التقارب الروسي- الإيراني أمام المواجهة مع أمريكا

التقارب الروسي- الإيراني أمام المواجهة مع  أمريكا

خالد العزي

        يمكن القول بأن بداية العلاقات – الروسية الإيرانية  كانت علاقات يسودها نوع من التأرجح الحاد، من خلال الاختلافات الشديدة والانفراج التدريجي في العلاقة، لأن روسيا كانت في علاقاتها تعتبر نباتية بسبب علاقاتها مع الغرب، ولكن بعد العام 2014 باتت بدأت بالتحسن التدريجي، نتيجة التصادم والحصار، لتصبح دموية مع الغرب، مما ساهم أكثر في تطوير العلاقات الروسية الأمريكية تدريجيًا.

      وكأن العلاقات الروسية الإيرانية باتت تعتمد على “رسالة الإمام الخميني” الموجهة للاتحاد السوفياتي، في بداية عهد الرئيس غورباتشوف، ودعوته إلى الدخول في الإسلام، لكن كما يبدو بأن  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد التزم بهذه الوصية، فأخذ روسيا نحو الإسلام الإيراني.

تطور العلاقات الإيرانية – الروسية

     إن العلاقات بين البلدين أخذت بالتطور، وباتت تظهر  مراحلها  الأولى عندما بدأت العلاقات الروسية – الإيرانية تتطور مع انتخاب الرئيس حسن روحاني عام 2013؛ وانطلقت  بشكل جدي، في 13 أيلول/ سبتمبر 2013، لما التقى رئيسا البلدين في بشكيك (قرغيزستان)، وأعربا عن عزمهما على تعزيز العلاقات الثنائية لتصدير النفط الإيراني إلى روسيا، مقابل استيراد بضائع من روسيا، وأجرى البلدان في مطلعِ عام 2014 مباحثاتٍ لتطوير التجارة، كان من المتوقعِ أن تصلَ قيمتها إلى 20 مليار دولار. علاوةً على ذلك، فإن تشديد العقوباتِ الغربيةِ على روسيا في ظل الأوضاع العسكرية والسياسية المتدهورة في أوكرانيا، يدفعُ روسيا باتجاهِ إيران، ويمكن أن يفضي إلى تعزيزِ العلاقات بينهما، ومنها في ميدان التعاون العسكري. وبالفعل فقد زار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف موسكو أكثر من مرة في العامين المنصرمين، وآخرها في آب / أغسطس 2015.

    مع توقيع الاتفاق النووي في فيينا بين إيران والولايات المتحدة، ولم يُسلط الضوء عليه حتى الآن، هو تأثير هذا الاتفاق على الوشائج (العلاقة) الإيرانية الروسية. يجب أوًلا تحديد المساهمة من  الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية. ولتحديد مستقبل العلاقات الروسية – الإيرانية، في المفاوضات ودوافعِها. وبالنظر إلى أن الكثير من المراقبين ينظرون بسلبية كبيرة إلى روسيا، في المفاوضات وانعكاساتِها على الاتفاق. يبقى السؤال هو : هل عملت موسكو بفاعلية على تسهيل الوصول إلى الاتفاق؟ إذ أسهمت الاقتراحاتِ الروسية في تحديدِ الشكل النهائي للاتفاق الموقّع، إسهامًا كبيرًا، وأصابت المفاوضات عبر نجاحها “مفهوم التدرج والمعاملة بالمثل”، الذي طرحَه دبلوماسيون روس، بحيث كانت كخطوٍة تخطوها إيران باتجاه الامتثال، رافقها خطوة مقابلة من مجموعة 1+5 والأمم المتحدة في تخفيف العقوبات الدولية.

الخلافات الروسية – الإيرانية

    على الرغمِ من أن التعاون بين إيران وروسيا يتجاوز التقارب في ملفاتٍ وقضايا متعددة، لكن خلف هذا التحالف تظهرُ بعض الخلافاتِ أو الاختلافات في وجهاتِ النظر، نتيجة لتعارض المصالح والرؤى والخلافات العديدة، ومنها:

– قضية تقسيم بحر قزوين والثروة النفطية والغازية.

– البرنامج النووي الإيراني.

-التنافس الروسي – الإيراني في آسيا الوسطى.

– القضية السورية.

    وعلى الرغمِ من التفاهم الروسي – الإيراني بات عمق الخلاف يظهر للعلن، ويمكن العودة إلى شريط صوتي مُسرب، إلى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بتاريخ  28 أبريل/ نيسان 2021، وفيه انتقدَ سيطرة “الحرس الثوري” على السياسة الخارجية للبلاد، وإدخالها في الحرب الأهلية السورية بأمر من روسيا.

    ويصر ظريف أيضًا على أن روسيا عارضت “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وعملت بشكل وثيق مع “فيلق القدس” لتقويضِ الاتفاق النووي، على الرغم من أنها ساعدت في التفاوض على وضعه، ومن وجهة نظرِهِ، تركز سياسة روسيا على التأكد من أن إيران تبقى التحدي الأول لواشنطن في المنطقة، وبالتالي تحويل انتباه أميركا عن موسكو. 

    وكانت شرارة الخلاف قد اندلعت عقب الاجتماع الوزاري السادس للحوار الإستراتيجي بين روسيا ودول الخليج، الذي عقد بالعاصمة الروسية موسكو، في العاشر من يوليو/تموز الماضي 2022، الذي شهد دعم روسيا للموقف الخليجي بشأن الجزر الثلاث المتنازع عليها بين طهران وأبوظبي في مياه الخليج، وهي جزر طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى.

  ولم تكتفِ طهران بالتصريحات، بل صعّدت من لهجتِها بالضد من السياسة الروسية، حيث استقبل رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية كمال خرازي، السفير الياباني لدى طهران كازويوشي أيكاوا، ودعا خرازي – المعروف بقربِه من مكتب المرشد الإيراني- كلًا من موسكو وطوكيو، لحلّ خلافاتهما عبر الحوار بشأن “جزر الكوريل” المتنازع عليها بين البلدين، حيث يأتي ذلك تزامنًا مع مطالبة الأوساط الإيرانية بلادهم بمعاقبةِ موسكو على تجاوزِها ما وصف بـ”الخطوط الحمراء”، وذلك عبر تحدي احتلال روسيا لأراضي دول الجوار ومساعيها لتغييرِ الحدود الجغرافية.

    يذكّر الدبلوماسي الإيراني والسفير الأسبق في بريطانيا، جلال ساداتیان، موسكو باحتلالها شبه جزيرة القُرم وضمها، فضلًا عن دعم موسكو لانفصال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا، مطالبا الخارجية الإيرانية -في حديثه لـ”ألجزيرة نت”، باستغلال هذه الملفات، كونها تمثل الخاصرة الرخوة للجانب الروسي، وإعادة النظر في علاقاتها مع روسيا، لا سيما بما يتعلق بالحرب الروسية على أوكرانيا وإدانة المحاولات الروسية، ضم عددا من المقاطعات الأوكرانية إلى أراضيها.

السلاح الصاروخي  والمسيرات  

   عقدت طهران اتفاقا مع موسكو لشراء مقاتلات “سوخوي-35″، بالرغم من  مضيِّ فترة على الاتفاق، فإن طهران لم تتسلم أيًا من هذه المقاتلات، و لكنها استنتجت لاحقا أن لديها القدرة على إنتاج مقاتلات محلية الصنع.

    وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، خلال زيارته لطهران،  إن العلاقات بين روسيا وإيران وصلت إلى مستوى جديد، على الرغم من معارضة معظم دول العالم الغربي.

وشدد شويغو أن بلاده  “تهدف إلى تنفيذِ مجموعة كاملة من الأنشطة المخطط لها، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة وحلفائِها الغربيين”.

وأن “ضغوط العقوبات على روسيا وإيران  تظهر عدم جدواها، في حين أن التفاعل الروسي الإيراني يصل إلى مستوى جديد”.

فإن العلاقات الروسية – الإيرانية في المجال الدفاعي تتطور بشكل ديناميكي وإيجابي. وفي الآونة الأخيرة، تكثّفت الاجتماعات على أعلى مستوى بشكل كبير”.

فإن روسيا تعمل، فيما يبدو، على تعزيز تعاونها الدفاعي مع إيران، وإنها تلقت مئات الطائرات المسيرة الهجومية التي تستخدمها في مهاجمة أوكرانيا.

   إذن  بعد حرب أوكرانيا ابتدأت علاقات جديدة بين الرئيس فلاديمير بوتين  وإبراهيم رئيسي بظل العقوبات  الغربية.

ونقل البيت الأبيض، في 9 يوليو 2023، معلومات جرى رفع السرية عنها، أن المسيرات صنعت في إيران  وشحنت عبر بحر قزوين، لتصل إلى القوات الروسية التي تستخدمها في أوكرانيا.

   رغم العلاقات الكبيرة بين إيران وروسيا، والتعاون العسكري بين البلدين في سوريا الممتد لأكثر من عقد من الزمان، والزيارات المكوكية المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين، وعزمهم فتح صفحة جديدة للعلاقات الثنائية، عبر التوقيع قريبا على معاهدة التعاون الإستراتيجي طويل الأمد، فإن “الخلاف” دب مؤخرًا بين البلدين، فبات العنوان الأبرز للمرحلة الحالية وسط تصعيد دبلوماسي إيراني تجاه موسكو. لكن ما نريد الإضاءة عليه بأن الولايات المتحدة  جدًا منزعجة من تصرفات إيران والتصاقها بروسيا، بالرغم من  محاولة الإدارة الأميركية الحالية فعله وما قدمته من تنازلات لإيران، لكن الدعم العسكري الروسي، وتحديدا في مجال المسيرات في دعم حربها ضد أوكرانيا، قد أزعج  الولايات المتحدة وأيضا دول الاتحاد الأوروبي، التي كانت تصر على الاستمرار بالاتفاق النووي، لأنها هي جزء منه، لكن تزويد روسيا بالمسيرات والسلاح لضرب دولة أوروبية هم معنيون بإعمارها من أموالهم، حيث باتت المسيرات والصواريخ البالستية الإيرانية تهدد الأمن القومي الأوروبي، مما جعل الغرب يشدد الطوق  والعقوبات على إيران، التي باتت تربط نفسها بروسيا، التي ورطتها بموضوع المسيرات وتزويدها لها.

   قد تكون إيران حاولت الالتصاق بروسيا وربط مصيرَها بها، من أجل ابتزاز الولايات المتحدة، لأن عين إيران على الولايات المتحدة وأرجلها محصورة في السلة الروسية، التي باتت ترى نفسها، وخاصة بعد “عملية طوفان الأقصى” وفتح الجبهات المتعددة، بأن طوق نجاتها باتَ بيد واشنطن، من خلال تقديم التنازلات، لأن روسيا لم يعد بمقدورها أن تفعل لإيران أي شيء.

التجارة  بين البلدين للالتفاف على العقوبات 

   لابد من الذكر بأن الرئيس الروسي توجه بزيارة إلى طهران، في 21 يونيو 2022، بعد عدة شهور من غزو أوكرانيا، وكأنه يحاولُ أن يرسلَ الرسائل للغرب بأن الحلف الإيراني – الروسي سيكون موجها ضد الغرب بظل العقوبات التي فرضت عليهما. وروسيا وإيران هما من منتجي النفط والغاز الرئيسيين، ويمكنهما وضع استراتيجية لتعاظم الضرر الذي يلحق باقتصاديات الغرب، من خلال الحد من إمدادها بالوقود مع ضمان ارتفاع أسعار صادراتهما، وهي الأسعار التي يجب أن يدفعها البلدان (في الغرب) التي تسعى إلى عزلهما.

   ولكن بعد أعوام من النقاش، أبرمت طهران وموسكو في 17 مايو 2023 اتفاقية إنشاء خط سكك حديد، يربط بين مدينتين في شمال شرق إيران، هما “رشت” و”أسترا” الحدودية مع أذربيجان، والمطلة على بحر قزوين، مما يتيح عملية الربط التجاري البري بين جنوب شرق آسيا وشمال أوروبا.

  وتأتي الاتفاقية في إطار “الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب”، (المعروف اختصارًا بشسم “خط شمال جنوب”)، والموقّع في مطلع الألفية الثالثة بين روسيا والهند وإيران، ويتيح نقل البضائع برّاً من الأولى إلى الثانية مرورا بأراضي الثالثة.

   إذن، تعزيز التعاون المشترك للالتفافِ على العقوبات الغربية المفروضة على كل منهما، بتوقيع اتفاقية لتسريع إنشاء حلقة أساسية في شبكة للسكك الحديد، ستسرّع نقل البضائع وتتيح الاستغناء عن ممرات بحرية أبرزها قناة السويس.

   بتاريخ 22 أيلول 2023، وبدعم روسي نالت إيران في سمرقند الأوزبكية موافقة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، والانضمامِ الدائم إليها  كعضو دائم، حيث وقّع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وجانغ مينغ الأمين العام لمنظمة شنغهاي على الاتفاق.

التجارة بين  إيران روسيا  

    فقد “ارتفع حجم التجارة بين البلدين في العام 2021 بنسبة 81%، ووصل إلى أعلى مستوى تقريبًا في السنوات الماضية، أي ما يقارب 4 مليارات دولار. وخلال الربع الأول من العام، ارتفع معدل التبادل التجاري أكثر من 10%”.

   وتم توقيع عقودٍ تجاريةٍ وصناعية عديدة كمشاريعَ محتملة لمدينة “شيراز”، لإشراك متخصصين روس في توسيع مترو الأنفاق، وتبادل إمدادات النفط والغاز بينهما، وفتح مصانع للمسيرات الإيرانية في روسيا. وأيضًا إحياء التعامل بالريال الإيراني مقابل الروبل الروسي في مبادلاتهما، فإن حجم التجارة الخارجية بينهما لم يرتق إلى المستوى المنشود، في محاولة واضحة للاتفاف على نظام العقوبات الدولية المفروضة على اقتصادهما.

   وكذلك العمل في البنية التحتية لحفر لأنابيب الغاز في إيران، التي أصبحت في حالة أشد بؤسا، وروسيا، بخبرتها الواسعة في استغلال الغاز الطبيعي ّ وبناء خطوط الانابيب والنقل، على أتم الاستعداد للمشاركة في مشاريع واسعة النطاق للغاز على الاراضي الإيرانية.

   وأخيرًا، لا تقتصر الفرص على الشركات الحكومية الضخمة في إيران ما بعد العقوبات، ستغدو شديدة الجاذبية لرجال الأعمال في العالم، ومن بينهم روس من الأثرياء الذين جالوا في سوق طهران للأوراق المالية في الفترة  السابقة.

   أما في ما يتعلق بمستقبل العلاقات بين إيران وروسيا، فإنه مرهون بتحول البيئة الداخلية والخارجية، ومن خلال متابعة العلاقات بين البلدين على مدار العقدين الماضيين، يلاحظ أن موسكو تتعامل مع إيران وفقًا لسياسة فصل القضايا.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني