مشاركة المرأة السياسية في ثورات الربيع العربي

مشاركة المرأة السياسية في ثورات الربيع العربي

  دراسة لمركز مينا عن سوريا وتونس 

المدخل:

     ترتبط مشاركة المرأة في الحياة السياسية بمتغيرات المجتمع الذي تعيش فيه، وتتوقف درجة هذه المشاركة بالضرورة على ما يتمتع به هذا المجتمع من حرية وديمقراطية من الناحية السياسية، وعلى ما يمنحه المجتمع من حريات اجتماعية للمرأة لممارسة هذا الدور، لذا فإنّه لا يمكن مناقشة المشاركة السياسية للمرأة أو دورها السياسي، بمعزل عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي يمر بها هذا المجتمع.

محاور البحث:

  • المبحث الأول: المشاركة السياسية للمرأة العربية قبل الربيع العربي
  • المطلب الأول: مفهوم المشاركة السياسية
  • المطلب الثاني: مراحل المشاركة السياسية
  • المطلب الثالث: الحالة السورية
  • المبحث الثاني: دور المرأة السياسي في ثورات الربيع العربي
  • المطلب الأول: دور المرأة في سوريا وتونس (دراسة حالة)
  • أولاً: الحالة التونسية
  • ثانياً: الحالة السورية
  • المطلب الثاني: التحديات التي تواجه دور المرأة بعد الثورة
  • المطلب الثالث: نحو رؤية سياسية نسائية عربية
  • مقترحات عملية لتفعيل تواجد المرأة في جوانب الحياة كلها.
  • خاتمة وتوصيات

أهمية البحث

   نظراً إلى ضعف الدراسات والأبحاث التي تناولت دور المرأة في الربيع العربي؛ وانحياز أغلب الدراسات البحثية إلى دور الرجل في هذه الانتفاضات، فقد خصصنا هذا البحث لتسليط الضوء على المشاركة النسائية السياسية في الوطن العربي؛ وأهدافها؛ ومكتسباتها العملية خلال ما سُمِّي بالربيع العربي، وبذلك يكون تساؤل الدراسة الرئيس هو (إلى أي مدى أثّرت المرأة العربية في مسيرة الربيع العربي وانتفاضاته؟) وهل كان الدور النسائي فاعلاً في تلك الانتفاضات؟ وإلى أي مدى استطاعت المرأة تحقيق مطالبها وأهدافها السياسية في هذا الحراك الثوري؟

وما هي المعوقات التي تواجه المرأة نحو مشاركة أكثر فاعلية في الشأن السياسي والاجتماعي عموماً؟ وكذلك حاول البحث الإلمام بالعقبات كافة التي تواجه المرأة نحو مشاركة أفضل في صناعة القرار السياسي.

أهداف البحث ومنهجه

    تكمن أهمية هذه الدراسة البحثية في مناقشة قضية مهمة؛ وهي قضية تمكين المرأة وزيادة فاعلية الدور الذي تؤديه في المجتمع؛ والدور الذي يمكن أن تؤدّيه في السياسة عموماً، وتسليط الضوء على الدور النسائي السياسي وسرد مسيرة النضال للمرأة العربية في الدول التي قام فيها حراك ثوري شعبي، والتركيز على دور النساء العربيات في ثورات الربيع العربي؛ ولفت الانتباه إلى المرأة التونسية لأنّ تونس رائدة ثورات الربيع العربي وأكثر الدول العربية احتراماً لحقوق المرأة والمرأة السورية كذلك أيضاً على وجه الخصوص.

المبحث الأول: المشاركة السياسية للمرأة العربية قبل الربيع العربي

    يمكن القول إنّ المشاركة السياسية هي جوهر المواطنة وحقيقتها العملية، فالمواطنون هم ذوو الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي يعترف بها المجتمع للجميع، ويصونها القانون، فالمشاركة السياسية تمثّل أساس الديمقراطية وتعبّر عملياً عن سيادة الشعب.

المطلب الأول: مفهوم المشاركة السياسية

    المشاركة السياسية بوصفها مفهوماً عاماً هي نشاط سياسي يُبرز مساهمة المواطنين ودورهم في إطار النظام السياسي، وتبعاً لتعريف صموئيل هنتنغتون وجون نيلسون، فإن المشاركة السياسية تعني تحديداً ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء كان هذا النشاط فردياً أم جماعياً، منظماً أم عفوياً، متواصلاً أم منقطعاً، سلمياً أم عنيفاً، شرعياً أم غير شرعي، فاعلاً أم غير فاعل. ([1])

   وهناك من يقصد بالمشاركة السياسية: “ذلك النشاط الإرادي الذي يشارك بمقتضاه أفراد المجتمع في اختيار حكامهم وفي صناعة السياسة العامة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أي إنّها تعني مساهمة المواطن في مختلف مستويات العمل والنظام السياسي”.

   ويرى بعضهم أنّها “نشاط اختياري يهدف إلى التأثير في اختيار السياسات العامة أو اختيار القادة السياسيين في المستوى المحلي والقومي سواء كان ذلك النشاط ناجحاً أم غير ناجح، منظماً أم غير منظم، مستمراً أم مؤقتاً.

   وبحسب رأي أكاديمي آخر تعد المشاركة السياسية مساهمة المواطنين في نشاط سياسي متدرج ومتنوع من التصويت إلى توجيه سياسة الحكومة وصوغها، أي مشاركة الفرد في صور متعددة من النظام السياسي، هذه الصور والأنماط تشمل، تقلّد منصب سياسي أو إداري، أو السعي لذلك، العضوية النشطة أو العادية في التنظيم السياسي (الحزب مثلاً)، الترشّح والانتخاب والتصويت، وغير ذلك.

   المشاركة السياسية هي المشاركة في صنع القرار السياسي والإداري في المستويات كافة. وهي سلوك مباشر أو غير مباشر يلعب بمقتضاه الفرد دوراً في الحياة السياسية لمجتمعه بهدف التأثير في عملية صنع القرار، وهي من آليات الديمقراطية في المجتمع التي تتيح إعادة تركيب بنية المجتمع ونظام السلطة فيه. ويجب أن تقوم على الحقوق المتساوية للجماعات وللنساء وللرجال على قدم المساواة وإمكان ممارسة هذه الحقوق. ([2])

المطلب الثاني: مراحل المشاركة السياسية

    إنّ مشاركة النساء في الحياة السياسية من أهم عناصر العملية الديمقراطية في بلد ما؛ وتعكس طبيعة النظام السياسي والاجتماعي في الدولة، وعليه فإنّ ضعف الآليات والقوى الديمقراطية في المجتمع يساهم في تهميش مشاركة المرأة السياسية.

   وتقاس درجة نمو المجتمعات بمقدار قدرتها على دمج النساء في قضايا المجتمع العامة والخاصة وتعزيز قدراتهن للمساهمة في العملية التنموية فيه. وتمر المشاركة السياسية بدرجات أو مراحل مختلفة:

  1. تبدأ بالاهتمام بالشأن العام أو السياسي.
  2. تتطور إلى الانخراط السياسي.
  3. تتحول إلى القيام بنشاط سياسي.
  4. وأخيراً تنتهي بالوعي بضرورة تحمل المسؤوليات السياسية وتعاطي النشاط السياسي وكل أشكال العمل والنضال السياسي.

   إنّ مشاركة المرأة في صنع القرارات في المستويات جميعها تمكّن النساء من الحصول على حقوقهنّ؛ وممارستها؛ والمساهمة في إدارة المجتمع وتوجيهه، وتخدم فكرة المساواة بين الجنسين، وهي تطبيق حقيقي لمفهوم المشاركة أو التشاركية الذي يُعدّ الأساس للممارسة الديمقراطية.

المطلب الثالث: الحالة السورية

   ينتمي نظام الحكم السوري في إطاره العام إلى شكل الأنظمة الشمولية التي تحكم السيطرة على المجتمع وجميع الديناميات الحيوية فيه، كأداة لتفرده في الحكم السياسي. كما جميع تلك الأنظمة التي انتشرت في العالم في القرن العشرين، وإن النظام السوري منذ بداية السبعينات بدأ بتكوين شبكة من التنظيمات الرديفة لحزب البعث الحاكم، في القطاعات المجتمعية كلها.

   لذلك أسست اتحادات تنظيمية للطلبة في مختلف المراحل، ومنظمات مهنية للحرفيين والعمال والفلاحين والكتاب والمعلمين والمهندسين والأطباء وللرياضيين، جرى عبرها تفريغ جميع التنظيمات المجتمعية السورية التقليدية من محتواها، وهُمِّش العناصر؛ وطردوا أولئك الذين لا يتماهون مع المقاصد السلطوية لهذه التنظيمات التابعة لحزب البعث ولأجهزة أمن النظام الحاكم. فهي في العمق كانت مؤسسات لضبط الحركة المجتمعية وإخضاعها للتدجين الذي تبتغيه السلطة، تنظيمياً وذهنياً وسياسياً. فالاتحاد العام النسائي أسس عام 1967، تجمعاً لعدد من التنظيمات النسائية السورية، لكنه لم يتحول إلى مؤسسة جهازية بالمواصفات العامة التي ذكرناها لعموم التنظيمات المجتمعية السورية التي ذكرناها سابقا، إلا عقب بدء حكم الرئيس حافظ الأسد عام 1970.

   وقد ظهر جلياً في أكثر من مناسبة أن تنظيم الاتحاد النسائي محض أداة سلطوية لضبط التكتل النسوي من المجتمع السوري، ولاحتكار العمل المدني المنظم ضمن شريحة واسعة منه، وليس بنية مجتمعية ذات شخصية اعتبارية منظمة؛ ومستقلة ومدافعة عن حقوق هذه الطبقة المجتمعية التي يدعي الدفاع عنها، ظهر ذلك حينما كانت تتعارض مصالح السلطة الحاكمة مع حقوق هذه الطبقة التي يدعي هذا التنظيم تمثيلها، فإن خطاب هذه المؤسسة كان يميل دوماً إلى التماهي مع خيارات السلطة الحاكمة؛ ورغباتها؛ وليس مع تطلعات هذه الطبقة المجتمعية.

   حصل الأمر مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي اعتمدت في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979، وقعت الحكومة السورية عليها عام 2002. حيث شملت التحفظات السورية المادة الثانية المتصلة بالمساواة التامة في الدستور والقوانين كافة وفي السياسات العامة. والفقرة الثانية من المادة التاسعة المتعلقة بالمساواة بين المرأة والرجل في منح الجنسية لأفراد العائلة. والبند الأول من المادة السادسة عشرة المتعلقة بالمساواة بين الزوج والزوجة في الحقوق والواجبات في أثناء الزواج. ([3])

   عام 1976 عُينت امرأة للمرة الأولى في الحكومة كوزيرة للثقافة، وعام 2006 عينت امرأة نائباً للرئيس، وفي حكومة عام 2011 المؤلفة من 33 عضواً ثمة 3 نساء هنّ نائبة الرئيس ووزيرة الدولة لشؤون البيئة ووزيرة السياحة. ولا يوجد حد أدنى قانونياً لتمثيل النساء في مجلس الشعب، وهي الغرفة البرلمانية الوحيدة في سوريا، وقد حصلت الجبهة الوطنية التقدمية على 170 مقعداً من أصل 250، منها 131 مخصصة لحزب البعث، وتؤول المقاعد الباقية إلى مرشحين يسمون «مستقلين» غير أنهم في الواقع يحظون بموافقة النظام.

وخلال الانتخابات التشريعية لعام 2003، جرى انتخاب 30 امرأة أي 12 في المئة، وعام 2007 كان ثمة 1004 امرأة من أصل 9770 مرشحاً، وحصلت 31 امرأة على مقاعد، أي 12.4 في المئة.([4])

المبحث الثاني: دور المرأة السياسي في ثورات الربيع العربي

 الثورات العربية، أو الربيع العربي أو ثورات الربيع العربي في الإعلام، هي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية ابتداءً من أواخر عام 2010  ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت من جراء إحراق البوعزيزي نفسه؛ ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ؛ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية.

 لقد شاركت المرأة العربية من دون شك في الثورات، ففي المستوى العام شاركت في التظاهرات والاعتصامات الجماهيرية بل نظمت بعضاً منها، وكانت خطيبة وقائدة في هذه المسيرات ولاقت قبولاً واهتماماً من الجماهير المنتفضة، وأنشأت المدونات وصفحات الفيس بوك ونشرت رسائل ثورية عبر مواقع اليوتيوب، وكتبت الشعارات الثورية وحرّضت مثيلاتها من النساء، فكانت تحاول رفع الوعي بمفهوم الحريات والتحرر والمدافعة عن حقوق النساء وحرية الرأي والتعبير، وكانت وجهاً إعلامياً قوياً، استطاعت أن تعبّر عن القضايا المجتمعية والسياسية بعمق، وأن تفرض وجودها وتعبّر عن آرائها، وتتزعم الجموع الغاضبة للمطالبة بأهداف الثورات ومطالبها.

المطلب الأول: دور المرأة في سوريا وتونس (دراسة حالة)

اندلعت ثورات في البلدان العربية مطالبة بالحرية والديمقراطية، وكان للمرأة دور مهم في هذه الثورات، وفيما يأتي عرض دور المرأة العربية في هذه الثورات.

أولاً: الحالة التونسية

    في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه، ما أدى إلى اندلاع حركات احتجاجية في شتى أنحاء البلاد ضد الفساد والبطالة وقمع الشرطة للمواطنين. وقد كانت هذه الحادثة بداية الثورة التونسية التي ساهمت فيها المرأة بنسبة كبيرة، وكانت أيضاً نقطة انطلاق الربيع العربي.

   لقد شاركت المرأة التونسية بقوة في موجة الاحتجاجات، فاحتشدت كل من المدوّنات على الإنترنت والصحافيات والناشطات والنقابيات والطالبات وربّات البيوت، ونزلن جميعاً إلى الشارع للمطالبة برحيل بن علي وبالحرية والكرامة.

   كانت حكومة بن علي الأخيرة تضم 45 عضواً منهم 4 نساء، وبعد سقوط بن علي لم تمثل المرأة كثيراً، فقد احتلت منصبين أو ثلاثة فحسب. وفي الحكومة المعينة في كانون الأول/ ديسمبر 2011 المؤلفة من 41 عضواً ثمة 3 نساء هن وزيرة البيئة ووزيرة شؤون المرأة والأسرة وكاتبة الدولة المعنية بالإسكان لدى وزارة التجهيز. وفي مجلس النواب وعقب الانتخابات في 2009 انتخبت 59 امرأة من أصل 214 مقعداً، أي 27.6 في المئة من النوّاب. أمّا مجلس المستشارين فتمثله 17 امرأة من أصل 112 مستشاراً، أي 15.2 في المئة. ([5])

   تكوّن المجلس التأسيسي الوطني بعد الثورة من 217 عضو منهم 24 في المئة من النساء، وكان من أهم القواعد التي رسّخها المجلس التأسيسي فيما يتعلق بحقوق المرأة قاعدة التناوب والتناصف التي تنص على أنّ “جميع المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز وتضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية العامة وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم“. ([6])

    وفي مرحلة ما بعد الثورة التونسية شهد وضع المرأة جدلاً واسعاً حول الحقوق والحريات بعد صعود أحزاب دينية إلى الحكم في إثر انتخابات المجلس التأسيسي عام 2011، وشهدت الساحة السياسية محاولات للالتفاف على حقوق المرأة من قبل تيارات الإسلام السياسي، وتعالت أصوات حزب النهضة إلى مطالبة المجلس التأسيسي بتطبيق الأحكام الشرعية وبخاصة في نصوص مجلة الأحوال الشخصية.

   مشاركة المرأة في الثورة هي ما دفعها إلى زيادة وجودها في الحياة السياسية عموماً، وذلك لأنها كانت مشاركاً أساسياً في الثورة في أيام الاحتجاجات والاعتصامات وفي كل أحداث المرحلة الانتقالية، فوجود المرأة التونسية في الأحداث السياسية وفي قلب الميدان السياسي، أدى إلى زيادة خبراتها السياسية، وأصبحت أكثر دراية بحقوقها، وخلال المرحلة الانتقالية أحرزت المرأة انتصارات كبيرة؛ ولا سيما قانون المساواة في القوائم الانتخابية وإعلان رفع التحفظات على اتفاقية (السيداو) المتعلقة بإلغاء التمييز ضد المرأة. والدورة الانتخابية عام 2014 هي أول دورة انتخابية تعقد بعد الثورة، سمي المجلس باسم مجلس نواب الشعب. وأصبح غرفة واحدة بدلاً من غرفتين في المجلس القائم قبل الثورة. وكان عدد النساء المشاركات في الانتخابات البرلمانية 76 امرأة بنسبة 35 % من أعضاء المجلس، وهذه أعلى نسبة جرى الوصول إليها في تاريخ تونس، وكذلك في المنطقة العربية بأكملها، وتولي سيدة نائباً ثانياً لرئيس المجلس، وسيدتان رؤساء لجان داخلية في المجلس.

   تعتبر تونس المثال المشرف في المشاركة السياسية للمرأة في الوطن العربي، فبحسب الهيئة العليا للانتخابات فإن نسبة النائبات في مجلس النواب المصري بعد ثورة 2011 بلغ 2 % فقط، بينما بلغت نسبة المشاركة في تونس بعد الثورة في أول مجلس 27 %.

   وهكذا تعد المرأة التونسية من أشد المناضلين للحصول على حق التعبير والصحافة؛ وحق تكوين الجماعات والجمعيات، إضافة إلى حق التظاهر والتعبئة العامة، وهذا يدل على التاريخ الحافل بالنضال والدفاع عن حقوقها التي تدعم مشاركتها في الحياة السياسية، وقد أثبتت جدارتها في الثورة التونسية في كانون الأول/ ديسمبر 2010 بالقدر نفسه الذي شارك فيه الرجال والشباب إضافة إلى دورها في عملية التحول الديمقراطي.

   تقلّدت المرأة في تونس 8 مناصب بين وزارات وكتاب دولة في الحكومة الجديدة، وهي الأولى في مستوى العالم العربي، ولكن تبقى محدودة لأنّها لم تصل إلى 25 %، وعلى الرغم من تقارب نسبة المترشحات من المترشحين فإنّ النساء شغلن فقط نسبة 27 % من المقاعد البرلمانية أي في حدود الرّبع، وعلى الرغم من أنّهن ساهمن مساهمة كبيرة في صوغ الدستور الجديد، وعلى الرغم من إقرار مبدأ المساواة بين الجنسين في الدستور، إلا أن انتخابات 2014 بلغت نسبة النّساء المسجلات في الانتخابات أكثر من 50 %؛ فيما بلغ عدد المترشحات حوالى 47 %، 12 فقط منهن ترأسن قائمات انتخابية، كما شاركت تونسية واحدة فقط 26 مترشحاً في السباق نحو قصر قرطاج، وعلى الرغم من أنّ النّساء يمثلن نسبة 47 % من المسجلين في قوائم الناخبين، إلا أنّهن استبعدن من رئاسة القائمات الانتخابية لتمثل النساء فقط نصف القوائم الانتخابية، ولكن تحت رئاسة تكون في أغلبها لفائدة العنصر الرجالي. فيما كان تواجد المرأة حتى في مناصب المديرين العامين للمؤسسات والإدارات لا يفوق نسبة 5 % وهي نسبة ضئيلة جداً، إلى جانب غياب العنصر النسائي في قيادة الأحزاب، فقط حزب واحد قيادته نسوية، والاتحاد العام التونسي للشغل أكبر نقابة عمال في تونس لا يحتوي مكتبه التنفيذي على العنصر النسائي أيضاً، بل بقي حضورها في مستوى القاعدة أكثر وضوحاً. ([7])

   في أثناء الثورة، نزلت المرأة للتظاهر في الشارع إلى جانب الرجل، ومنذ ذلك الحين تزايد عدد الجمعيات النسائية في الفضاء العمومي. لكن حضور المرأة في الساحة السياسية وفي أعلى مواقع المسؤولية ظل ضعيفاً جداً، ولم تسفر تعبئة النساء في مرحلة ما بعد الثورة عن نتائج ملموسة بما أنه من ضمن مختلف مواقع اتخاذ القرار لا نجد سوى نسبة 17 % من النساء. ([8])

   إنّ الصعوبات التي تواجهها النساء في اقتحام الحياة العامة والسياسية؛ وفي ضمان تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل؛ وفي الولوج إلى مواقع القرار في تونس، كغيرها من البلدان العربية، تستدعي مواصلة الجهد المبذول لفهم أعمق للبناء الاجتماعي والثقافي للعلاقات بين الجنسين في الحياة الخاصة والعامة واعتماد سياسات إصلاحية تضمن المساواة بين الجنسين.

ثانياً: الحالة السورية

    بدأت التظاهرات الشعبية السورية في آذار/ مارس عام 2011 للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية، بما في ذلك رفع حالة الطوارئ القائمة منذ 48 عاماً واستقالة الرئيس بشار الأسد وإسقاط نظام البعث الحاكم، وقد قمع كل من الجيش والأمن السوري بداية ًهذه الاحتجاجات في تصعيد بالغ العنف، فقُتل متظاهرون ومدنيون، رجالاً ونساءً. ([9])

   منذ البداية كانت المرأة في طليعة الحركات الاحتجاجية والإضرابات والمسيرات النسائية للتضامن مع الضحايا، داعيةً إلى إطلاق سراح أفراد عائلتها المحتجزين وإلى إنهاء العنف، وجرى توقيف المتظاهرات واحتجازهن لدى قوات الأمن.

   في سوريا كانت “طل الملوحي” المُدَونة الشابة هي البداية، بعدها كانت “سهير الأتاسي” أول من تجرّأ على حمل شمعة لنصرة شعبيّ تونس ومصر، ودعت إلى إصلاحات ديمقراطية، واحترام الحقوق المدنية، ورفع حالة الطوارئ، وقد كان للمرأة السورية دور إيجابي في الإعلام الاجتماعي؛ أو التواصل الاجتماعي؛ وذلك من خلال قدرة النساء على استعمال هذه الوسائل الإعلامية للتعبير عن دورهن وأفكارهن وتحررهن في مجتمعنا العربي، وشاركت النساء في التظاهرات والمسيرات التي تشهدها قرى سوريا ومدنها بطريقة مميزة من خلال الهتافات والشعارات والخروج إلى الشوارع في ظل القمع والقتل الذي يقوم به النظام السوري على يد عصابات الموت وفرق والشبيحة، وقد رفعت اللافتات وكتب عليها المرأة تريد تغيير النظام، ولم يكن نصيب النساء أفضل من الرجال، لقد تعرضت النساء في التظاهرات الاحتجاجية لإطلاق الرصاص الحي الذي أرداهن قتيلات وجريحات. ([10])

    ورداً على الحركات الاحتجاجية وفي الوقت الذي تواصل فيه القمع أعلن بشار الأسد إلغاء البند الذي ينص على تكريس السلطة لحزب البعث، ووفقاً لدستور 2012 “توفّر الدولة للمرأة كل الفرص التي من شأنها أن تجعلها تساهم بفعالية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تمّ إدراج بند يمنع نصّياً التمييز النوعي، المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس” المادة 33 ([11])

   عموماً فإنّ القوانين والممارسات التمييزية ضد المرأة؛ هي العقبات الكبرى أمام مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية، وقد اعتمد النظام مواقف متناقضة؛ ومبهمة تجاه مشاركتها السياسية، إلى جانب وجود فروق واضحة بين القانون وممارسته وتطبيقه.

المطلب الثاني: التحديات التي تواجه دور المرأة بعد الثورة

   هناك كثير من التحديات التي تواجه المرأة بعد الثورة في مستوى الممارسة والتشريع؛ وذلك بسبب الموروثات الثقافية الراسخة في أذهان كثيرين؛ التي توقف المرأة عن مسيرتها؛ وتبعدها عن أداء دورها بوصفها شريكاً في تنمية المجتمع، وأيضاً تبعدها عن المشاركة السياسية، ويمكن القول إنّ هناك معوقات عامة تؤثر في فرص مشاركة المرأة السياسية عموماً منها على سبيل المثال ما يأتي. ([12]):

  1. النظام الانتخابي وتأثيره في المشاركة الانتخابية للمرأة، أثبتت تجربة الانتخابات المصرية مثلاً أن نظام الانتخابات المتبع في مصر يؤثر بوضوح في مستوى المشاركة السياسية للمرأة.
  2. الثقافة السائدة والنظرة السلبية لعمل المرأة بالسياسة التي تكرّس التفرقة بين الشأن العام والشأن الخاص.
  3. التأثيرات السلبية للقيم والعادات المتراكمة التي أدت إلى عدم حصول المرأة على وضعها الذي تستحقه. وقد تتأثر المرأة نفسها سلبياً بهذه القيم والعادات.
  4. هناك عوامل اقتصادية تحد من مشاركة المرأة في الحياة السياسية، إذ تؤثر التحولات الاقتصادية في المجتمع في المرأة بصورة أكبر من الرجل، فالمرأة لا تتمتع باستقلال اقتصادي.

 إذاً؛ هناك صعوبات وعقبات على المرأة تخطيها إذا ما أرادت خوض غمار العمل العام، ومنها عوامل متصلة بالمرأة نفسها وبالوضع الاقتصادي، وعوامل متصلة بالمؤسسة السياسية والسلطة الحاكمة، وعوامل متصلة بالمجتمع ككل والثقافة السائدة فيه.

المطلب الثالث: نحو رؤية سياسية نسائية عربية

   إنّ مستقبل المشاركة السياسية والمجتمعية للمرأة متوقف على المرأة ذاتها؛ ومدى قدرتها على التصدي لمحاولات تهميش دورها في المستقبل من قبل بعض القوى والنخب السياسية الجديدة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية مدى قدرتها على المحافظة على المكتسبات المجتمعية التي نالتها في العهود السابقة التي جاءت نتيجة نضالها الطويل مع الأنظمة السابقة. ولا يقتصر دور المرأة في الحياة السياسية على متابعة الشأن العام، ومعرفة آخر المستجدات والتطورات فحسب، بل ينبغي أن يتجاوز هذا الحد، وتتمكن المرأة من الترشح للمجالس النيابية، والبلدية، وتقلد أرفع المناصب في الحياة السياسية.

مقترحات عملية لتفعيل تواجد المرأة في جوانب الحياة كلها. ([13]):

   أولاً: الجانب التشريعي: يجب إعداد التشريعات التي تهتم بقضايا التمييز الإيجابي للمرأة وسنها، وأن تضمن لها هذه التشريعات، حداً أدنى من التمثيل في مجلس الشعب، وألا تكون هذه التشريعات محددة بمدة زمنية معينة.

  ثانياً: الجانب التنفيذي: من خلال مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومات إلى مجلس الشعب التي يجب أن تضمن حداً أدنى لتمثيل المرأة في الحياة السياسية، ومن خلال تقليدها المناصب العامة القيادية.

  وينبغي ألا يكون اهتمام الحكومات بالمرأة حبيس الدراسات النظرية فقط، بل يجب أن يدل الواقع دلالة قاطعة على قيام هذه الحكومات، بتمكين المرأة بالفعل، وإعطائها حقها، في المشاركة في صنع القرار والعملية السياسية.

  ثالثاً: الجانب المجتمعي: يجب الاعتراف بدور المرأة الرائد في العمل التنموي بصفة عامة، وفي الحياة السياسية بصفة خاصة، وترك العادات، والموروثات الخاطئة جانباً، بهدف توسيع دائرة المشاركة السياسية بين فئات المجتمع كافة.

خاتمة وتوصيات

   إنّ قضية تمكين المرأة سياسياً وتعزيز مشاركتها الفاعلة في العمل السياسي ما زالت منقوصة نقصاً ملحوظاً ولم تحظ باهتمام كبير على جدول أعمال الأحزاب السياسية الحكومية أو المعارضة عموماً في شرقنا البائس؛ وذلك بسبب الواقع الاجتماعي السائد؛ ورسوخ النظرة الدونية للمرأة.

  وتعدّ مشاركة المرأة في الحياة السياسية مؤشراً ومقياساً لتقدم المجتمع وتحضره، ومن أجل ضمان وجود المرأة وتعزيزه في العملية السياسية في المجتمع؛ يجب تطوير مشاركة المرأة في الأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني التي تهتم بمختلف قضايا المجتمع؛ أو تسعى إلى فتح الطريق أمام مشاركة المرأة السياسية وإبراز دورها.

  يضاف إلى ما سبق وجود قوانين معاصرة تقرّ بالحقوق الأساسية، والمشروعة للمرأة، وضامنة لحرياتها، ومساواتها. إضافة إلى أهمية الجمع بين نشاط المرأة في مستوى المجتمع المدني والنشاط السياسي سواء بالمشاركة في الأحزاب والاتحادات الطلابية، أو النقابات؛ وكذلك الانتخابات تصويتاً وترشحاً، فإنّه من الضروري اهتمام المرأة بالشأن العام بالقدر نفسه الذي تعنى فيه بقضايا المرأة.

Visited 12 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة