قمْ للمُعلِّم وَفِّهِ التبجيلاَ.. عبد اللطيف خطّابي مُكرَّماً في مدينته الخُزَامِيّة الفيحاء

قمْ للمُعلِّم وَفِّهِ التبجيلاَ.. عبد اللطيف خطّابي مُكرَّماً في مدينته الخُزَامِيّة الفيحاء

د. السفير محمّد محمّد خطّابي    

               تحية ًعالية لـ “مجموعة  قدماء تلاميذ ثانوية أبي يعقوب البادسي” بمدينة الحسيمة الفيحاء (شمالي المغرب)، على تكريمها المُستحقّ، بتاريخ 9 مارس 2024، لأخينا الأستاذ عبد اللطيف مَحمد خطابي، عن سيرته التعليمية المُشرِقة والمُشرِّفة، ومسيرته التربوية الطويلة الحافلة بالنجاحات المتواصلة، والتضحيّات الجسيمة التي بذلها في حقل تعليم وتلقين الأجيال المتعاقبة فى هذا الثّغر السّاحلي الجميل، الذي يطلّ على أحدِ أجملِ الخُلجان البحرية في العالم.

فرسان وفارسات اليراع والإبداع

   شمل هذا التكريم إلى جانب السيد عبد اللطيف خطّابي، وسيشمل في مستقبلٍ قريب إن شاء الله صفوةً من الأطر التعليمية الأخرى (رجالاً ونساءً)، الذين أصبحوا من فرسان وفارسات اليراع والإبداع في منطقة الرّيف الوريف حيث تتميّز، وتشتهر هذه المنطقة بتاريخها الحافل بالأمجاد، والمفاخر، والشّهامة، والإباء، والبطولات، والتضحيّات، والإنتصارات التي سَجّلها التاريخ بأحرفٍ من نور، والتي واكبت هذا الكفاح المستميت، والنضال المرير، خلال الحرب التحرّرية الماجدة التي قادها الزّعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله  وثلّة من المُجاهدين الأبرار ضدّ الاستعماريْن الاسبانيّ  والفرنسيّ الغاشميْن في الرّبع الأوّل من القرن العشرين الفارط، هذه الإنتصارات أصبحت  اليوم حديثَ  جمبع أحرار العالم في مختلف أنحاء المعمور.

هذه الخطوة  المباركة، والبادرة الطيّبة التي قامت بها “مجموعة قدماء تلاميذ ثانوية أبي يعقوب البادسي” تستحقّ كلّ التقدير والتنويه لتكريمها لهذه النخبة من الأساتذة الذين أفنوا أعمارَهم في إعداد وتنشئة أجيالٍ هائلة من التلاميذ الذين أصبحوا اليوم من المُسيّرين لهذا الاقليم الجميل، حقاً إنه لعمل رائع جديرٌ، وقمينٌ، وحقيقٌ بنا أن نقول بملء أفواهنا وقلوبنا إنها الرّوعة فى قمّة أوجها، ورونقها، ذلك أن الأستاذ عبد اللطيف  مَحمّد خطّابي معروف كذلك بإسهاماته الوافرة في مجالات البحث العلميّ الحثيث، والدراسات الأدبية، والبحوث البيداغوجية، والتربوية، والتعليمية الرّصينة في مختلف الصّحف والمجلاّت المُتخصّصة داخل بلاده وخارجها، فضلاً عن كتاباته في مختلف مرافق الحياة، ومقالاته في الصّرح الإعلامي  المنيف (رأي اليوم)  الرّائدة الغرّاء، وفى جرائد ومواقع أخرى وطنية ودولية، تشهد له بطول باعه في العَطاء التطوّعي الخِصب، الذي تحفل به كتاباته  في مختلف حقول العلم والدراسات في ميدان تخصّصه. 

رؤىً مُستنيرة زاهيّة

   والله أخي، لقد أبدعتَ، وأبلغتَ، وأمتعتَ، وأقنعتَ،وأشبعتَ غليلَ هُيامَ المتعطشين للعلم والمعارف والعرفان، بكتاباتك البليغة عن مختلف المواضيع التي تتطرّق إليها باحترافية عليا، هذه الكتابات إنما هي داناتٌ مُشعّة متّصلة الحلقات، موثوقة  الأواصر والعُرىَ والصّلات، تجعل من لغة الضاد السّاحرة التي نتحاور، ونتشاور، ونتفاهم، ونتواءم، ونتقارب، ونتدانى بها ذاتَ رؤىً مستنيرة، زاهرة، هذا الكائن الذي ترجع جذورُه، وأصوله، وأثوله، وينابيعُه إلى الأزمنة الغابرة  البعيدة الضاربة في القدم، والذي يتغذّىَ من تراثنا الخالد، ومن مختلف الرّوافد والثقافات، والحضارات، والعلوم، والآداب، والأشعار، والفنون، والحِكَم المشهورة، والأقوال الجارية على الألسن المأثورة، ومن مجريات التاريخ، وتوارد الحكايات، وتعاقب الأساطير التي يحفل بها تاريخنا  العربي والأمازيغي العريق.

مشاعر جيّاشة

   كثيراً ما أخبرتك وأبلغتك في مناسبات شتىّ أن هذه المشاعر الجيّاشة التي تُفصح بها وفيها في كتاباتك الرّصينة عن مختلف المواضيع التي تستأثر ياهتمامنا، وتشغل بالنا عزّ وجودُها، وقلّ نظيرُها وشحّت مثيلاتُها على أيّامنا  العصيبة التي تفتقد إلى الذكرى الجميلة التي تنفع المؤمنين، وعليه فإنّك كنت وما زلت تصرّ وتؤكّد في هذه الكتابات والتدوينات باستمرارعن أمرٍ خطير داهمنا في عصرنا هذا الرديئ، الذي  ما انفكّ يُشغلنا ويُشغل البشرية ذات القلوب الرّحيمة جمعاء بإلحاح، وهو أنه طالما أنّ التقتيل، والتنكيل، والتعذيب، والتجويع، والمظالم الوحشية الآثمة التي ما فتئ يتعرّض لها ويعيشها ويعاني منها إخوة لنا في العِرق والتاريخ في فلسطين الحبيبة السّليبة فلن يهدأ لنا بال، ولن نتخلّص من الضّنك، والدّنس، والنكد الذي أصبح يملأ حياتنا، ويغمرُ قلوبنا، إنها مشاعر ذات أبعاد إنسانية شفيفة، وأحاسيس قلبية مفعمة عفيفة، تندّ من نفسك الزكية التوّاقة دوماً للحرية، والكرامة، والانعتاق.

عودة إلى الماضي البهيج

    هذه المشاعر المُترعة بالمحبة والمودّة  والوئام تعود بنا الى الماضي البعيد، وتذكّرنا بأناسٍ، وأبطالٍ، وخلاّن أخلصوا لنا الودَّ الجميل، وصانوا العهدَ الأثيل، وتمسّكوا بأهدابِ أناسٍ أحرارٍ كِرامٍ أوفياء، والمبادئ الأصيلة التي لا تستسلم لمرور الأعوام، ولا تستكين لتحاتّ الزّمن، وإليك  مثلاً حيّا على ما نقول: ففي بلدان  أمريكا الجنوبية  فى هذا الشقّ  النائي من العالم الجديد، الذي تربطنا به أواصر وُثقى لا انفصام لها، وتجمعنا به صلاتٌ عميقة لغوية وفكرية، وثقافيةً، إبداعاً، وإشعاعاً، وعناءً ومعاناةً، فى تلك الرّبوع والأصقاع  النائية المترامية الأطراف التي عشتُ – كما تعلم –  في العديد من بلدانها سنواتٍ طويلة، ونهلتُ، واِغترفتُ خلالها الكثير، والكثيرمن تاريخها، وآدابها، وأشعارها، وفنونها، وحِكَمِها، وأمثالها، وقصَصِها، وطرائفها،   وحكاياتها، وأساطيرها حيث نعثر في كتاب مشهور بعنوان: “ذاكرة النّار”  Memoria del fuego  للكاتب الأورغوائيّ  الكبير الذائع الصّيت إدواردُو غاليانو   Eduardo Galeano الذي تسنّى لك قراءته، وأعْجِبْتَ به أّما إعجاب في كتابي الذي يحمل عنوان: (أمريكا الجنوبية: الوجه والقناع… أضواء مثيرة على ماضي وحاضر العالم الجديد)، حيث  نجد طرفةً تاريخية عميقةَ الغور، بعيدة المعنى والرّمزية عن مدى اِعتزاز الكثير من الخلاّن  الأصفياء من المُكرِّمين والمُكرَّمين ، إذ يحكي لنا الكاتب “غاليانو” فيها: أنّ البطل المكسيكيّ التاريخيّ الثوري الشّهير Pancho Villa “بانشُو فيِيّا” كان اسمُه الحقيقي هو “دوراتيُو أرانغُو” Duratio Arango، وبانشُو كان اسم أعزّ أصدقائه، وعندما قتل الحرسُ المدني صديقَه الذي كان ينتمي إلى شلّة “أرانغو” اِتّخذ لنفسه اِسمَ صديقه، أيّ الاسم الذي هَوَى وسقط في ساحة الوغىَ، وأصبح اسمُه “بانشو فييّا” حتى لا يموت اسمُ صديقه أبداً ويمّحي، إنّه نوع  من الإيثار الخُلقي، وضربٌ  من مصارعة  ومواجهة الموت ضدّ النّسيان الذي يُعتبر الموت الوحيد الذي يقتل حقيقةً. وهكذا ظلّ اسمُ صديقه حيّاً في شخصه ما زالت تردّده أمريكا والعالمُ  كلّه حتى يومنا هذا المشهود. وذاك ما  كنتَ تلقّن به  تلاميذتك، وطلابك، وأصدقاءك، وخلانك خلال السّنوات الطويلة التي امتدت لعقود وأنت تدرّس بألمعيّةٍ فائقة، واحترافيةٍ عليا أجيالاً متعاقبةً من الشباب الطموح في مدينتك الجميلة  الفيحاء، (الحسيمة) وكان طبيعياً أن يأتيك هذا التكريم المُستحقّ بكلّ المعايير مُجرجراً أهدابَه إليك، والذي كنتَ حقيقاً، وجديراً، وحريّاً به ولا ريب.

الدّفق والتداعي المتنامي العميق

    شكراً لك  أخي على هذا الدّفق والتداعي المتنامي العميق، لقد كان يراعك  وما يزال جميلاً أنيقاً مِدرَارَا، وما انفكّ عطاؤك خَلْقاً بهيّاً لامعا، ومَربعاً ودَارَا.. ودام لك حلو البيان، طوعَ الأنامل والبنان… وتهنىة عالية أريجها باقاتٌ من العطور العبقة الفوّاحة، والورود البرية الزكية التي تنتشر في ضواحي ونواحي وأرباض مدينتك  الخزامية (الحسيمة)  السّاحرة، رحيقها مزهريّات قرُنفلية نديّة، وصَبَاها أريج ٌمن  الطيب، والياسمين، والحبَق والرّياحين، مزدانةً ومُشعشعةً بألوانٍ  أنيقة من  أطيافٍ  قوْسقزَحيّةٍ زاهية.

والشّكر العميق موصول لـ  ” مجموعة قدماء تلاميذ ثانوية أبي يعقوب البادسي بالحسيمة” ، التي لم تألُ جهداً ، ولم تدّخر وسْعاً في توالي تكريم أبناء مدينتهم الذين اضطلعوا بأدوارٍ حاسمةٍ وفعّالةٍ في تنشئة الأجيال الشابّة الصّاعدة  الطالبة للعلم، والمعارف، والعرفان مؤمنين، ومقتنعين، وعاملين  بفحوى ومغزى الأبيات الشّعرية  البليغة لفقيه الأدباء، وأديب الفقهاء العالم الجليل الجهبذ الإمام الشافعيّ رضي الله عنه، إذ يقول في هذا المضمار:

ومَنْ فاته التعليمُ وقتَ شبابِه   /    فكبِّرْ عليهِ أربعاً لوَفاتِه ..

فإنّ حياة المرء بالعِلْمِ والتُقىَ   /   إنْ لم يكونَا لا إعتبارَ لذاته.

Visited 42 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. محمد محمد الخطابي

كاتب، وباحث، ومترجم من المغرب عضو الأكاديمية الاسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا