لماذا فشل بوتين في إقناع الغرب من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا؟ (1-2)
خالد العزي
سيطر جيش بوتين مؤخرا على مدينة افيدييفكا، بعد معارك ضارية بين الطرفين، وكانت الخسائر كبيرة جدا في هذه النقطة، التي حاول بوتين الحصول عليها أثناء القيام بحملته الانتخابية الرئاسية. لكن في المقابل فشل في السيطرة على المناطق الأخرى، وعلى طول الجبهة التي كان يسعى لضمها إلى الأراضي المحتلة، لقد فشل أيضا في حماية الأسطول البحري في البحر الاسود، بعد الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الأسطول الروسي، ولم يتمكن من حماية المدن الروسية التي أصبحت المسيرات تضربها في كل اللحظات، وخاصة بعد محاولته شن هجمات صاروخية على المدن الأوكرانية.
بالرغم من محاولة بوتين المتأخرة، وخاصة قبل البدء بالحملة الانتخابية الرئيسية من أجل تمديد الولاية الرئاسية (الخامسة أو العاشرة) للقبض على روسيا كليًا، كونه “القيصر الأحمر”، في أن يقنع الولايات المتحدة بالحوار معه على حساب الأوروبيين، لإيقاف الحرب وفقا لشروطه ومطالبه التي لايزال يعلنها بالرغم من الاستنزاف الذي يتعرض له جيشه واقتصاده، من جراء هذه “العملية الخاصة”. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل بات بوتين قادرًا على إقناع الغرب بإنهاء الحرب في أوكرانيا؟
إشارات بوتين للغرب
لقد أرسل بوتين إشارة إلى الغرب، لأنه يعتبر الأشهر التي تسبق الانتخابات الرئاسية في روسيا والولايات المتحدة، مناسبة لوقف الحرب في أوكرانيا. أثناء خطابه في مؤتمر حزب “روسيا الموحدة” في 17 كانون الأول / ديسمبر الحالي، حيث اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” بأن الشروط المطروحة بالنسبة للرئيس الروسي باتت مقبولة. والتي بموجبها تحتفظ روسيا بالأراضي التي احتلتها من أوكرانيا، وبقاء نظام زيلينسكي في الحكم، وأن تنهي روسيا حملتها تحت معادلة تأمين ممر بري بجزيرة القرم. وضم أربع مناطق أوكرانية، وفشل الهجوم الأوكراني المضاد على أنه انتصار روسي. وهذه الإشارة التي أُرسلت للغرب تدل على تراجع بوتين عن مطالبه السابقة. التي كانت تقضي برحيل زيلينسكي وحكومته. وعدم انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وإبعاد الناتو عن الحدود الروسية.
الوضع الميداني على الجبهة
بالرغم من الإعلان الروسي عن تحقيق خرق على محور مارينكا، لا تزال المعارك مستمرة بين مد وجزر، وأوكرانيا مستمرة في الدفاع عن أرضها. كانت روسيا تحاول تحقيق انتصارات في مناطق دونيتسك ومساواة خط الجبهة، لذلك شنت في الفترة الأخيرة هجمات كبيرة على محاور أفدييفكا ومارينكا وكوبنسك في مناطق البحر الأسود وخيرسون ومليتوبل. لكن على ما يبدو يقابلها دفاع أُوكراني شرس لم يسمح لروسيا بهذا التمدد. وبالتالي ارتفعت أعداد القتلى وتكبد الطرفان خسائر كبيرة، وبالأخص من الجهة الروسية.
في المقابل تتبنى روسيا بعض الآراء الأوروبية، التي تقول بأن الغرب ترك أوكرانيا، وبالتالي لن تستطيع الصمود. وبات من السهل على موسكو فرض معادلاتها من جديد على كييف. وهذا كان محور حديث بوتين في الخطاب الذي ألقاه في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لمدة أربع ساعات أمام الصحافة العالمية. وتوقف عند العديد من النقاط التي تتضمن تزويراً للتاريخ. وأولاً أن الحرب في أوكرانيا أهلية داخلية، وكأنه يعتبر روسيا وأوكرانيا دولة واحدة. في حين أنه في بداية الحرب اعتبرها “عملية خاصة” ضد المتطرفين الأوكران. وثانياً قال أيضاً بأن الغرب ساهم في غدر روسيا منذ الثورة التي حدثت عام 2014 مع الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، وهذا غير صحيح وتشويه الحقيقة. لأن حليفه يانوكوفيتش هو من انقلب عليه، وذهب للتوقيع في فيلنوس على المعاهدة التجارية. والتي تم الإعداد لها لأكثر من ثلاث سنوات. وكانت روسيا ترى هذه الأمور وكأن ياكونوفيتش أعلم روسيا بذلك. وكانت أوكرانيا تأمل من هذه الاتفاقية أن تسمح لهم بالذهاب إلى أوروبا مدة 90 يوماً يستطيعون خلالها العمل من دون فيزا أو إقامات للعمل، وتغيير حياتهم الاقتصادية التي بدأت تسوء بسبب العقوبات والحصار الذي فُرِض على أوكرانيا ومنع تسهيل التجارة. ووصول المنتجات الأوكرانية إلى الأسواق الروسية. هذا الكلام عارٍ عن الصحة. لأن بوتين يعلم أنه هو من بدأ بتضييق الحصار على أوكرانيا وفرض شروط الهدف منها السيطرة على المواقع الاقتصادية الأوكرانية. فرفض الأوكران ذلك ونزل الشعب الأوكراني وثار ضد الحكومة فقلب النظام الفاسد الذي كان يُعتبر موالياً لروسيا. التي لم تجر أي استثمارات لتعديل حياة الشعب الاوكراني، وبالتالي خسرت البلاد نتيجة طموحات الأوليغارشية وضيق مفاهيم القادة السياسيين بما فيهم بوتين، وبأن أوكرانيا مكاناً للسيطرة وليس لبناء الثقة والاقتصاد. لذلك فالحرب ليست أهلية، لأن أطماع بوتين كانت تقودها في محاولة للسيطرة عليها، وبالتالي إبعادها عن تحقيق طموحاتها. وهذه الحرب شنها مرتين، الأولى في العام 2014 عندما احتل الدونباس، ليس لمساعدة أهلها، إنما في محاولة للسيطرة على أوكرانيا كلها وتغيير النظام فيها من أجل إبعادها عن أوروبا وتهديد أوروبا نفسها، والثانية في العام 2022″.
محاولة رفع المعنويات الروسية
وفي خطاب الرئيس فلاديمير بوتين “لحزب روسيا الموحدة”، حيث قدم فيه نفسه كمرشح لولاية خامسة في روسيا الموحدة في 17 كانون الأول/ديسمبر، قال بوتين أيضاً أنه سيعمل على إعادة بناء دولة روسيا القوية ذات السيادة التي يحترمها الجميع. أمام هاتين النقطتين وجّه رسالة واضحة لأوروبا بأنه لن يخوض الحرب ضد أوروبا والناتو. وفي الوقت نفسه وقف وأشاد بوزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، وكأنها رسالة إلى الولايات المتحدة، يؤكد فيها أنه مستعد للحوار والاتفاق على أوكرانيا.
من خلال الجلسة السنوية مع الصحافيين ومؤتمر تقديم ترشيحه أمام الحزب الحاكم، نرى أن بوتين بات أمام أمرين خطيرين: الأول أنه لن يستطيع السيطرة على أوكرانيا، في ظل هذه الحرب الضروس التي خاضها وكبدته خسائر بشرية وعقوبات اقتصادية هائلة. والثاني أنه بات يعلم أن الجلسة الأخيرة التي حصلت في بروكسل بالاتحاد الأوروبي، طًرِح على مصراعيه شعار أن كل دولة تجد نفسها حرة وديمقراطية ويمكنها تنفيذ الشروط المطلوبة الانتساب إلى الاتحاد. وصوّت المجتمعون بالإجماع لصالح أوكرانيا بأنها باتت مؤهلة، وقد يصار في القمة القادمة تحديد الموعد الزمني لها ولملدوفيا لدخول الاتحاد الأوروبي. هذا الأمر بات يشكّل مظلة لأوكرانيا التي أصبحت على عتبة الاتحاد الأوروبي. من هنا يحاول بوتين من خلال هذا الطرح، القول للغرب أنه لا يريد القتال وفي الوقت نفسه يريد، في الفترة الانتخابية القادمة، أن يعد الشعب الروسي الذي أصبح يعاني من عزلة وتضييق وانتشار الناتو من الغرب والشرق والشمال، وصولاً إلى أوكرانيا، إنه لا يريد الخوض في معارك ضد الناتو، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى حرب تدميرية ونووية”.
إن “بوتين يطرح بطريقة أو بأخرى يفتح باب الحوار للمستقبل على أوكرانيا مع الغرب. لأن كل طموحاته التي كان ينوي خوضها وتهديد أوروبا فشلت. سنتان من الحرب أثبتت أوكرانيا قدرتها على الصمود . وعرّت دور روسيا التي كانت تعتبر أنها دولة قطبية وثانية. وبالتالي بات يسعى من فتح الحوار مع الولايات المتحدة وأوروبا. الذهاب إلى الانتخابات القادمة والقول بأنه قاتَل وأنجز، وحاول إبعاد الناتو عن مناطق الدونباس، وكأنه أمام هذه الحالة، يطرح معادلة جديدة. ويطلب من الغرب أن يبقى الوضع على ما هو عليه في مناطق الجنوب والشرق التي احتلتها روسيا كمكافأة لها، شرط اعتراف أوكرانيا بذلك، وتحديداً في جزيرة القرم، مقابل الإقرار بأنه لن يستطيع إبعاد أوكرانيا عن البيت الأوروبي، وبالتالي يخرج بوتين، وكأنه هو مَن ربح الحرب وأنهاها والغرب وافق على شروطه.
في متابعة للأخبار المنشورة في المواقع الروسية الموالية للكرملين والحكومة، يُلاحظ أن الدولة تحاول اجتزاء مقاطع من بعض التحليلات الصحافية لإبرازها أمام الرأي العام الروسي، بأن الغرب سيتخلى عن أوكرانيا ولن يمولّها. وبالتالي لن تستطيع الصمود سوى شهرين، وهذا بفضل قدرات بوتين الذي يخوض الحرب ضد العالم كله. وبالتالي الغرب أفلس وروسيا ما تزال قدراتها العسكرية والمالية قوية جداً. ولهذا السبب فتح باب التفاوض مع الغرب وأوروبا والولايات المتحدة وبشروط روسية”.
تنشر روسيا مقتطفات من بعد الصحف الغربية التي تتناسب مع طرحها في تعزيز طروحاتها الهادفة لتسويق فكرة بأن الغرب بات يتخلى عن أوكرانيا، وهزيمتها باتت قاب قوسين. مثلا في 18 كانون الأول/ديسمبر الماضي، روجت الوسائل الإعلامية الروسية مقتطفات من صحيفة “فايننشال تايمز” بأن حلفاء أوكرانيا في الغرب يقترحون عليها تجميد الصراع مع روسيا وتقديمه باعتباره انتصارا. وكذلك تشير “وول ستريت جورنال” بأن الدبلوماسيين الغربيين يقولون بأن أوكرانيا لن تتمكن السير بالحرب دون مساعدات غربية. واستنادًا إلى “وكالة بلومبرغ” الأمريكية وبحسب تقديرات القائد السابق للناتو الجنرال المتقاعد الأمريكي جيمس ستافريديس، بأن أوكرانيا لن تنجح بشن حرب جديدة في العام القادم.