذة بالرباط تهز أركان الحكومة

إسماعيل طاهري

     نجاح مظاهرات ومسيرات الأساتذة الوطنية في شوارع مربع الحكم بالرباط ليومه الخميس 4 يناير 2024، تعني فشل الحكومة في تدبير أزمة التعليم. وفشل مظاهرة الرباط يعني نجاح الحكومة.

والظاهر أن الحكومة فشلت في معركتها لكسر شوكة الحراك التعليمي أمام نجاح مسيرات ومظاهرات الرباط. وأصبح هامش المناورة لديها ضيقا. وشخصيا انتابني تخوف من احتمال منع مسيرات الرباط باستعمال القوة وما قد ينتج عنها من إصابات واعتقالات ومحاكمات، لكن نجاح الإضراب في يومه الأول قبل المسيرة جعل الحكومة، تتراجع عن الخيار الأمني وقبله منع التنقل من مدن أخرى إلى الرباط كما كانت تفل السلطات في السابق.

هناك خاسر ثان في هذه المعركة وهو النقابات الأكثر تمثيلية التي فقدت دورها وهذا يمس بل يشكك في شرعيتها ومشروعيتها أمام ضعف دورها المفترض في الوساطة بين الدولة والأساتذة. والحوار الذي تجريه اليوم مع الحكومة حوار صوري ترد عبره الحكومة على احتجاجات الأساتذة بتأطير وقياة التنسيقيات. وهناك من ذهب إلى القول إن الحكومة تتحاور مع التنسيقيات عبر النقابات، وأن الحكومة لم تعد تولي الاهتمام لقيادات أغلب هذه النقابات، التي باتت منبطحة للحكومة وموالية أكثر من اللازم، خصوصا نقابات الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والاتحاد المغربي للشغل.

لهذا يجب أن تقدم الحكومة الحساب أمام الرأي العام وترضخ للحوار مع التنسيقيات التي باتت الممثل العملي للشغيلة التعليمية الغاضبة، دعك من التمثيلية النقابية الخماسية المفترى عليها، في انتخابات مهنية مزورة، لأنها أقصت نصف الشغيلة التعليمية المتمثلة في أساتذة التعاقد. كما العمليات الانتخابية ذاتها شابتها خروقات انتخابية. 

مظاهرات الرباط ليوم الخميس 4 يناير  جددت دماء التنسيقيات، وجففت دماء الحكومة والنقابات، وجرت في أجواء مشحونة، بحيث لم يخف عدد من الأساتذة تخوفهم من احتمال ضعف مسيرة الرباط، بعد التردد الذي طال بعض الأساتذة في اليوم الأول من الاضراب.، فبعد أن كان يتجاوز الإضراب الوطني 95  % على الصعيد الوطني في السابق، تراجع قليلا الأربعاء 3 يناير إلى 87% حسب معطيات مستقاة من صفحة تنسيقية التعاقد في الفيسبوك.

ويبدو أن الحكومة مرتبكة، وما عليها سوى طرق الباب الحقيقي لحل الأزمة، ألا وهو فتح حوار مباشر وبدون شروط مع قيادات التنسيقيات، والإستجابة لمطالب الشغيلة العادلة والمشروعة، وقبل ذلك التعهد بتطبيق كل التعهدات والاتفاقات السابقة مع النقابات منذ2011 . والتسريع بعرض مشروع قانون النقابات والقانون التنظيمي للإضراب على البرلمان.

فتعنت حكومة السيد عزيز أخنوش وتلويحها باللجوء إلى العقوبات التأديبية والأمنية لن يجدي شيئا، وبذلك تكون السبب المباشر في هدر الزمن المدرسي، وهو ما يشكك في نواياها. فقد باشرت إحدى مديريات أكاديمية الدار البيضاء إجراءات تأديبية، نظير التوقيف عن العمل، وإيقاف الأجور، والإحالة على المجلس التأديبي. فيما قرر مدير مديرية أكادير إجراءات تأديبية بدأها بمراسلة ما أسماهم “الأساتذة المنقطعين عن العمل”، في أفق الشروع في تنفيذ مسطرة العزل.

والمثير للانتباه، أنه وبالرغم من كل الحملات الإعلامية ضد الحراك التعليمي التي تعبأت لها منصات الإعلام العمومي وبعض الخاص والذباب الإلكتروني المأجور،  لم تستطع الحكومة وأنصارها من تأليب المجتمع ضد حراك رجال ونساء التعليم، بل انقلب السحر على الساحر، وأضحى المجتمع أكثر تفهما لعدالة مطالب رجال التعليم ماديا ومعنويا. ومعركة الكرامة التي يخوضونها بعد عقود من التسويف والتماطل في حل أكثر من 42 ملف فئوي، علاوة على الملفات الديداكتيكية وذات الصلة بالتوجهات الكبرى للمدرسة العمومية والكتاب المدرسي.

سياسة كسر العظام بين الحكومة والتنسيقيات لن تزيد الأزمة إلا تفاقما، ولا بد من تدخل لمد جسور الحوار بين الطرفين، وعلى الحكومة أن تأخذ الدرس من كون الدولة المغربية كانت تتحاور مع المعرضين عبر قنوات سرية أو علنية في أحلك ظروف السياق السياسي لسنوات الرصاص، كما حاورت البوليساريو رغم كونه منظمة إرهابية انفصالية، كما أن السلطات المحلية تتحاور يوميا مع التنسيقيات المحلية، بما فيها تنسيقية حراك سيدي إفني على عهد وزير الداخلية الأسبق شكيب بنموسى، وهو اليوم، ويا للصدف ومكر التاريخ، وزيرا للتربية الوطنية. كما أن عمداء الجامعات المغربية يتحاورون باستمرار مع لجن طلابية فصائلية باسم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، رغم الحظر العملي الذي تمارسه السلطات على النقابة الطلابية منذ 1981 بعد فشل مؤتمرها الوطني السابع عشر. بل ويوقع العمداء على محاضر مخرجات الحوار مع الطلبة.

فليعد الوعي إلى الوعي لتفادي اتساع شرارة الغضب داخل مختلف القطاعات الاجتماعية المتضررة من الأزمة السياسية الاقتصادية، التي يعيشها المغرب، والتي تفاقمت خلال النصف الأول من ولاية حكومة السيد أخنوش وفريقه التكنوقراطي، لأسباب داخلية وخارجية ذاتية وموضوعية.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب