في معرض الكتاب: الحكواتي الجديد يحكي الاحتفالية الجديدة
د. عبد الكريم برشيد
فاتحة الكلام
الأيام الأخيرة، في حياتي اليومية كانت اياما احتفالية وعيدية بامتياز، وانتقلت برا وجوا إلى أكادير، ومنها إلى تارودانت حيث عشت الربيع مسرحيا وفكريا وجماليا، وعشت مسرح الناس الأحياء في الزمن الاحتفالي الحي.
وانتقلت إلى الرباط، ومعي ثلة من الاحتفاليين الصادقين، وعشنا الزمن الاحتفالي، بأجوائه ومناخه وطقوسه العيدية، وأكدنا للعالم بأن الاحتفالي دائما في الموعد، وبأن هذه الاحتفالية التي هي نظامه في الحياة، ممنوعة من الصرف، وممنوعة من الانصراف، وممنوعة من العزلة والانعزال، وممنوعة من السقوط سهوا، وممنوعة من الغياب والتغييب، وممنوعة من الاغتيال ومن الاستئصال.
وفي هذا النفس الجديد، من هذه الكتابة المجددة والمتجددة، ونقول الحكواتي الجديد، ونحن لا نقصد إلا ذلك الحكواتي الاحتفالي القديم، والذي تجدد اليوم مع تجدد الزمن، والذي أصبح من حقه أن يحكي من خلال وسائل الاتصال الحديثة، وأن يحكي ويحاكي حياة الناس للناس في كل ربوع هذا العالم.
وفي النفس السابق من هذه الكتابة المتأملة، كان الموضوع عن المرآة، وذلك في الإبداع الفكري والجمالي، وخصوصا في المسرح، والذي هو مرآة الحياة البرانية والجوانية معا، وقد كان لابد للاحتفالي الرائد والمجدد جناح التامي أن يذكرنا بصحبته وبعلاقته المتجددة بالمراة، وفي هذا السياق وجدناه يقول لنا (في الإحتفالية لا شيء ممكن بدون التجريب، وقد اشتغلت في ألعاب خيمة السيرك المصغر بأسواق الشمال وبالضبط “المضيق” هناك لعبة الرأس المقطوع، وبدهشة كبيرة اكتشفت سحر المرايا… وعرفت أنه في العرض وكالاحتفال لابد من المرايا. وهي مرايا مقعرة ولولبية ومكسرة وكلايدوبسكية، وهي مائية وبلورية وأخرى سوداء نحاسية وآلمنيومية وتمويهية.. كاشفة لنوع لا يظهر اسمه المرايا الإنسانية).
وفي هذا النفس الجديد نمارس الحكي الصادق أمام المرايا الصادقة، بحثا عن أصدق الحالات وعن أصدق الأفكار وعن أصدق المشاعر وعن أصدق الاختيارات الفكرية والجمالية.
لغة احتفالية جديدة لزمن احتفالي جديد
وهذا الاحتفالي الحكواتي لا يعيش وحده، وهذا الواقع ليس واقعه وحده، وهو يحيا حياته ومعه حيويته ومعه جنونه ومعه هذيانه ومعه صوره المدهشة، ومعه ظلاله المتحركة. وهو لا ينطق وحده أيضا، ولا يحكي وحده، ولا يحاكي هذا العالم وحده، وهذا ما يفسر بحثه الدائم والمتجدد عن لغة إنسانية فوق واقعية وفوق طبيعية، لغة سحرية تسع واقعه وتاريخه، وتسع يقظته ومنامه، وتسع عقله وروحه، وتسع آنه ومآله، وهذه اللغة الكاملة والشاملة هي التي اعطتها الاحتفالية اسم (اللغة الفردوسية) والتي تقع عند ملتقى الطرق بين الفن والعلم وبين الفكر والصناعة وبين الحكاية والأسطورة وبين الممكن والمحال.
وفي كتاب بعنوان (كتابات على هامش البيانات) يؤكد الاحتفالي على أن المسرح أساسا لغة، أو انه لغات متعددة ومتحدة ومتناغمة ومتضامنة ومتكاملة، وأن الأساس في هذه اللغة اللغات هو أن تكون شاملة، وأن تحقق التواصل بين الأجساد والنفوس والأرواح، وبالنسبة للاحتفالي فإن أخطر اللغات – وأشرفها وانبلها كلها – هي تلك اللغات الحية التي تحقق أكبر قدر من الاتصال بالحقيقة وبالجمال وبالخيال وبالمعاني والقيم، وأيضا، من التواصل ببن الناس، بعضهم ببعض، وبين الأمم والشعوب، وبين الثقافات المختلفة).
وفي ندوة المعرض الدولي للكتاب والنشر بمدينة الرباط، وفي يوميه الأخيربن، كانت الكلمة احتفالية، ولقد قيلت جهرا وعبر الميكرفون بلغة احتفالية صادقة، وذلك في أجواء احتفالية صادقة، وبالتاكيد، فقد كان كل الحاضرين في فضاء مكتبة المدارس، أو داخل قاعة الندوات يتساءلون، بعد كل هذا التاريخ الطويل والعريض والعميق، في التفكير والكتابة والابداع، ماذا بقي للاحتفاليين أن يقولوه لنا؟
وما الجديد الذي يمكن أن يضيفوه اليوم في هذين اللقائين الفكريبن الجديدين؟
ثم أيضا، ألم يتعبوا بعد من هذه الاحتفالية؟
في هذبن اللقائين حاولت شخصيا ألا أكون مفكرا وعالما وفقيها في فقه المسرح والحياة، ولقد حرصت على أن أكون حكواتيا فقط، وأن اروي للناس قصة الاحتفالية أو حكاية الاحتفالية، لا يهم، والمهم هو أنها ليست خرافة، وأنها ليست أسطورة، وقد يكون بها نفس ماراطوني وملحمي، والفاعلون في هذه الاحتفالية الإنسانية والمدنية لم يأتوا من عالم ما وراء الطبيعة. ولكنهم أبناء هذه الأرض، وأبناء هذا الوطن، وأبناء هذه الثقافة العربية الأمازيغية الأفريقية الموريسكية المتوسطية، وبهذا فقد استحقت هذه الاحتفالية أن تكون حقيقة واقعية وتاريخية، ولقد كانت صغيرة وبسيطة في منطلقهأ، وهذا شيء طبيعي جدا، ولكنها كبرت ونمت واتسعت وتشعبت وتمددت وتعددت مع توالي الأيام والأعوام، وهي حقيقة أوجدت نفسها بنفسها، مما يؤكد أننا لم نستوردها من الخارج، ولم نستعرها من الآخرين، ولم نهربها عبر الحدود كما تهرب البضائع الممنوعة، ولعل أجمل ما في هذه الحقيقة الاحتفالية هو أنها كانت – وماتزال- وفية للإنسان في نسبيته ومطلقيته، وأنها وفية لهذه الأرض أيضا، بكل امتداتاتها الجغرافية والثقافية، ووفية لهذا التاريخ بكل أحداثه وأسمائه، وبكل مظاهره وظواهره، ونعرف أن هذه الحقيقة الاحتفالية قد اوجدها سياقها، وأنضجتها شروطها الذاتية والموضوعية، وهي بالتاكيد تنتمي إلى الحقيقة المطلقة، وهي بهذا جمال نسبي أوجده جمال الوجود، وأوجده جمال الحياة وأوجده منطق التاريخ.
ونحن نقدم اليوم هذه الاحتفالية ونقول هي حكاية، ونحن من عاش هذه الحكاية، ونحن من يحكيها، وهي في الأصل حكاية فتية (آمنوا بربهم وزدناهم هدى) ولولا ذلك العشق الصوفي الذي بلغ درجة الإيمان الصادق، فهل كان ممكنا لتلك الحكاية الاحتفالية أن تتاسس، وأن تحيا وأن تقاوم الغياب والموت والعدم؟
أولئك الفتية المؤسسون لم يفعلوا شيئا سوى أنهم آمنوا بربهم الذي أوجد هذا الوجود، وأبدع هذا الإنسان، وأبدع هذه الإنسانية، والذي صور هذا الإنسان في أحسن صورة، أولئك الاحتفاليون المؤسسون آمنوا بالحياة والحيوية، وكان ذلك في زمن وثني، ولقد اقتنعوا بأن هذه الحياة هي أغلى منحة من ربهم، وأنهم مؤتمنون على هذه الحياة، وأنهم مسئولون عنها، وآمنوا أيضا بالمدينة وبالمدنية، وأكدوا دائما على أن هذه المدينة هي أساسا إبداع إنساني تاريخي، وأنها ارتقاء فكري وجمالي وأخلاقي في الحياة، وهي بذلك فعل إنساني تاريخي، والذي هو من إبداع العقل الذي منحهم ربهم. من أجل إيجاد الإنسان الكامل ومن أجل تأسيس المدينة الفاضلة ومن أجل الحفاظ على حيوية الحياة في الحياة.
الاحتفالية وتصحيح السؤال القديم
هم بلاشك يسألون اليوم، أين وصلت العربة االاحتفالية، في سيرها وحركيتها، وهذا من حقهم بكل تاكيد، وأما نحن، فإننا نسأل، ما الذي أوصلته هذه الاحتفالية للإنسان والإنسانية؟ وماذا أضافت لوعيه وفكره ووجدانه وروحه وخياله؟ وما القيمة المضافة التي أتت بها؟
وهم يصرون على أن يشغلونا بالقضايا الصغيرة والتافهة، ونصر نحن على أن نشغلهم بالأسئلة الوجودية الحقيقية، وهم يسلطون الظلام عليناْ، ونسلط نحن الأضواء الكاشفة على القضايا الفكرية والجمالية والأخلاقية الحقيقية، ونحن نؤمن بأنه من الممكن أن نخطئ، ونؤكد على أنه من حق المجتهد أن يخطئ، بشرط أن يصلح خطأه، بعد أن يعرفه ويعترف به، ونؤمن أيضا، بأن من يسقط إلى الأرض يمكن أن ينهض من جديد، وأن يتابع السير في نفس الطريق الذي اختاره. ونؤمن أيضا بأن من يموت بجسده يمكن أن يحيا بأفكاره وفي أفكاره، ويحيا في إبداعه إلى ما لا نهاية.
ونؤمن أيضا، أن من يذنب يمكن أن يتوب. ونشهد الله أننا ما أذنبنا، وأننا ما مارسنا في حق الناس إلا الحب لوجه الله ولوجه الحق والحقيقة وأوجه الجمال والاكتمال ولوجه الفضيلة.
كل الأبواب إذن مفتوحة، أو هكذا ينبغي أن تكون، وهكذا يقول ويكتب الاحتفالي دائما، ولا شيء مغلق سوى بعض العقول وكثير من النفوس المريضة، ومهمتنا في الاحتفالية هو أن ناخذ الناس على قدر عقولهم وعلى قدر فهمهم، وكل ذلك من غير أن نكون شعبويين بالضرورة، وأن نبيع للناس المستضعفين الأوهام باسم النضال والنضالية وباسم التقدم والتقدمية.
وهم يقولون (لا جديد تحت الشمس)، ونحن في الاحتفالية نقول (وكل الجديد موجود فوق الشمس وموجود خلف الشمس، وحلمنا الاحتفالي الرمزي، لا يمكن أن تدركه الشمس أبدا، سواء في الشروق أو عند الغروب.
والذين أثثوا فضاء المعرض بمدينة الرباط في دورته التاسعة والعشرين كانوا خمسة، تماما مثل الحواس الخمس، ومثل الصلوات الخمس، ومثل القارات الخمس، وليومين متتاليين قدموا الإبداع الاحتفالي من خلال نص مسرحي هو (الحكواتي الأخير) وقدموا الفكر الاحتفالي من خلال مداخلات فكرية رصينة، وهذه الأسماء الاحتفالية هي:
د.محمد الوادي، د. محمد محبوب، د. عطاء الله الأزمي، د. نور الدين الخديري، ود. عبد الكريم برشيد.
فعن منشورات المدارس بمدينة الدار البيضاء صدر مؤخرا كتاب جديد للدكتور عطاء الله الأزمي وقد أعطاه عنوان (بين التراثي والحداثي في ” الحكواتي الأخير ” احتفال مسرحي في نفس واحد)، وهذا الكتاب كان ضيف معرض الرباط الدولي للكتاب والنشر، وقد ناقشه الأساتذة د. محمد الوادي ود، نور الدين الخديري وعبد الكريم برشيد. وقد أدار النقاش حول هذا الكتاب القيم د. العثماني ميلود
ود عطاء الله الأزمي فاعل ثقافي معروف بجديته وبسعة صدره وبأخلاقه العالية وبحبه لللغة العربية وآدابها وفنونها وعلومها، وهو مناضل ثقافي معروف بدفاعه عن جماليات الفنون العربية.
والكتاب هو محاولة للقبض على نظام الكتابة الدرامية من خلال مسرحية في كتاب. والقبض على روح وجوهر المسرح الاحتفالي، وذلك من خلال مسرحية واحدة، وبخصوص هذه الكتابة الدرامية، الجديدة والمتجددة، يقول صاحب الكتاب ما يلي (وإذا كانت الكتابة الدرامية لدى المبدع عبد الكريم برشيد متدثرة بتعدد الأحوال والمواقف والشخصيات والمعاناة والاحتفالات والأنفاس المسرحية، فإن السمة البارزة التي تتوشح بها جميع نصوصه المسرحية، منذ سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، تتجدد في النظرية الاحتفالية التي تتمظهر عبر ثناياها، مكرسة المفهوم الجديد للكتابة الدرامية، في إطار تقنية عامة تعتمد على الأنفاس، وعلى الكتابة الحيوية، وعلى اللغة الفردوسية).
هذا الكتاب الجديد ناقشه الحضور نقاشا علميا رصينا، بحثا في هذه المسرحية عن نظام الكتابة الاحتفالية، ومن بين المداخلات كانت مداخلة د، نور الدين الخديري،ّوالذي حضر من مدينة برشيد، ود. نور الدين الخديري هو ناقد وباحث ومؤرخ مسرحي حقيقي متميز. وهو موجود دائما حيث ينبغي أن يوجد، وهو الأستاذ الأكاديمي الذي لا يخبئ وراء استاذيته، وهو يكتب عن المسرحيين حبا وعشقا في المسرح، وهو يكتب كلمته العالمة والصادقة والرصينة والعالمة ويدعها تتحدث عنه، وهو في عالم التجمعات والتكتلات والتحالفات لا ينتمي لأي (حزب) نقدي، ولا لأية قبيلة نقدية، وهو لا يساوم بقلمه، ولا يتباهى بمعرفته، ولا يستعرض معلوماته، ولا يقتبس من غيره، ولا ينصب نفسه في النقد حكما وحاكما ومتحكما، وهو في نقده الرصين والهادئ لا يلقي بالأحكام الجاهزة يمينا وشمالا، ولا يجري مع التيار الغالب في مجراه، وهو لا يكتب إلا بعد ان يقرأ، وفي قراءاته يقرأ ما في السطور وفي ما بينها ايضا. ومن كتبه (دراسات في الأدب والمسرح) وكتاب (مسرح عبد الكريم برشيد التراثي في مساحات النقد) مع الأستاذة نعيمة الحرشي.
محمد الوادي.. الاحتفالي الجديد في الاحتفالية المتجددة
وفي اليوم الثاني، كما في اليوم الأول، حضر د. محمد الوادي أيضا، ولكن هذه المرة من خلال قراءة فكرية جادة، فيها علم وفكر وفن. وفيها بلاغة وإقناع فكري وإمتاع جمالي، وفي هذا يشترك كل الكتاب الاحتفاليين، والذين يزاوجون في كتاباتهم بين المتعة الجمالية والخطاب الفكري الواضح.
ويعرف الجميع أن د. محمد الوادي ليس مجرد اسم عابر في الطريق السيار للاحتفالية، وهو أساسا مفكر ومنظر ومهندس جمالي، وما كان يهمه في هذه الاحتفالية دائما، هو أن يحياها اولا، وأن يراها بكل العيون الكائنة والممكنة، وان يتمثلها وهي تتحرك معه باتجاه نفسها، وباتجاه الحق والحقيقة، وباتجاه الجمال والكمال، وأن يكون لها في هذا التاريخ موقع وعنوان، وأن يكون لها موقف مما يجري في حياتنا اليومية. ومثل كل الاحتفاليين المؤسسين والصادقين، فقد كان هذا الاحتفالي يدرك، بحسه الفطري السليم، أن أخطر ما يمكن أن يتهدد هذه الاحتفالية. ليس خصومها، ولكنه الزمن، ومكر الزمن، ولقد اقتنع أن الغد الآتي يحول الشباب شيخوخة. ويحول الجديد قديمأ، ولهذا فقد فكر في احتفالية تقام البلى، وتقاوم القدم والقدامة وحراس الأوثان والأصنام، وأن تكون احتفالية جديدة ومتجددة بشكل دائم ومستمر ومتواصل، وبذلك فقد كانت اضافته الكبرى، داخل الأسرة الاحتفالية، هو ما سماه بالاحتفالية الجديدة. والتي ستصبح بعد ذلك هي (الاحتفالية المتجددة) ولقد أعطى مداخلته في هذه الندوة الفكرية عنوان (الجسور الناظمة لوشائج الأسئلة بين الاحتفالية والاحتفالية الجديدة).
ولقد انطلق، في مقاربة «الاحتفالية وامتداداتها الجديدة» (من المحاور التالية التي نعتبرها مجرد مدخل لدراسة الاحتفالية في تعالقاتها الجديدة:
1- فاتحة الأسئلة المفتوحة
2- الاحتفالية التي كانت. . والاحتفالية التي أصبحت
3- الاحتفالية الجديدة. . والأسئلة الفعلية
4- بيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة)
وهو لم يقف عند حدود التمسرح الاحتفالي، باعتباره آلية أو منهجية أو تقنية، ولقد تجاوزه (إلى ما هو فلسفة وفكر، واجتماع، وصناعة مرتبطة بالوهم الإبداعي بما هو شطحات، وأنسجة سرية، وترابطات غير مرئية. كما أن هذه المحاور، من خلال استقراء تراتبيتها وتداخلاتها تشكل ضميمة، وكتلة معرفية، ومحفزات تساؤلية محرضة على إنتاج معرفة ما).
ومثل كل الاحتفاليين، في كل زمان ومكان، يتساءل د محمد الوادي بخصوص تاريخ هذه الاحتفالية، من أول بيان إلى غاية (بيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة)
( ماذا تغير في الاحتفالية (المسرح والنظرية والفكر)؟ وماذا بقي فيها ساكناً وثابتاً؟
-كيف كانت الاحتفالية أيام المعارك النقدية؟
وكيف أصبحت أيام صمت أصحاب الأوراق والمشاريع التنظيرية والكيد النقدي ؟
– هل هناك مِن تَغَيُّر جوهري واضح على مستوى التأليف والأداء والإخراج والتصور والتلقي؟
أم أن المسار بقي مبهماً وغامضاً، وبالتالي لم يكتسب بَعْدُ ملامحه المميزة ؟
كيف نقرأ المتغيَّر الاحتفالي في صورته الظاهرة، وفي رسائله المشفرة المرمزة ؟
-كيف نقرأ الثابت الذي يشكل العمود الفقري للتوجه والاختيار الاحتفالي، في وثوقيته؟
-الثوابت في الاحتفالية (الآن – هنا – نحن) من جهة (الإنسانية – المدنية -الحيوية) من جهة أخرى، ألم تلحق ضرراً بالاحتفالية وتجعلها أسيرة المثلث المضاعف؟
– والمتغيرات في الاحتفالية (الانتقال – على مستوى الحركة الداخلية – من الاحتفالية إلى احتفاليات أخرى) ألم تخلق عسر فهم لمتلقي الاحتفالية، وخصوصاً المتلقي النمطي؟
– ونحن، ماذا نريد من الاحتفالية؟ وكيف نريدها أن تكون؟
هل نرغب في الاحتفالية الكائنة بأدبياتها، بفكرها، بأساليبها، ببياناتها، بنصوصها، وبكل مكوناتها الراهنة؟
أم نتوق إلى الاحتفالية الممكنة المتعددة المتجددة والجديدة؟)
هو مسرحي احتفالي، زاده السؤال، وعدته السؤال، ووجهته السؤال، ومنهجه السؤال، وهو يبدأ بالسؤال السهل والبسيط، والذي يحيله على السؤال الصعب والمركبْ، وهو يميز بين السؤال الفعل والسؤال اللافعل، وهل هناك اجتهاد فكري وعلمي وجمالي حقيقي لا يقوم على السؤال الفعل وعلى السؤال الفاعل وعلى السؤال المتفاعل؟
وهو يبدأ فعله التاسيسي من حس تجريبي، يتغيا استحضار الغائب وإيجاد اللا موجود، وهل هذه الاحتفالية إلا تجريب بعد تجريب بعد تجريب إلى ما لا نهاية؟
وهو في مداخلته يقول (نروم، من خلال هذا التسويد الاستفهامي، رسم خطاطة مؤقتة للاحتفالية الجديدة بما هي اجتهاد عملي، اختار طوعاً، وبوعي نقدي، أن يكون مجاله الرحب هو الاحتفالية المرجع. ولكي نروي عطشنا المعرفي الدائم فقد عزمنا على «اقتراف» الأسئلة كآلية منهجية وإبداعية لتحقيق غرض الشك «التجريبي» كمرحلة من مراحل مسار طويل وعنيد ومشاكس. وهكذا بدأنا -إجرائيا- بالأسئلة الاستكشافية، معرجين على الأسئلة الاستفزازية التحريضية لترسو سفينتنا -مؤقتا- في ميناء الأسئلة -الفعل، والتي هي، في منظورنا الخاص، شبكة من المترابطات والتعالقات. وهي، كذلك، المدخل السالك لتأثيث معرفة حقيقية ذات أبعاد جمالية، وتصاميم بيانية دقيقة، وقوة اقتراحية لإنجاز فعل مسرحي متفرد وفاعل. حضور الأسئلة قائم في الممارسة الثقافية العربية، خاصة في الاشتغال النقدي والاستشراف التنظيري)
وبخصوص هذه الأسئلة يتساءل د،محمد الوادي: ما هي طبيعة الأسئلة في ثقافتنا العربية، وتحديداً في المجال المسرحي؟
لو أعدنا – على سبيل الاستقراء- قراءة متن الأسئلة ضمن ضميمة (إبداع، نقد، تصور نظري. .) من مارون النقاش، مروراً بأسماء وتيارات واتجاهات ونظريات وأوراق نقدية، وصولاً إلى الآن مع آخر متسائل في الهامش المسرحي، لاكتشفنا أن هذه الأسئلة لم تخرج – في أحسن أحوالها – عن طابع البداهة. وهو العامل الذي ساهم، بقسط وافر، بوعي أو بغير وعي، في سكونية الثقافة العربية، وجعل المسرح العربي في منأى عن فعل التأسيس والتبلور. من هنا، فالأسئلة -الفعل، التي ندعو إلى اعتمادها كآلية، هي هذه القراءة التساؤلية الغائبة المغيبة.. هي هذه السطور المحذوفة سهواً ونسياناً وعمداً.. هي هذه «الملفوظة» الفوكوية التي تظهر وتختفي، وتقتطع حيزها الوجودي والتاريخي والمسرحي ضمن ثنايا النص المفتوح الممتد من أجل بلورة ما يمكن أن نسميه ب «الحقل السؤالي» أو «المنظومة الاستفهامية» إن شئنا، والبحث فيه بالعمق المعرفي، لكن ليس كما صاغه فوكو (وهو هنا لا بد وأن يكون مرجعا) ولكن كما تؤسسه الاحتفالية المشاغبة في الذاكرة بكل منسياتها وهوامشها)، والأصل في هذه الاحتفالية هو انها حركة وتحرك ومحرك وطاقة محركة، وبهذا تكون هذه الاحتفالية – في معناها الحقيقي ‐ هي تاريخها، والذي هو نقلات ومنعطفات ومستجدات وأضافات وانتصارات وانكسارات ومراجعات وتحديات ومراجعات، وبخصوث تلك الاحتفالية التي كانت. وهذه الاحتفالية الاحتفاليات كما أصبحت اليوم، يقول د. محمد الوادي:
(أكيد أن الاحتفالية التي هدمت الأصنام، والهياكل، والأسوار التي شيدها المسرح الأرسطي، وأزاحت الجدار الرابع وكل الجدران الوهمية، وكسرت القواعد التعليمية البريشتية، والقواعد والقيود التقليدية المهترئة.. تتوق لمواصلة فعل الهدم، وفعل التنقيب، لكن ليس بهدف الهدم المجاني، وليس على أساس مسلمات يقينية، بل على أساس توليد أسئلة جديدة ومتجددة سميناها الأسئلة/الفعل.
نعلم أن الاحتفالية كانت في الأول فكرة طرحها رجل عبقري، فيلسوف اختار أن يكون المسرح، بكل ظلاله وأطيافه وعوالمه وجنونه وأحلامه، هو فلسفته التي تؤويه.. هو محرابه الذي فيه يتعبد ويمارس طقوسه. هذا الرجل شاءت الأقدار أن يكون هو عبد الكريم برشيد، صاحب الاحتفالية التي بدأت عنده سؤالاً، ثم تفكيراً صامتاً، ثم خرجت الفكرة من سجن التخمين الأحادي المنعزل لتصبح منظومة لها نسقها، ولها طموحها، ولها منتسبوها. هذا التطور السريع كان ولا يزال هو المخيف في الاحتفالية، وهو الذي جعل المؤسسة الرسمية تتموقف منها، وتستشعر خطورتها، وبالتالي تخندقها وتحاصرها، بل وتنتدب من يقوم بالمضايقات العلنية المفضوحة. وفعلا تزايد خصومها النفعيون. إلا أن الذي لم تلتفت إليه هذه المؤسسة، ولم تحسبه جيداً، هو تزايد عدد المقتنعين بالفكر الاحتفالي وبرسالته الفنية.
-ونعلم، كذلك، أن الاحتفالية كانت مفرداً، ثم تعدد الواحد ليصبح جماعة صغيرة، ثم كبرت الجماعة وتجاوزت ذاتها وبروتوكول التوقيع لتصبح جماعة أكبر يوحدها الميثاق الإنساني غير المكتوب، والخط الفكري الملتزم، لا الإمضاء الشخصي المتجاوز)
وهذه الاحتفالية الأم ( كانت احتفالية واحدة، ثم أصبحت الآن احتفاليات، برز منها الاحتفالية الجديدة، وهناك مؤشرات على بروز احتفالية متجددة، وأخرى ملحونية وأخرى إيكولوجية.. أي مسرح أو أي فكر لا يتناسل ولا يتوالد محكوم عليه بالانقراض والزوال. وهو ما حدث مع أوراق نقدية وتصورات نظرية).
هذه الاحتفالية اذن، هي أساسا حياة وحيوية، وهي جسد حي، ينمو ويكبر ويستع ويرتقي سلم التطور والتحول والتجدد، وهذا هو الذي غلب عن بال النقد الإيديولوجي في قراءته للاحتفالية، والتي كانت قراءتة قراءةسكونية، تقوم على النقل وحده. ولا تقوم على العقل، ونفس عذا الخطأ تكرر مع النقد المسرحي المغربي والعربي المدرسي، والذي حاول أن يبحث عن الاحتفالية في المكتوب القديم، بدل أن يبحقدث عنها في المعيش اليومي الجديد والمتجدد وفي المفكر فيه الآن هنا.
وفي معرص حديثه عن الاحتفالية الجديدة، في علاقتها بالأسئلة الفعل، يقول د. محمد الوادي:
(وضعنا الاحتفالية تحت مجهر السؤال النقدي، تعددت الأسئلة فأصبحت منظومة. في الأول أحسسنا ببراءتها، لأنها طرحت في مفصل عن الاختراق، إلا أن الفعل المخابراتي تسلل إليها وأصبحت الأسئلة مغلفة بالإيديولوجيا، وحينما سكنها هاجس الإبداع، وهاجس العلم معاً، غدت فوارة/مسكونة بأثر الخلفيات والمرجعيات، ودخلها شيء من التأويل. لذلك استبعدت الاحتفالية الجديدة – بوعي- الأثر الإيديولوجي وغروره السياسي السافر الذي غالباً ما يغتال الغرور الإبداعي.
كان همنا هو تأسيس الأسئلة -الفعل، ولكن اصطدمنا بالأسئلة -اللافعل، والتي هي – بالضرورة- غير مشاغبة، ومنافية للإبداع، ومنافية للتغيير وللمسرح الحقيقي. وبالتالي فهي غير مؤهلة لتصبح أسئلة احتفالية، وذلك لعدم قدرتها على إضافة قيم جديدة، وهذا يتنافى مع المسرح كقيمة نوعية، وكبُعد إنساني حميمي تواصلي).
ويختم د. محمد الوادي مداخلته بالحديث عن( بيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة — بيانات لما بعد الجائحة): والتي هي بيانات ثلاث:
البيان الأول بعنوان: (بيان العيد والتعييد: الاستمرار مع التجديد)
أما البيان الثاني فهو (بيان الأسئلة المستجدة في الاحتفالية المتجددة)
وأما البيان الثالث فهو (بيان المسرح, الكاتب والمنكتب)
وتأتي هذه البيانات الثلاثة مباشرة بعد جائحة كوفيد، والتي شكلت خطرا كبيرا على الإنسان وعلى الإنسانية وعلى الحياة وعلى الحيوية وعلى المدينة وعلى المدنية، والتي كانت ضد الفرح وضد التلاقي وضد التقارب وضد الخروج من سجن البيت وضد العقل والمنطق، وكانت هي اللامعقول وهي العبث وهي الفوضى وهي المأتمية وهي العدمية، والتي لا يمكن أن تكون لها أية علاقة بالاحتفال والاحتفالية وبفلسة العيد والتعييد، وفي هذا المعنى يقول د. محمد الوادي (بعد تراكم العديد من الكتابات الإبداعية والنقدية يأتي التنظير كتتويج وقراءة لما قبل، وفي ذات الوقت، كتصور ورسم طريق لما بعد، أو لما سيأتي.
ثلاثة بيانات دفعة واحدة عن الاحتفالية وهو ما يفسر زخم الأحداث التي مرت، والتي لا تزال سارية المفعول في الزمن والمكان. جاءت هذه البيانات الراصدة للحياة وللإنسان وللفعل الثقافي والفلسفي والفكري… في وقتها لتعلن:
أولاً: أن الاحتفالية (الإبداع والنقد والنظرية والفكر والفلسفة…) باقية، وحية، وفاعلة، ومتفاعلة.. قارئة للواقع وللمعرفة الإنسانية، وهي موضوع قراءة أيضاً. إنها الشاهدة والمشْهُودَة والمدوِّنة.
ثانياً: أن التنظير والممارسة فعلان متماهيان ومترابطان وأن الناظم بينهما هو الإنسان الاحتفالي/الإنساني الذي يعيش في المدن الاحتفالية، ويمارس الحياة الحيوية، وله كلمة هو قائلها، وله رؤية حقيقية للوجود والإنسان والموجودات.
ثالثاً: أن مدينة الدار البيضاء، أو كازابلانكا، التي احتضنت هذه البيانات الاحتفالية الثلاثة مجتمعة كدلالة على الكبر والحجم والطول والعرض والعمق، وبذلك يمكن لقارئ هذه البيانات أن يقف على الحقيقة التالية، وهي أن هذه المدينة التي وصفت ظلماً بالإسمنتية والحديدية والجفاف في العواطف، والقسوة في القلوب، ولا إنسانية الإنسان فيها، وأن الحياة فيها روتينية وهمجية وفوضوية، إنما هي قراءة خاطئة وتوصيف غير دقيق، والحقيقة عكس ذلك تماماً، بل هي مدينة الأحلام والجمال والمسرح والحياة الحيوية والأعياد.
هذه البيانات التي كتبها عبد الكريم برشيد لا تعبر عنه وحده، بل هي بيانات كل الاحتفاليين، وكل المسرحيين، وكل المكتوين بنيران الإبداع.. ومن هذا المنطلق يمكن أن نقول، لكل زمن احتفاليته التي تنتسب، بالضرورة – فكرياً وبيولوجيا – إلى الاحتفالية الأم، ولكنها احتفالية ولود، فقد انجبت احتفاليات: جديدة، ومتجددة،… وبما أن الاحتفالية المفرد لا يمكن أن تعمر طويلاً جاءت بصيغة التعدد، وبفلسفة الانفتاح على الاجتهادات.
جاءت (بيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة ) ضاجة، يؤبكما البيانات السابقة، بالأسئلة الوجودية والفلسفية والفنية والتنظيرية، ولكن على ضوء الأحداث الجديدة والمستجدة.. إنها أسئلة ما بعد الجائحة. هذه هي الاحتفالية لا تتخلف عن الموعد ولا تبقى رهينة الماضي، أسيرة الرؤية التقليدية، بل تواكب الأحداث والتطورات وتطلعات الإنسان الجديدة).
محمد محبوب.. سيزيف الاحتفال و الاحتفالية
وفي الجلسة الثانية، كان للدكتور محمد محبوب كلمته، وماذا يمكن أن اقول عن هذا الاحتفالي المناضل وعن كلمته التي اختزلت فكرا كاملا؟
نقول هو الفنان الصادق بحسه الجمالي، والذي لا تخطئه العين السليمة، وهو العالم والمفكر ، وهو السياسي الأصيل، وهو النقابي المدافع عن الحق والحقيقة، وهو الجمعوي المتطوع، وهو المواطن المغربي والكوني. وقبل كل هذا، فهو الإنسان الاحتفالي الجميل والنبيل، صاحب المواقف المبدئية التي لا تقبل المقايضة ولا تقبل التفويت ولا تقبل البيع والشراء. من كتبه (المسرح المغربي: أسئلة ورهانات).
وفي إطار مهرجان المسرح العربي بمدينة الدار البيضاء تم تقديم وتوقيع كتابه (التمسرح وجمالياته – في الظواهر المغربية الاحتفالية-).
من مقالاته التنظيرية تستوقفنا مقالة جادة في اشتغالها وجديدة في رؤيتها. وهي المقالة التي أعطاها عنوان (الهوية الاحتفالية: من الاتباع إلى الإبداع)، وفيها يقول (وإذا كانت الاحتفالية قد رسخت العودة إلى الأصل والثابت في الممارسة المسرحية الدرامية الإنسانية، فإنها بالمقابل قد أعلنت الثورة على القواعد والأشكال السائدة في المسرح المعاصر، ورفضت كل تطابق وظيفي مع الممارسات المسرحية القائمة، كالواقغية والطبيعية والملحمية ومسرح العبث ومسرح القسوة وغيرها من الأشكال والطرائق والمذاهب واختيارات المسرحية السائدة).
وفي الندوة أعطى مداخلته القيمة عنوان: (المسرح الاحتفالي الأسس الجمالية والفكرية وحدود التجديد)، وفيها يقول (لا شك أن إدراج موضوع الاحتفالية في هذه الجلسة الثقافية المميزة يشكل إقرارا صريحا بالحضور الوازن للتيار الاحتفالي في المشهد الثقافي والمسرحي المغربي والعربي عامة.
لقد أصدرت الاحتفالية بيانها الأول سنة 1976 قبل ثمانية وأربعين سنة. لم يكن البيان نزوة فكرية عارضة، أو حالة من حالات رد الفعل محكومة بالآنية والانفعالية، اوبحثا عن تموقع محتمل في ساحة مسرحية تعج بالمبادرات والمحاولات التي ترمي إلى إثبات الذات، في سياق الحماس الذي يسيطر على الفاعلين المؤسسين لكيان المسرح المغربي الناشئ.
فالاحتفالية، على مايبدو، كانت مشروعا طموحا، ويتسم بقدر عال من النضج، لذلك قرات بعناية وامعان وعمق اللحظة التاريخية، والمناخ السياسي والثقافي والأيديولوحي الذي ميز هذه المرحلة. وبالتالي، فإن ظهور الاحتفالية، حسب عبد الكريم برشيد، لم يكن سحريا، وغير طبيعي، وغير واقعي، وغير تاريخي، وجاء بلا حيثيات، وبلا مقدمات، وبلا مسببات، وبلا سياقات، كما توهم البعض، ممن وقعوا ضحية صدمةالظهور وعنفها، وحدتها، وقوتها ، ودهشتها.
فالاحتفالية أثبتت أنها مشروع لتأسيس مسرح آخر، أو صيغة أخرى لممارسة المسرحية تنأى عن الاستنساخ، وتؤسس الفعل المسرحي على أسس الفكر من جهة، وتراكم الممارسة والإبداع من جهة ثانية.
لذلك تبدو الاحتفالية جديرة بالمساءلة والتقييم بعيدا عن منطق الإقصاء الإبعاد والتغييب، وهو سلوك رافق الاحتفالية منذ نشأتها، وتحول هذا الإقصاء أحيانا كثيرة إلى سلوك عدواني، ربما زاد في تأجيجه قوة الرد البرشيدي، فالرجل بقدر هدوئه الظاهر، فهو يملك طاقة كبيرة في الجدال، وقوة مرعبة في الرد والتعقيب.
ومن مظاهر هذا النزوع الإقصائي المبيت ماتعرض له الاحتفاليون في مهرجان المسرح العربي بالدار البيضاء من تهميش، ومحاولة قتل مادي ورمزي، حيث اعتبر الاحتفاليون هذا السلوك فضيحة أخلاقية، وخيانة لروح الفن، ذلك أن المسرح في جوهره تجمع احتفالي، وممارسة عيدية، وهو فن الحضور والتلاقي، وهو علم تدبير الاختلاف بشكل ديمقراطي. فقد تفاجأ رموز الإبداع بالعالم العربي بقرار اقصاء تجربة عبدالكريم برشيد من المسألة والقراءة، العلمية كماحظيت تجارب مغربية أخرى محدودة العطاء في الزمان والتأثير.
يأتى ذلك في دينامية استثنائية في المنظومة الاحتفالية بصدور بيان كزبلانكا الذي يعد ثورة تنظيرية وعلامة فارقة في فكر وإبداع هذا التيار.
وبعيدا عن موضوع الإقصاء والتضييق، فإن المناسبة تستدعي قراءة هادئة للمنظومة الاحتفالية. ووضعها في إطارها الجمالي، وتعليق الرؤية لهذا الثيار.
فما طبيعة التمسرح الاحتفالي؟
ما هي مرجعياته الفنية والفلسفية؟ ماحدود المحافظة وطبيعة التجديدفي هذه المنظومة؟)
ويبقى للحكواتي الاحتفالي حكايات أخرى.. ويبقى للمتكلم الاحتفالي كلام آخر.. وتبقى للحياة الاحتفالية أيام أخرى سوف تأتي.
Visited 56 times, 1 visit(s) today